محمد حربي - زجاجٌ مُعَشّق.. شعر

ليسَ منْ طَبيعةِ البحرِ أن يَعْتذرَ للزجاجِ الُمَلوَّن
الذي يَصْعدُ دائماً لِيَرى المَوْجَ وهوَ يُدَلِّكُ ظهْرَ البحْرِ العارِي ،
وليسَ مِنْ طبيعةِ الزُّجاجِ ا لمُلَوَّنِ
أنْ يعتَذِرَ للبحرِ عنْ تَلَصُّصِهِ على عَوْرَةِ الموجِ،
وليسَ منْ طبيعةِ القصائدِ أنْ تلْتَفِتَ لانْعِكاساتِ الصورِ،
التي تَذْبُلُ تحت قصف الشمسِ،
فما الذي أَوْقَفَ الطائرَ الصغيرَ تحْتَ مِقْصَلَةِ الزجاجِ والبحرِ ،
وقد أَعْجَبَتْهُ صورَتَهُ على الجانِبَيْنِ فانْتَحَرَ غَرَقاً،
وهو يَرْقُبُ جَناحَيْهِ يَسْتَسْلِمانِ للمَوْجِ
ما آلَمَ القصيدةُ أنَّ المراكِبَ الشراعِيَّةَ التي أَفْسَدَت المَنْظَر،
لمْ تَتَوَقَّفْ لِيَكْتَمِلَ القَتْلُ جَلِيَّا في الزُّجاجِ المُعَشَّقِ
، بَلْ واصَلَتْ سَيْرَها بِصَيَّادِينَ عابِثِين
من دونِ أنْ تَتَرُكَ الصورةَ لِحالِها، فَسَقَطَت الكاميرا،
وضَاعَت القصيدةُ في دروبِ الضجيجِ
الذي يَخْدِشُ وَجْهَ البحرِ
فيَرْتَعِشُ في الزجاجِ الذي يحْضنُ الشمسَ بعيداً وتَتوهُ الحكاياتُ
فلا يبقى في الرملِ الممتَدِّ أيّ أثَر
أَخْبَرَني عابِرُ سَبيلٍ وقدْ فَهِمَ ما أُعانِيهِ
:هذا طَقْسٌ يَوْمِيٌّ لا يَبْقَى، ولَكِنَّهُ يَعُود
فَعُدْ مَعَ الفَجْرِ وأَيْقِظْ العصفورَ مَرَّةً أُخْرَى ..
لَمْ يَسْمَعْ الزجاجُ سِرَّنَا،
ولَمْ يَلْتَفِتْ البحرُ
بَعْدَ أنْ أَنْهَى مِرانَهُ اليوْمِيَّ على القتْلِ


محمد حربي
مصر
أعلى