إبراهيم الخياط - ديالكتيك العلاقة بين الأداءين الأكاديمي والإبداعي عند المثقف العراقي

تتفق الأدبيات الفلسفية على أنّ كلمة ديالكتيك مشتقة من كلمة دياليجو Dialigo الاغريقية، وتعني المجادلة أو المناقشة.
ففيما مضى كان الديالكتيك هو فن التوصل إلى الحقيقة عن طريق كشف التناقضات في مجادلة الآخر المختلف معه والتغلب على هذه التناقضات، واعتقدَ بعض الفلاسفة قديماً أنّ كشف التناقضات في الظاهرة وتصادم الافكار المتناقضة كان أفضل وسيلة للتوصل إلى الحقيقة، ولقد ابتدأت هذه الطريقة الديالكتيكية في الفكر ثم امتدت بعدئذ إلى الظواهر الطبيعية.
وينظر الديالكتيك الى الطبيعة كونها تراكما من الاشياء أو الظواهر، ترتبط احداها بالاخرى، وتعتمد احداها على الاخرى وتقرر احداها حال الاخرى، وعليه، لا يمكن فهم اية ظاهرة طبيعية إذا اخذت بذاتها، منعزلة عن الظواهر المحيطة بها، إلى حدّ ان اية ظاهرة في اي مجال من الطبيعة قد تصبح عديمة المعنى إذا لم تدرس بالترابط مع الظروف المحيطة بها.
والطبيعة - حسب الديالكتيك - ليست في حالة سكون وعدم تغير، بل هي في حالة حركة دائمة وتغير دينامي، وهي في حالة تجدد وتطور مستمرين، حيث ينشأ شيء ما جديد ومتطور على الدوام فيما يتفسخ شيء على الدوام أيضاً ويزول.
وعليه فان الديالكتيك يفرض دراسة الظواهر ليس فقط من وجهة نظر علاقاتها المتبادلة واعتماد بعضها على البعض فحسب، بل كذلك من وجهة نظر حركتها وتغيرها وتطورها، أي من وجهة نظر نشوئها وزوالها.
وهنا نرى بأن الطبيعة كلها من اصغر الاشياء إلى اكبرها - حسب أنجلز - من حبة الرمل إلى الشمس، من الخلية إلى الانسان، هي في حالة دائمة من النشوء والزوال، في حالة تغير متواصل، في حالة حركة وتغير لا يتوقفان.
ومن هنا علينا أن نفهم بأن عملية التطور هي ليست حركة في دائرة، أو هي تكرار بسيط لما كان قد حدث فعلا، بل إنّ عملية التطور هي حركة مركبة إلى الامام والى الاعلى في آن، مثل التحول من حالة كيفية قديمة إلى حالة كيفية جديدة، ومثل التطور من البسيط إلى المركب، أو من الادنى إلى الاعلى، ويتضح هذا عندما ترتفع درجة حرارة الماء السائل أو تنخفض، فإذ ذاك تحلّ لحظة لتتغير فيها هذه الحالة من التماسك وينقلب الماء إلى بخار في الارتفاع أو الى ثلج في الانخفاض.
وبعد دراسة الظواهر الطبيعية، يكون من السهل ان نفهم ديالكتيكية العلائق في الحياة الاجتماعية وتأريخ المجتمع وفي الثورات، كما علينا أن نفهمها في العمل السياسي والحياة السياسية وحركاتها وأحزابها، وقبل هذا وذاك فإنّها في الفكر أسبق وأوضح.
الفكر والشعور
قد يكون ثمة إشكال في هذه الثنائية، ولكني لا أقول ما قاله ديكارت أن أفضل حلّ لأية مشكلة هو تجاهلها،
لأن الكثيرين يقولون بأننا لا نعرف ما الوعي وما الشعور؟، وكيف يحدث كل منهما؛ أي لا نعرف العلاقة بين الظاهرة العقلية، كالأفكار والمشاعر، وبين ما يحدث في الدماغ، على الرغم من التطور الكبير في الأجهزة الحديثة التي تصور نشاط الدماغ الحيّ.
ويضيف علماء الدماغ على ما نقلناه بإن معرفة الإنسان في الفضاء وأعماق البحار والمحيطات باتت تزداد كثيراً فيما معرفته لما هو أقرب إليه - أي الدماغ والعقل - ما تزال بسيطة للغاية، فإلى اليوم، ما يزال الدماغ والعقل يشكلان أعظم الألغاز والأسرار اذ انّ أرقى الكومبيوترات لا يمكن أن يرقى للدماغ وما ينتج وما ينفث.
والديالكتيك في الفكر - حسب المصادر الفلسفية - يبدأ من قاعدة أنّ معياراً ما - نحدِّدُه ببعض الخواص - قد تحقّقَ، ويتحرك هذا المعيار عبر تصورات مختلفة له نحو مزيد من الأشكال المناسبة، فبخصوص الوعي والشعور: نحن نبدأ من خلال قاعدة أن ثمة معرفة، وأنَّ المعرفة إنجازٌ، لكنّ معرفتنا عن هذا المعيار هي معرفة إجمالية أو قاصرة، فنتوسع فيها ونظلّ ننتقل من المعرفة الحسية إلى معرفة عقلية مقابلة لها، وهكذا باستمرار.
وأرى مثل كثيرين بأنّ الوعي مكتسبٌ فيما الشعور موهبة، وكلاهما - الوعي والشعور - يحتاجان الى الوظائف العقلية الأخرى كاللغة والذاكرة والتبصر والانتباه، لصياغة التعبير المؤثر المقنع، فالعقل وما ينتجه من وعيّ وشعور هو تراكم من المعارف والمواقف والأحاسيس والعواطف، ترتبط احداها بالاخرى، وتعتمد احداها على الاخرى وتقرر احداها حال الاخرى، ولا يمكن فهم أيّ نتاج عقلي اذا أُخذ بذاته، منعزلاً عن الظواهر المحيطة به، وقد يصبح هذا النتاج عديم المعنى اذا لم يدرس بالترابط مع الظروف المحيطة به.
والوعي والشعور - حسب الديالكتيك - ليسا في حالة سكون وعدم تغير، بل هما في حالة حركة دائمة وتغير دينامي، وهما في حالة تجدد وتطور مستمرين، حيث ينشأ شيء ما جديد ومتطور على الدوام فيما يتفسخ شيء على الدوام أيضاً ويزول.
وعليه فان الديالكتيك يفرض دراسة النتاج العقلي ليس فقط من وجهة نظر علاقاته المتبادلة واعتماد بعضه على البعض فحسب، بل كذلك من وجهة نظر حركته وتغيره وتطوره، أي من وجهة نظر نشوئه وزواله.
وكذلك عملية التطور في الوعي والشعور هي ليست حركة في دائرة العقل، أو هي تكرار بسيط لما كان قد قيل فعلا، بل إنّ عملية التطور هي حركة مركبة فالخليل بن أحمد الفراهيدي في تدريسه حلقته كان يأتي بأرقى الأبيات والأقوال والأحداث ليجعل تلميذه وطالب علمه فاغراً فاه من عظيم ما يسمع، وكذا أبو الطيّب المتنبي كان عندما يكتب بيتا شعريا فهو يأتي بالكلمة ثم يأتي بالكلمة الأخرى وما أن يضعها مع جارتها حتى ترى الكلمتين تقدحان، وترى المتلقين يصيحون: الله الله..
وهنا يقترن الوعي -لأنه مكتسبٌ -بالأداء الأكاديمي فيما يقترن الشعور - كونه موهبةً - بالأداء الإبداعي، فالوعي يحتاج الى تحصيل دراسي وتربية خارجية وصقل بكثرة التجارب والقراءات فيما الشعور هو النفثات التي يطلقها الشاعر والقاص والفنان، ولكن بقدر ما يحتاج الشعور الى وعي ودربة وقراءة ومطالعة كي تكون الصور متكاملة ومؤثرة وأخاذة فإنّ الوعي أيضاً يحتاج الى محاكاة كمّ النتاج الإبداعي ليضفي الصور الأثيرة على الدرس وليحسن القول ويثري المتن ويُقنع المريدين الكثر.
وهنا لا يهمّ ولا يفرق أن يكون المثقف المبدع عراقياً أو صينياً أو أرجنتينيا.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى