أدب السجون محمود شقير - عن أدب السجون.. عن معاناة الفلسطينيين

مرّت مياه كثيرة تحت الجسر، أو على الأصح: مرّ مئات آلاف الرجال والنساء والأطفال عبر زنازين وسجون المحتلين الإسرائيليين منذ ظهر كتاب "أوراق سجين" وهو من تأليف الدكتور أسعد عبد الرحمن، الذي يروي فيه تجربته في السجن الإسرائيلي، إثر اعتقاله هو وعدد من رفاقه الفلسطينيين بعد هزيمة حزيران 1967 .
كذلك؛ ظهرت خلال السنوات الخمسين الماضية كتب عديدة عن تجربة السجن، الممهورة بالعسف والتعذيب والألم والمعاناة، كتبها معتقلون وأسرى فلسطينيون أثناء وجودهم في السجن أو بعد خروجهم منه، وتراوحت هذه الكتب بين الشهادات والسير الذاتية والمجموعات القصصية والروايات والكتب الفكرية واليوميات والكتب المكرسة للفتيان وللفتيات.
أنوه هنا، بكتاب من تأليف القائد مروان البرغوثي: "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي"، وبكتاب من تأليف القائد أحمد سعدات: "صدى القيد"، وأنوه بما كتبه ويكتبه المفكر الدكتور أحمد قطامش من مقالات ودراسات وبما ألّفه من كتب في الفكر السياسي. أنوه كذلك برواية "سر الزيت" المكرسة للفتيات والفتيان التي فازت بجائزة اتصالات، وكتبها الأسير وليد دقّة، الذي ما زال يقبع في سجون الاحتلال منذ أربع وثلاثين سنة.
وبالطبع؛ ثمة نتاجات شعرية وقصصية وروائية كتبها أدباء فلسطينيون أثناء وجودهم في السجون الإسرائيلية أو بعد خروجهم منها، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: عبد الناصر صالح، عايشة عودة، عمر حمش، محمد عليان، جميل السلحوت، عزت الغزاوي، سمير التميمي، المتوكل طه، وليد الهودلي، حسام كناعنه، سائد سلامة، ومحمود شقير.
ولا بد من وقفة عند بعض روايات كتبها أسرى فلسطينيون وهم في الأسر، والتنويه بروايات أخرى كتبها أسرى محررون.
كتب الأسير باسم خندقجي روايته "نرجس العزلة" محاولاً ما أمكن الابتعاد عن ذلك النمط من الكتابة الفلسطينية التي تتوخّى الحذر في نقد الحالة الفلسطينية، وتسعى إلى الحفاظ على الهالة المعقودة على هامة الفلسطيني باعتباره مقاومًا لا يطاله العيب، وذلك بزعم المحافظة على زخم المقاومة، وكي لا يتسرب الإحباط إلى نفوس الفلسطينيين حينما تتم تعرية نواقصهم أمام الملأ وأمام أنفسهم، مع أن هذه التعرية حينما تتوخى فضح الأخطاء للتقدم نحو ذرى جديدة، تصبح أهم من دغدغة المشاعر بكتابة لا تقول الحقيقة، فالفلسطيني كائن إنساني مثل سائر البشر، له ضعفه الذي لا يخجل منه، وله قوته التي تتساوى مع قدراته الفعلية وليست المتخيلة.
الجدير ذكره أن باسم خندقجي المحكوم ثلاثة مؤبدات، نشر وهو قابع في السجن خمسة كتب: ديواني شعر، وثلاث روايات. وقد صدرت له قبل أشهر عن دار الآداب في بيروت رواية "خسوف بدر الدين" المكتوبة بلغة جميلة وبسرد متقن اعتمادًا على بعض وقائع التاريخ.
وكتب الأسير المقدسي حسام زهدي شاهين، الذي أمضى حتى الآن ست عشرة سنة من حكم بالسجن مقداره سبع وعشرون سنة، روايته "زغرودة الفنجان" بوصفها نتاجًا أكيدًا لمعاينة النضال الوطني ضد الاحتلال وللانخراط الفعلي في هذا النضال، محددًا الأمكنة التي كان يتحرك فيها بطل الرواية، عمر، وهي المخيم ومدينتا بيت لحم ويبوس. ويطرح الكاتب موضوع الإسقاط الجنسي الذي يعتمد عليه المحتلون لتجنيد بعض الشباب والشابات المغرر بهم وبهن من أجل التحول إلى جواسيس وعملاء. وما يلفت الانتباه أن الكاتب يتحدث بلغة مباشرة في الرواية عن اغتيال حسين عبيات، وهو أحد قادة الانتفاضة الثانية في منطقة بيت لحم.
كما كتب الأسير المحرّر عصمت منصور روايته "السلك" وهو في السجن، انطلاقًا من المعلومات التي جمعها من أفواه زملائه في السجن من أبناء قطاع غزة. كتب عن المخيم، وعن الأنفاق التي تحولت إلى استثمار تجاري تمر عبرها سلع مختلفة ومواد مهربة، وعن الانقسام الذي ولّد حالة غير سوية في القطاع.
وكتب الأسير المحرّر صالح أبو لبن روايته "البيت الثالث" معبرًا فيها عن مخيم الدهيشة ومدينة بيت لحم، وكنيسة المهد أثناء الانتفاضة الثانية، وإلى ذلك فقد تحدث عن محطات سابقة تمثل سيرته ومعاناته من الاحتلال الإسرائيلي وعسفه ضده وضد أبناء شعبه.
وكتب الأسير المحرر خضر محجز روايته "اقتلوني ومالكًا" مستدخلاً التراث العربي الإسلامي في عنوان روايته وفي مضمونها، بحيث يتمنى بطل الرواية الذي عانى من عسف المحتلين لو أن الصواريخ العربية تقصف مفاعل ديمونا النووي لكي تبيد الإسرائيليين والفلسطينيين معًا، ولكي تبقى فلسطين بعد ذلك.
ولعل بطل الرواية يؤكد على تعلقه بفلسطين حين تولد له طفلة، فإنه يسميها "يافا" ودلالة هذا الاسم لا تحتاج إلى توضيح.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى