أحمد ياسر - الكوابيس الأخيرة التي لن يحكيها الرجل لأحد

"وردة .. نحن نتشاجر هكذا دائمًا ولا نصل لشيء، كفى.. لقد مللت كل هذا"، هكذا قلت لها. توجهت نحو الحديقة الكبيرة وطلبت منها ألا تتبعني، هم ياسين صديقي أن يتبعني فأشرت له أن يبقى هو الآخر، كنت أدق الأرض بأقدامي بغضب، كأن هذا سيقلص حجمها فتبتلعني الحديقة في وقت أقل، قطعت مسافة جعلتني لا أبصر وردة أو ياسين، تحسست قلبي بيدي مطمئنًا على خفته الآن فوجدت جيبي خاويًا، تذكرت أنني نسيت النوتة الجلدية السوداء في السيارة، يا لسوء الحظ، أستطيع فراق أي إنسان، لا يعجزني فراق كل المخلوقات، يمكنني الانفصال عن وردة للأبد، وأستطيع ركل ياسين خارج حياتي أيضًا، لكنني لا أستطيع طلاق الأوراق أو التنازل عن رفقة نوتتي السوداء ولو لدقيقة واحدة!

قررت العودة سريعًا لاصطحابها، ركضت نحو السيارة بينما أفكر في الطريقة التي سأفتح بها باب السيارة من دون كلام، سأتجاهل وجودهم كما كنت أتجاهل الذكر في الأفلام الإباحية التي شاهدتها في مراهقتي، سأفتح حقيبتي وآخذ النوتة وأدير ظهري لهم وأمضي.

يضمها ياسين بين ذراعيه بقوة، يتحسس أسفل ظهرها، ترفع رأسها إليه للتغلب على فرق الطول بين قامتها القصيرة وقامته الفارعة، تقبله بنهم، بجوع حقيقي وظمأ، يدير ظهرها نحو السيارة ليتمكن من امتلاك جسدها المائل نحو الامتلاء، أرى أصابع يدها وهي تفرك ظهره، تعود هي وتدفع ظهره نحو السيارة فأرى يده تعتصر مؤخرتها السمينة، يجذب شعرها لأسفل فترفع رأسها لأعلى، يقبل رقبتها البيضاء قبلات هادئة تشبه الاعتذارات وطلب الصفح، بينما يحرك يده على كتفها كمن يدفئ طفلًا!

أفرك عيني بيدي.. أكاد لا أصدق ما أرى، لكني أعود لأرى نفس ما رأيت، أندفع نحوهم، أسحبها من يدها وأصفع وجهها ثلاث صفعات متتالية، يقترب ياسين مني متسائلًا: "فيه إيه؟ فيه إيه؟"، كأنه لم يحدث شيئًا، كأنه الحمل الوديع وأنا المجنون هنا، أستدير له وألكمه لكمة قوية في وجهه، يرتد للخلف بعدها ويقف صامتًا.

أوزع بصري نحوهما وأرتعد، لا ينطقان بشيء، ياسين يقف واجمًا، بينما تنظر لي هي بتعجب، أطيل النظر إليها وكلما فكرت في شيء ارتسم على وجهها، أفكر أنني ضبطتها للتو في أحضان صديقي، تخونني بوقاحة، ها هي عيناها تتسع بإصرار وتتحداني كما تفعل في أعقاب شجاراتنا، كأنها تقول نعم أخونك.. أخونك مع صديقك ومع غيره، وسأخونك كل يوم، أغمض عيني مرة أخرى وأفتحها مجددًا، أنظر لها وتتشوش صورة ما رأيت في رأسي، تبتعد تمامًا وتتلاشى، أذكر ما رأيته لكن كسطور مكتوبة.. كذكرى، كحدث سمعت به أو كمعلومة مجردة، تختفي الصورة كليًا.. أرى في عينها نظرات كتلك التي نوجهها للمجاذيب، نظرات خائفة قلقة، كأنها تترقب توابع نوبة جنون أمر بها، أضع يدي فوق رأسي محاولًا إيقافها عن الدوران العنيف، أو الإمساك ببقايا ما رأيت، أفشل في كل ذلك، يمر ببالي خاطر مؤلم، أظن أنه لم يحدث شيئًا مما رأيت، تتابع الصور على رأسي بقسوة، تسيل الدموع من عيني بتلقائية العرق، أبكي بلا صوت، أنظر لها مرة أخرى فأراها مسكينة، أشفق عليها وعلى نفسي وعلى ياسين، اقترب منها وأسألها.. هل ما رأيته حقيقيًا؟ لا ترد.. أنظر لياسين فأراه مبتسمًا كمن استشعر اقتراب الفرج، أسأله لماذا يضحك؟ فيربت على كتفي.. أعتذر لهم عما حدث، أقول "أنا منهك تمامًا وبحاجة للنوم".

أضع جسدي في المقعد الأمامي للسيارة، يتبعني ياسين وتركب هي في الخلف، يدير محرك السيارة وينظر في المرآة، ألمح ابتسامة خبيثة متبادلة بينهما، فأغمض عيني واستسلم للنوم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى