عبدالرحيم التدلاوي - تمرد المرأة، قراءة في رواية " المرأة الأخرى" لشيماء أبجاو.

عن منشورات «الراصد الوطني للنشر والقراءة» صدر للكاتبة المغربية شيماء أبجاو رواية بعنوان: «المرأة الأخرى»، تقع في 130 صفحة من الحجم المتوسط. تتوزع على 34 فصلا.
«المرأة الأخرى» قراءة في الواقع الاجتماعي من خلال معالجة مجموعة من الموضوعات مثل: الحب، الزواج، الطلاق، الغدر، العنف، الخيبة، الحلم، التحدي، تفننت الكاتبة في نسج أحداثها بلغة سلسة ومنسابة، خالية من التعقيدات اللغوية، موظفة مجموعة من الأساليب والتقنيات (اليوميات، الرسائل، الأمثال الشعبية، الشذرات…)، كما سعت في روايتها إلى تقديم وجهات متباينة ثقافيا واجتماعيا بين جيلين (شخصية الأم أسماء والابنة ياسمين)، وكأننا بصدد رواية داخل رواية أخرى.
تحكي الرواية قصة امرأتين تمكنتا من فرض نفسيهما في مجتمع ذكوري قاهر، بعد سلسلة من التجارب الفاشلة بفعل الرجل نفسه الذي يرى العلاقة من موقعه كرجل يطلب خضوع المرأة لنزواته. يبدو أن الرواية أطروحة تبغي إقناع القارئ بصدق المحاولة، وأن التمرد كان ضرورة وجودية لانعتاق المرأة من قيود الذكور. تقدم لنا النتيجة المتجلية في العنوان، ويأتي المتن ليقدم الحجج التي أفضت إليه.
فالبناء، وفق هذا القول، يأتي بشكل هرم، قاعدته المتن المفسر، المشحون بأدلة واقعية ساطعة الوضوح، وقمته النتيجة/العنوان.
المرأة الأخرى، هي المرأة التي عرفت سلسلة من التجارب أفضت إلى تحولها من الخضوع إلى الاستقلال.
يتبين أن حكاية الأم عبارة عن مذكرات تحكي سيرتها الشخصية، وما عرفته حياتها من اضطرابات سواء داخل منزل أبويها، أو في علاقتها بزوجها الأول؛ يوسف، وبعشيقها المخادع؛ الطبيب خالد الذي بمجرد علمه بحملها حتى بدأ يغير سلوكاته تجاهها، ويدعوها إلى الإجهاض ليحمي أسرته الحقيقية من الخراب؛ لكن أسماء ترفض العرض، وتتشبث بحملها الذي أفضى إلى ولادة أخت الساردة. وإذا كانت المذكرات تسرد بصوت الساردة البنت، إلا أن صوت الأم سيكون مباشرا ومن دون وسيط، حين اقتراب العمل من نهايته؛ هكذا، تظهر الأم أسماء من خلال مذكراتها، ثم من خلال صوتها الخاص؛ وهو تحول يعبر عن تحول العلاقة بين المرأتين، ويصب في مجرى انصهار صوتيهما، وتوحد رؤيتيهما، علما أنهما تابعتا دراستهما في شعبة الفلسفية نفسها، وكأن البنت ياسمين ما هي سوى امتداد لأمها، وتعبير عن الرؤية المؤكدة على أن الثقافة الذكورية ثقافة تهين المرأة، وترغمها على الخضوع، وتفرض عليها امحاء شخصيتها.
أما نسرين، أخت الساردة ياسمين، فلا تقبل تصورات أختها، بل تجد أنه من الواجب الخضوع لزوجها، وطاعته لنيل رضاه.
مذكرات الأم لا تقتصر في محتواها الثقافي والمعرفي على رواية قصة حياتها بقلمها، وإنما تستوعب، إلى جانب ذلك، الكثير من الأفكار التي تتعلق بأولئك الأشخاص الذين اختلطت بهم وعاشرتهم، وشكلت رؤيتها الخاصة من وراء ذلك.،
سار السردان جنبا إلى جنب، بشكل متناوب، سرد المذكرات كان بغاية تعرف البنت على أمها من خلال الجزء المخفي من جبل الثلج.
إن المرأتين تسعيان إلى خلق ثقب في ستارة هذه الثقافة السميكة، لكنه ثقب صغير سرعان ما يستعيد قوته، لأن صخرة التقاليد أقوى من أن تزعزها ريح هزيلة.
بيد أن ما يلاحظ، هو قيام السرد على ضمير المتكلم بطرفيه، الأم والبنت، ولا نجد صوت الرجل إلا من خلال الحوار كما يرد على لسانيهما؛ كل شيء يمر عبر مصفاة وجهتي نظرهما المتوافقتين. قد يبدو أن العلاقة بين المرأتين مشحونة بالتوتر، لكن الاع البنت على مذكرات أمها، من جهة، وعلاقتها بها واقعيا، من جهة أخرى، قربت بينهما، ووجدت رؤيتهما، وتصوراتهما حول الواقع والعلاقة بالرجل.
يظهر الرجل في العمل الروائي بصورة سيئة؛ متسلطا، شهوانيا، غير راغب في تحمل مسؤولياته، باستثناء صديق الساردة ياسمين الذي أصيب بمرض أودى بحياته. فخالد كان السند لها والمحب لها من دون مصلحة، ولم تدرك ذلك إلا بعد فوات الآوان.
وفي استجواب لها حول تجربتها الروائية، تقد شيماء هدفها من العمل يؤكد ما ذهبت إليه، بقولها:
رسالتي هي أن المرأة قادرة على لملمة شتاتها والبدء من جديد بعد انكسارها. والمضي قُدمًا، بل تحقيق ذاتها أيضًا. فهي تستحق أن تعيشَ الحياة التي تختار لنفسها دون وصاية أو تسلّط. الدعوة إلى الاحترام ليس باعتباره تأدبًا أو إمساكًا عن قبيح الكلام. بل بكونه تقبلًا للاختلاف، فعلى الإنسان أن يتعلّم التزام حدوده وإعطاء الآخر المساحة التي يستحقها


التدلاوي.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى