أمل الكردفاني - التخلي- مسرحية من مشهد واحد

الشخصيات:

رجل الأعمال
الساعي العجوز فتحي
رجلا الأمن
ضابط الشرطة
الشرطيان


المسرح: (لا شيء)...


(يدخل السيد رجل الأعمال ويضع كرسيا ثم يعود ويضع كرسيين قبالة بعضهما ... يجلس على الكرسي الأول ويرفع قدمه اليسرى على الكرسي الثاني ، يرتدي بدلة ورابطة عنق ويتحدث عبر هاتفه الجوال بسرعة)
رجل الأعمال: لن أنتظر حتى تصل شحنتك من الصين... أنا لن أتحمل اخطاءك يا سيد...سأمنحك حتى مساء الغد إن لم تورد غطاء للشيك فسأقدمه للنيابة. يقفل الخط ويرفع جوالا آخر) انتظرني دقيقة لا تقفل الخط.. معي شخص آخر... لا لا لا تغلق الخط احتاجك ضروري جدا .. ألو .. اسمع معي اتصال آخر أغلق وساعاود الاتصال بك.. اهلا نعم...هل التقيت به.. حسنا .. كلام طيب .. سأنجز له خطاب الضمان غدا ... مليون ومأئتا ألف دولار ... (يدخل رجل عجوز يحمل كوب شاي فيضعه على الكرسي الثالث ثم يهم بالخروج) عم فتحي... (يشير للعجوز الذي لا يسمعه بل يخرج مباشرة) لماذا قمت بتعيين هذا الأطرش الذي لا يسمع... (يواصل حديثه في الهاتف بسرعة)...نعم..خطاب معزز يا سيد... نعم... وبمجرد تنفيذ العقد يتم تسييل الخطاب..القضية محسومة.. حسنا سأحدثك في وقت لاحق (يخرج هاتفا ثالثا ويرد عليه).. أنت مستشاري القانون يجب أن تطعن في قرارات وزير التعدين..هذه القرارات ستسبب خسائر بالملايين لنا وحتى للدولة... ركز على الدولة...حسنا (يرفع الهاتف الأول) لن نستطيع شراء عملة حرة بعد السياسات الجديدة..حاول ان تنجز بسرعة لا نملك الكثير من الوقت...حدد ميعادا لنجتمع بالرئيس في أسرع وقت... (يرفع الهواتف الثلاثة ثم ينظر لها فجأة).. ما هذا؟؟؟ (برعب) ماذا أفعل...؟؟؟؟ هذا ليس طبيعيا بالمرة....(ينهض من الكرسي ويسير ببطء وهو يتأمل السماء) إن حياتي تضيع مني وأنا ألهث وراء العمل..عمل ..عمل ..عمل... إلى أي شيء سأصل؟؟؟ هذا جنون... أين حياتي (يقبض بأصابعه على جبهته.. ينظر للهواتف بجزع).. لن استمر... فلتذهب الأموال إلى الجحيم... (ترن أجراس الهواتف الثلاثة في وقت واحد وتصدر ضجيجا عاليا)... اللعنة... ثم ماذا بعد... هل أموت .. هكذا بلا معنى... هكذا ... لكن... أين البديل... إنني لا أملك بديلا ... علي أن أعيش.. علي أن أشغل عقلي وزمني بشيء...شيء يشتت انتباهي عن حقيقة العدمية.... لا شيء سوى العمل ..العمل..العمل...لكن..كل هذا هراء ... كل متعي الناقصة في الحياة التي لم تصل يوما لنهايتها...إنهم يقولون أن هناك جنة...لكن...لا أحد منهم رآها .. لا أحد أكد وجودها... مجرد جمل لغوية.. جمل تحسم الظنون بلا أدلة ... تفرض علينا أن نتلهى بوعود ما بعد الموت...ولماذا كل هذا؟؟؟... (تستمر أجراس الهواتف ترن بإزعاج)... إنني مرهق جدا.. مرهق ويجب أن أعترف بأنني بت أشعر بالعبثية المطلقة كلما جاءتني رسالة من البنك تخبرني بنزول مليون دولار في حسابي... هذه الأموال الخضراء الشاحبة التافهة....إنها لا تعني شيئا... لا تعني شيئا... فما معنى هذه الحياة البائسة؟؟؟ (يدخل العجوز فتحي ويقف أمام الكرسي الذي عليه كوب الشاي)...
العجوز فتحي: لم تشرب الشاي يا سيدي...
رجل الأعمال: إنني أمر بلحظة غريبة فعلا... لحظة انتباهة مخيفة.... إنني أمضي نحو الموت...ولا طعم لهذا الوجود المتعفن...
العجوز فتحي: آااااا... لم تشرب الشاي سيدي..هل هو سيئ؟
رجل الأعمل: (يلتفت خلفه حيث العجوز فتحي).. فتحي.. فتحي..(يمسك بكتف العجوز).. لماذا تعيش يا فتحي؟؟؟
العجوز فتحي: أرجو أن ترفع صوتك قليلا يا سيدي فأنت تعلم ضعف السمع عندي...
رجل الأعمال: (يقرب فمه من أذن العجوز ويصرخ) لماذا تحيا...ما الذي يدفعك إلى الحياة؟؟؟
العجوز فتحي:.. لم أفهمك سيدي.. هل أنت غاضب مني..؟؟؟ أدركت ذلك عندما وجدت كوب الشاي ممتلئا حيث لم تقربه...أنت تعرف أنني صرت عجوزا واقترب من الموت .. لذلك لم أعد ساعيا شاطرا كما كنت في شبابي...حتى عندما أتذوق كوب الشاي لكي أعرف إن كان جيدا أم لا قبل أن أقدمه لك ..لا أشعر بشيء..
رجل الأعمال: (بغضب) هل كنت تتذوق كوب الشاي قبل أن تقدمه لي طوال هذه السنوات؟ ألا تعرف أن هذا مقرف.. اللعنة...
العجوز فتحي: (يحرك يديه باضطراب) لا لا .. أقسم لك يا سيدي.. يا إلهي ماذا فعلت؟؟ لقد زدت الطين بلة... كنت أتذوقه بالملعقة فقط يا سيدي.. أقسم لك..
رجل الأعمال: (بغضب أكبر) اللعنة يا رجل .. ثم تعود وتقلب الشاي بالملعقة... يا للقرف يااااللقرف... لقد انقلبت أمعائي من القرف... لا يمكنك أبدا أن تأمن سلوكيات الطباخين والسعاة القذرة...لا يمكن...(يوجه حديثه للعجوز فتحي).. أجبني بصراحة يا فتحي .. طوال كل تلك السنوات كنت تفعل ذلك.. أخبرني بصراحة وقل لي أنك لم تفعل...؟؟؟
العجوز فتحي: (بجزع) لم أفعل .. لم أفعل ...
رجل الأعمال: ولكنك تكذب الآن .. قلت لك بصراحة...
العجوز فتحي: (يتجهم وجهه من الحزن) حسنا سيدي لقد فعلتها..(يجهش بالبكاء ويصرخ) ولكنني لم اكن اعرف أنها عمل دنيئ إلى هذه الدرجة...كيف لي أن أعرف يا سيدي...
رجل الأعمال: (بغضب) ولكنك يا فتحي لا يمكنك أن تشرب فضلة أحد غيرك.. هل تفعل؟ ها.. إخبرني بصراحة...
العجوز فتحي: (يتردد خائفا) .. أنا... فضلة ... أشرب... ماذا...
رجل الأعمال: (يتراجع إلى الخلف بذعر وهو يغطي فمه بيده) يا إلهي.. يا إلهي... لا لا .. (يحرك سباباته) لا تخبرني أنك تفعلها... تفعلها ثم تتذوق كوبي وأشربه أنا من بعدك؟!!!
العجوز فتحي: (يبكي) اللعنة .. اللعنة... ماذا فعلت بحق السماء.. ماذا اقترفت... يا إلهي...
رجل الأعمال: (يهرول إلى الجدار المقابل ويتقيأ).. سأموت... (أنفاسه تنقطع وتعلوا) لن أتحمل تخيل ذلك.. إن كل قرف الدنيا يتجمع في حلقي ولساني الآن... لا .. لا ...
العجوز فتحي: (يجهش بالبكاء) لم أكن اعرف يا سيدي..صدقني لم أكن أعرف.. كم أشعر بالبؤس والشقاء....
رجل الأعمال: (يتمدد على الأرض مغمى عليه)..
العجوز فتحي: (يهرع إليه ويجثو بركبتيه قربه).. ماذا ألم بك يا سيدي... اللعنة .. يا إلهي... (يجهش بالبكاء) لن أسامح نفسي أبدا..أبدا... ارجوك يا سيدي.. أرجوك لا تمت... أرجوك...سامحني... لا تمت قبل أن تسامحني...(يرفع رأسه للسماء) أيتها السماء لماذا وضعتني في التجربة... لماذا جعلت نهاية حياتي كئيبة هكذا؟؟؟ أنا الذي كافحت لأحيا كإنسان بلا ظل ... لكي أتنفس دون أن تحرق أنفاسي ندى وردة جميلة... لماذا تجعلينني أقتل سيدي دون أن ادري... (يسمع صوت طرقات على الباب فيرفع العجوز رأسه بجزع)..يا إلهي... لقد أتى رجال الشرطة... رجال أمن الشركة ... وسيجدونه ميتا... رباااه... لم أقترف ذنبا من قبل غير هذا الذنب...ذنب لم أقصده.. أقسم لك أنني لم أكن أقصد أن أخطئ مثل هذا الخطأ الشنيع... (تزداد طرقات الباب عنفا .. فيرفع العجوز جسده ويتجه نحو الكرسي ويحمل شيئا وهميا في يده).. سأذبح نفسي بفتاحة الأظرف هذه عل الموت يكفر عن ذنبي هذا (يبكي ثم يذبح رقبته ويسقط ميتا .. حينئذ ينفتح الباب ويدخل رجلا أمن الشركة فيهرعوا ناحية رجل الأعمال ويرفعوه)
رجل الأمن: سيدي.. ماذا أصابك... هل أنت بخير...
رجل الأعمال: (يمسك رأسه بألم..) يا إلهي... ماذا حدث... أشعر بصداع شديد...
رجل الأمن الثاني: يبدو أن العجوز فتحي قد حاول قتلك ثم ذبح نفسه...
رجل الأعمال: (يلتفت نحو رجل الأمن بملامح متقشفة) ماذا تقول..؟؟ بماذا تخرف يا ولد..؟؟
رجل الأمن: (يتلجلج).. لا أعرف سيدي.. ولكن.. ولكن هاهي تلك جثة الساعي العجوز ممدة على الأرض والدماء الغزيرة تسيل من عنقه وبقبضته سكينة فتح الأظرف...
رجل الأعمال: (تتسع عيناه ، ثم يهرول بسرعة ويجثوا قرب جثة العجوز ويصفع خديه) ماذا فعلت يا مجنون... انهض.. انهض .. لا تكن أحمقا.. (يصفعه مرات أخرى فيتدخل رجلا الأمن ويحاولا إبعاده وهما يمسكانه من ذراعيه)..
رجل الأمن: إنه ميت يا سيدي... علينا أن نخبر الشرطة... تأكد يا سيدي أننا سنشهد لمصلحتك..سنقول بأننا سمعنا صوت عراك في الداخل وعندما اقتحمنا المكتب كان جاثيا فوقك ويهم بطعنك بسكين فتح الأظرف ثم لم رآنا ذبح نفسه... أليست هذه هي الحقيقة يا سيدي...؟
رجل الأعمال: (تتسع عيناه وينظر للأرض بصمت)..
رجل الأمن الثاني: تمالك نفسك يا سيدي .. تمالك نفسك.. لقد كان جميع الموظفين يشعرون بأن العجوز فتحي قد فقد صوابه في الآونة الأخيرة...عليك أن تتماسك ولتكن أقوالنا موحدة.. (يلتفت لرجل الأمن الثاني) أليس كذلك؟
رجل الأمن الثاني: هذا صحيح..
(يخرج رجلا الأمن ويبقى رجل الأعمال وحيدا في ذهول عظيم)
(تمض برهة ثم يدخل ضابط وشرطيان مع رجلي الأمن)
الضابط: نحن نأسف لما لحق بك سيدي ... سيأتي رجال الأدلة الجنائية لتفحص مسرح الحادثة... لقد نجوت من هذا المجنون...
(يرفع الشرطيان ورجلا الأمن رجل الأعمال ويجلسانه على الكرسي .. يخرج أحد رجلي الأمن ويعود ليقدم كوب ماء لرجل الأعمال)
رجل الأمن: إشرب .. إشرب سيدي... حتى تهدأ قليلا...
(يشرب رجل الأعمال ثم يبدأ في البكاء)
(يجلس قربه ضابط الشرطة)
ضابط الشرطة: الآن إحك لي ما حدث بالتفصيل...
رجل الأعمال: (يبكي) لقد.. لقد داهمني فجأة من الخلف وهو يصرخ .. كان يصرخ بصوت عال وهو يحمل مشرط الأظرف فارتعبت.. وسقطت على الأرض .. ولم اشعر بشيء بعد ذلك...

(ستار)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى