شهادات خاصة كاهنة عباس - إنه الوجه الدرامي

الوجه الدراميّ هو الوجه الغريب الذي لا يلوح إلا نادرا بين آلاف الوجوه المغطاة بالمساحيق والقبعات والابتسامات وشتى التعابيرالاخرى ، يعجز أيّ مخرج مسرحيّ أو سينمائي مهما بذل من جهد عن استنساخه، إذ تتجاوز مأساته ما عرف عن المسرح تاريخيا .

إنّه الوجه الذي لم يختر الدراما التي تسكنه، تلك التي حددت معالمه بدقة فائقة : الفم، الانف، الخدان والعينان والجبين، إنه دراميّ لعجزه عن إخفاء ما تختلج به النفس ، دراميّ لقدرته على نقل هذا الكمّ الهائل من الاحاسيس والانفعالات دون أن يحاول التخفيف من وطأتها أو تعديل رياحها بعد أن استبد به الأسى استبدادا كاملا فحوّله الى مرآة تعكس مداه.

الوجه الدراميّ إذا، هو ذلك المدى الذي تسكنه مشاعر متعددة منها : الحزن والغضب والاسى والانكسار ،تبوح بها نظاراته دون أن تعلم، وتتحدث عنها تجاعيد خديه وانكماش شفتيه الكاتمتين للبكاء والصرخة ، كذلك كان وجه زعرة السلطاني ،الكاشف لكل ما لا نقوله ولا نعبر عنه ، لكل ما نعجز عن وصفه لكل ما يقتلنا ويحيينا ويسكننا ويرهقنا .

لا الجمال يضاهيه مهما طغى وتجبر، ولا الشباب بنضارته الاخاذة وآماله التي لا تنتهي وأحلامه المجنونة يحمل وزره .

فالوجه الدراميّ يطارد الفظاعة والرعب، كمن يطارد الاشباح ،يطاردها بكل ما أوتي من حبّ وبكل ما أوتي من قوة ورباطة جأش يطارد العنف والدم والقتل ،يطارد مشاهد مفزعة رهيبة بصمت وصمود، وهو تائه ضائع في سماء حزنه .

لم يعد يعنيه أن يتساءل :لم حلّ به كلّ هذا الظلم وهذا البؤس ؟ إنّه يحملهما في عينيه كمن يحمل نعشا ، بكبرياء رهيب .

فالوجه الدراميّ هو الفاضح لانسايتنا المسكونة بالشجن ، إنسانيتنا التي تتجاوز الجهات والمراتب والاوضاع والفصول والبلدان والاصقاع والاعمار والصفات، وكل ما نضعه من أقنعة حتى لا نجابه حقيقة أنفسنا .

لذلك كان الوجه الدراميّ ومايزال حديث كبار الشعراء والرسامين والروائيين، لانه ينحت حيرتهم يرويها خارج حدود الكلام، ليخاطب الوجد بالوجد ، والحيرة بالحيرة ، والحزن بالحزن ......لذلك فهو الوجه الذي ستحفظه الذاكرة ويذكره التاريخ حتى في صمته .

كاهنة عباس
فقدت زعرة السلطاني ابنيها وهما مبروك وخليفة السلطاني من سيدي بوزيد الجمهورية التونسية في عمليات ارهابية وتعرضت إثرها الى أزمة نفسية حادة وقد كتب هذا النص لوصف ما عانته هذه الام .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى