نزار حسين راشد - سيكولوجية دفاعية.. قصة قصيرة

جدي الذي علق بشملته غبار الحقول، وتسلّلت إلى بياض كوفيته، صفرة الشمس، آوى إلى بيت ابنه الوحيد، بعد أن أنهكه الدهر، وأرهقته السنون، بناته كُنّّ يتقاطرن لزيارته، شريكاته في أعمال الحقل ورعاية الأشجار، وسقاية صغار النبت، الأرض، وشائج الحياة ورائحة التراب، تلك الرابطة التي لا تهن ولا ترِثّ، سمٍعتْهُ أحد أخواته وهو يهمس لزوجتهٌ:
- مكعّب الإسمنت هذا لا يصلح أن يكون مضافة على مدار الأسبوع، لماذا لا تأخذه عندها أختي عليّة، فهي تقيم في قرية أوسع له وأشرح وهي البيئة التي تعوّد عليها، حيث الجو الذي ألفه!
عليّة لم تتأخر في تقديم اقتراحها، وهكذا كان! خصّص الإبن مبلغاً لعليّة، لم تلبث أن أعفته منه، فوافق على عجل مخافة أن تتراجع لو أطال مجادلتها! في كل زيارة لبناته، كان الجد يشكو من أن ابنه لم يحضر لزيارته، وطالت الأيام حتى أوفت على السنة، وكل مرة كان الجد يستحلف بناته أن يبلغن رسائل شوقه لابنه ، وكن بالفعل يقمن بذلك مع شيء من العتاب، إلا أن ذلك لم يُفلح بشيء في دفع الإبن لصلة والده المشتاق ، وتطاولت الأيام حتى توفي الجد!
بعد موت والده تحوّل الإبن إلى واعظ، وسمعتُه يحث الآخرين على صلة الأرحام، حتى أنه قال لأحدهم:
- مرّة في الأسبوع لا تكفي! هذا قليل، هل تريد أن تغضب ربّك؟
ولآخر يقول:
- هل أنت حِمل غضب الله... هل لك طاقة عليه؟، صلة الرحم لها منزلة الركن يا رجل!
المهم أنّ الناس كانوا يسمعونه ويصدقونه، فهم لا يعرفون عن تاريخه شيئاً ، ليس ذلك فقط، ولكنه هو نفسه، وصل إلى حال من الإنكار، صدّق فيها نفسه، ومحا ذاكرته واطمأن!
ابن أخته التي آوت الجَد كان متخصّصاً في علم النفس، وعلّق على موضوع خاله ضاحكاً، هذا ما نسمّيه في علم النفس، السيكولوجية الدفاعيّة، والإنسان يُحصّن نفسه ضدّ الشعور بالذنب، بهذه الطريقة الدفاعية!
المهم أن الخال مازال مصرّاً على موقفه، ويقاطع كل من تسوّل له نفسه التهاون في صلة الرحم، فلا يحضر له فرحاً ولا ترحاً، حتى لو كان أقرب الناس ، فهذه مسألة لا تهاون فيها، صلة الرحم، ولعلّه يتذكّر أو يخشى!

نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى