زهرة الجلاصي - حكاية نجمة

تناول الطفل الصغير علبة الأقلام والألوان. طرح أوراق التصوير على المكتب. رسم سماء رمادية ودسّ بين طبقاتها المتلبدة، نجمة فضية.
ضغط الطفل برأس القلم اللبدي على جنبات الصورة. عندما رفع القلم، فوجئ بنجمة تتلألأ وتبتسم وتتحدث. قصّت عليه حكاية عجيبة سحرته وخطفت لبّه.
* * *
هجر الطفل الصغير مقعده أمام التلفاز وقاطع عروض الصور المتحركة وتخلى عن حاسوبه ولم يعد يغريه الإبحار على النات. كان ينشر أوراقه وأقلامه وينتظر متلهفا قدوم نجمته الفضية. وما أن تطلّ عليه حتى تغمره موجة فرح عارم ويتواصل حبل الودّ بينهما. يحادثها ثم يصغي منخطفا إلى حكاياتها البكر.
تعلق الحكايا في جفونه وتتناسل وتملأ عليه فضاء غرفته إلى أن يداهمه النوم فتتسلل الحكايات إلى أحلامه.
***
في هذا المساء، هرع الطفل الصغير إلى مكتبه يستعجل لقاء نجمته. طرح أوراق التصوير وداعب النجمة الفضية برفق. طلب منها حكاية. غمزت له بعينها من خلال طبقات الخطوط المتعرجة وقالت له أنها ستقصّ عليه حكاية الوداع هذا المساء، فقد ألحّ عليها داعي الرحيل ، وهي لم تعد تطيق أسر الأوراق. وقالت له: "قد آن لي أن ألتحق ببيتي السماوي الرحب".
انحدرت على وجنتي الطفل الصغير دمعتان وكلله الذهول وانعقد لسانه. عندما همّ بالتوسل لرفيقته لعلها تتراجع عن قرارها، هدّأت النجمة الفضية من روعه وقالت له: "لا تجزع... سأهبك زهرة تتحدث وتضحك لكي تستعيض برفقتها عني... وإذا ما استبدّ بك الحنين، سر على طريق النجوم، وستجدني هناك...."
وتبخرت النجمة فجأة وتسللت بهرة من الضوء الساطع من النافذة لكي تتبدد في الفضاء الرحب.
تأمل الطفل الصغير أوراقه مهموما، فإذا به في حضرة زهرة فضية تطل عليه من مكان نجمته الهاربة. غمزت له الزهرة تسترضيه.. حدّق فيها مبهوتا. زهرة تلملم بتلاتها وتلبسها الواحدة بعد الأخرى، ثم تكبسها وتتجمّل وتنشر عطرها... ثم تختال في زينتها الباذخة على نحو مثير. جادت الزهرة على الطفل الصغير ببسمة، ثم استغرقت في مرآتها دون أن تأبه له. طلب منها الطفل الصغير بوجل، أن تقصّ عليه حكاية تسليه وينسى غياب صديقته الراحلة، لكنها لم تفعل.
أغلق الطفل الصغير دفاتره مغضبا ولاذ بفراشه مهموما.
***
في مساء اليوم الموالي توجّه الطفل الصغير إلى مكتبه مترددا. فتح سجل التصوير وألقى نظرة على زهرة النرجس. ابتسمت له بكبرياء وبدا أنها لا تزال مأخوذة بصورتها في المرآة. لم يطلب منها أن تقصّ عليه قصة هذه المرة. كره سجل التصوير والمكتب وبقاءه في غرفته.... وحدها نجمته الفضية كانت تشغل أفكاره، وتعرف كيف تضحك وكيف تقصّ عليه الحكايات العجيبة.
***
لما سكن الليل، تدثر الطفل الصغير بملابس دافئة وتسلل إلى مستودع السيارة. امتطى سيارته الصغيرة واستجابت الدواسة لحركة قدمه المنفعلة وانطلقت سيارة صغيرة بلا أضواء تتهادى على الطريق السريعة، حتى استرعت انتباه إحدى دوريات شرطة المرور. لما استوقف الأعوان السيارة الغريبة وأحاطوا بها، ألقى عليهم الطفل الصغير تحية مهذبة ورجاهم أن يدلّوه على طريق النجوم.
- طريق النجوم أيها السائق الصغير؟... ولماذا طريق النجوم؟.
- إنّي يا سيدي العون أبحث عن نجمتي الفضية وأنا تعيس بدونها، فهي وحدها التي تعرف كيف تتحدث وتضحك وتروي الحكايات البكر...
- أيها الطفل الصغير تعال معنا إلى المخفر حتى نتدبّر الأمر معك...وأمر هذه الرحلة العجيبة
***
في المخفر عقد مدير شرطة المرور اجتماعا طارئا بأعوانه لفحص هذه القضية الفريدة من نوعها وصياغة محضر الواقعة. ولما أعيتهم السبل للتوصل إلى الصياغة المناسبة، اقترح مدير الفرقة أن يستنجدوا بقصة "الأمير الصغير"، ومن ذلك المرجع اقتطفوا هذه الإحالة التي اختاروها من إحدى حكايات النجمة الفضية: "إذا تطلعتم إلى السماء ليلا سينفتح أمامكم طريق نجمة لا تشبه بقية النجوم... نجمة تضحك وتضحك وتسرد الحكايات البكر.".


زهرة الجلاصـي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى