علي السباعي - القصة الجديدة والتجريب القصصي

القصة الحديثة ، هذا العالم الجديد ( شعرنة السرد ، العجائبي والغرائبي ، تعويم المكان ، ومحو الزمان ، تشظية الحدث ، تفتيت نظم السر ، استثمار الأيهام والتخيل السردي أي التجريب على مستويات متعددة من القص ) ، كلها تعتبر المادة الجديدة للمبدع ، وهي اضافات جديدة لعوالم الخيال والرؤيا الفكرية ، القصة الحديثة تعيش داخل المجتمع وهي انعكاس لهذا المجتمع بكل ما فيه ، فالأدب ليس ترفاً ، وكتابة القصة القصيرة بالذات ليست ترفاً . أنها الحياة ذاتها بكل ما فيها من فنتازيا ، والقصة الحديثة أكدت وجودها بعمق اليوم أكثر من السابق كجزء من حياتنا : تنمو وتتعقد وتتشابك مع حياتنا ، والقصة الجديدة تحاول تذويب الطريقة الحكواتية الى صيغة سردية متماهية مع البنيه الحديثة لها , كما تعتمد على تداخل الأزمنة والأمكنة والأحداث وتنوع الشخصيات , وتعتمد اعتماداً كبيراً على تيار الوعي ، بهذا تنظر القصة الجديدة إلى ذاتها كقصة لها حساسيتها الفنية من خلال استخدامها التجريب الذي يضفي عليها تفرداً وتمايزاً عن القصة الكلاسيكية ، التقليدية ، فالقصة الجديدة استخدمت العجائبي والغرائبي واستثمرت مخزون التراث الشسعبي وحكاياته ، واستثمرت المناقلة السردية والوصفية بين الزمان والمكان . إذ أن راوي القصة الحداثوية لا يلتزم بالزمن الأعتيادي : في الماضي والحاضر والمستقبل ، بل أنه ينتقل بحرية بين الأزمان الثلاثة بحسب مقتضيات الأحداث ، ويشظي الراوي الحدث فيجعله متناثراً في المتن القصصي ولا يسرده من البداية إلى النهاية ، بل يسرد منه نتفاً يبثها في المتن ويستطيع القاريء أن يجمع هذا الزمان المتشظي ويرتب شظاياه على وفق صيغ جديدة.

كما أن الراوي للقصة الجديدة يفتت نظام السرد واعني بها نظم السرد الكلاسي ، فلا يسرد الأحداث حسب وقوعها في الزمن الأعتيادي ، بل ، ربما يبدأ الراوي من النهاية ويتجه صوب البداية ويتنقل بين الأحداث من دون أن يراعي تسلسلها الزمني ، وقد أستثمر القاص الأيهام بحيث يلتبس الأمر على القاريء ، فلا يعرف الحقيقة من الوهم ، وقد يعطل القاص شخصية ما في المتن القصصي ثم تعود حية مرة أخرى . وقد أستخدم القاص التخيل السردي في متونه القصصية ، وفيه يتخيل القاص أحداثاً ويضفي عليها لوناً من الوان الغرائبية ، وذلك من خلال استثمار الذاكرة ، الجمعية والتراث الشعبي حيث يكتظان بأخيلة عجيبة قد تبدو غير واقعية ولكن الناس البسطاء يصدقون تلك الأحداث ، وما كرامات الأولياء إلا أحدى تلك الخوارق والأحداث العجيبة . لكن ! بسطاء الناس يؤمنون بإن الأولياء قادرون على اجتراح المعجزات.

• نعم ، أن القصة الجديدة صاغة حداثتها الخاصة بها من خلال حياتنا العراقية التي كلها ( جدل ، صراع ، اضداد ، حوار ) بين قديم يريد أن يتمسك بتقاليدة وجديد يريد ان يفلت من كل نظمه التقليدية السائدة ، ليصنع بدورة تقاليده ونظمه الجديدة في المستقبل ، أي انه ، لم يكن هناك صراع فبالتأكيد أدرك قاصنا العراقي مبكراً ، بحسه الفني العالي اطراف هذا الصراع فصاغ قصصه الجديدة من خلال هاجس التجريب وذلك بتشظيته للاحدث وتنويعه للازمنة ، وتوظيف الغرائبي واستخدام العجائبي ، وسعيه إلى استخدام الأصوات المتعددة.

فلو راجعنا الأدب القصصي في الستينيات لوجدنا هوساً في التجريب لدى قصاصي تلك المرحلة ، ولاحظنا الشخصيات القصصية مصابة بالكآبة والحزن والفشل والقنوط وفي انعكاس للواقع السياسي المحتدم إبان تلك الحقبة ، وقد انعكست الصراعات السياسية بين احزاب تلك المرحلة في الأدب القصصي فولدت شخصيات سلبية مشلولة.

• أنني أؤمن بحق القصصي في اكتشاف مناطق جديدة ، وهذا الأمر لايتحقق إلا في حال واحدة : تحرر الوعي ، وعي المبدع وايمانه بروح المغامرة والرغبة المستمرة في البحث عن فضاءآت جديدة للقص.

وهذا لا يعني بالضرورة أنني مع المبدع الذي يبحث عن شكل غريب ونمط لفظي جديد دون مضمون هادف ، فالمتلقي يريد دائماً عملاً صادماً صادقاً حقيقياً اياً كان مصدره واياً كان شكله ، شرط أن يمتلك عناصر قوة اقناعه.

سبب تمرد القاص الحديث على واقعية السرد هو ان تطابق السرد مع الواقع يقضي إلى الرتابة والنمطية ، من ثم الوقوع في فخ النقل الفوتوغرافي الذي لايضيف شيئاً إلى الواقع.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى