أمل الكردفاني- النبي مانيوس/قصة قصيرة

النبي مانيوس- قصة قصيرة


✍ *_أمل الكردفاني_*

(تلخيص):

إندحرت جيوش مانيوس الصقلي بسرعة ، فصاح:
(رباه .. لماذا تخليت عني)..
لقد صاح فازداد الهبوط المعنوي لمن بقى من جنده فتطايرت الرؤوس يمنة ويسرة..حتى تم القبض عليه.
لقد أمر الملك القوطي بقتله على يد الوحوش ؛ فاقتيد إلى الساحة الكبيرة ، حيث ترك مع ستة أسود جائعة والجماهير تهتف:
- النبي الكاذب...النبي الكاذب...
نظر مانيوس إلى السماء الممطرة بعينين محمرتين وقد أدرك أنه خسر مهمته المقدسة...لكنه لم يشك أبدا في نبوته...

***

(العدم)...

ذلك الذي استمر دهرا لا يمكن حسابه وروح مانيوس ذاهلة عن كل شيء...حيث عليها أن تبلغ النقطة المحددة لكي تملك وعيها الخاص بكينونتها...
(مانيوس يا حبيبي ستجلس قربي لتنال مني طيف قداستك)


(التخلق)

روح مانيوس كالبذرة التي ظلت جافة لمليارات السنين ثم غابت في تربة غنية فانفجرت بالحيوية المفاجئة لتنتج أبناءها من السنابل.
إذ انقضت الاشتراطات التي لا يعلمها أحد ، وحانت لحظة الومض داخل وديان الظلمة.
كان ذلك مؤلما ، فروح مانيوس تنبثق كطيف أزرق خافت ، وتدور حول ذاتها ببطء لتتغذى بذاكرة المسؤولية وتكبر بتاريخ التضحيات.. حجها بذلك نحو المثوبة الموعودة بالخلود إلى جانب الرب. (تخلقي يا روح مانيوس واندمجي في الهيولى).
قال ذلك السيد..

(البصيرة)

روح مانيوس الطيفية لا مادة لها ، لكنها تفتحت ببصيرة كاملة ، وليس ذلك مجازا إلا في حدود لا يعلمها إلا السيد.. البصيرة هي ملكة احتواء ما فوق الكون. حيث التكشف ، ومانيوس أضحى الآن أكثر وعيا بزيف الماضي. لأن الماضي هو اكذوبة بشرية.
(أيها القديس مانيوس..هل علمت كل شيء)..
(نعم مولاي...لا شيء لم أعلمه لأنه لا شيء هنا أو هناك)..
(بالسرور نطقت فكن قربي)..

(وكان معه)
وكان مانيوس معه ، ولا شيء معهما.. فقال:
- إن مبلغ بصيرتي لم ينته إليك سيدي..فأنا لم أبلغ من الكمال إذ ذاك شيئا.....
أجابه السيد:
- كن قنوعا يا مانيوس...فما لا تعلم كنهه لا تتمناه...
وكانت روح مانيوس المغتبطة بالقداسة تطمح للمزيد من التعالي..
(ومن يدرك نعمة الامتلاء؟)..
سأله مانيوس فأجابه السيد:
(إنها شقاء يا مانيوس...ألم أقل لك لا تتمنى ما لم تخبره ..قد يكون النقص نعمة النعم والكمال نقمة النقم...فهل تدري خيرا مني؟)

(عمودان من الطيف)..
سأل مانيوس سيده:
(ألا تتجلى لي أيها السيد؟)..
فأجابه:
(وهل تتجلى سوى عناصر الفساد أما الجوهر فهو سر خالد ، وإن كنت فاعلا فلتنظر هذان العمودان من الطيف ولتذكرتي فيهما)..
فنظر مانيوس فإذا بعمودين قصيرين من الطيف يجهران بصيرته...
(ها أنا ذا داخلك يا مانيوس كما أنا داخل كل شيء)..
(إن بصيرتي تتغذى كما تتغذى النباتات بالشمس.. فكأنما أملك كل شيء ولا أملك أي شيء)..
(هذا حق يا مانيوس..وليس أكبر من ذلك تعاسة إن لم تكن جوهرا)..
(حقا سيدي؟)..
(وإنني لذلك أكثر ثرثرة من متفلسفة البشر ..فالثرثرة هي نعمتي الوحيدة يا مانيوس...ولذلك جعلتها متاع الفلاسفة..غير أن للفلاسفة أقران من جنسهم وليس لي ذلك)..
(وهل تحتاج لقرناء يا سيدي؟)..

(الوحشة)

(أيا كان يا مانيوس..فالوحشة تلحق بكل شيء حتى الحصاة في الصحراء...وإن كان لمطلق كمالي أن يعدمها فلي في وجودها متعة بالغة .. ذلك أن هذا أدنى ما أتيح للعرض أن يتجلى بذاتي)..
(وكيف للوحشة أن تكون متعة يا مولاي)..
يقول السيد:
(لأنه هناك تتكور الذات على نفسها..فتتصل بها.. كدموع الإنسان..تخفف الألم وتسعد القلب)..
تجزع روح مانيوس..
(هنا أيها القديس مانيوس دائما زاوية متعرية كأصبع قدم الطفل خارج اللحاف ..ولولاها لما كنت أنا ولا أنت ولا أي شيء)...
(فاعداؤك هم أحباؤك يا مولاي)
(نعم يا مانيوس.. لأنهم ذلك الأصبع.. ذلك الأصبع يا مانيوس)..
وساد بكاء

(تمت)..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى