محمد محضار - ذاكرة حج رحلة بوح وإيمان

صدر مؤخر للأستاذة صفية أكطاي الشرقاوي ،منجزها الإبداعي ،الموسوه بذاكرة حج في طبعته الخامسة ، منقحا ومزيدا ،ومتضمنا مجموعة من الصور مرتبطة بمتن الكتاب ، وقد كتب مقدمته الدكتور شعيب حليفى ، منسق محترف السرديات بكلية الآداب بنمسيك الدارالبيضاء.
ذاكرة حج يمكن تصنيفه ،ضمن مايصطلح على تسميته أدب الرحلة .وكنقطة أولى ،يجدر بنا التذكير ، أنه يجب التفريق بين الرحلة ،وأدب الرحلة،فالرحلة ترتكز على منطلق تاريخي ، يلامس الواقع ، وبالتالي فإن الأحداث التي ينقلها الكاتب ، تقترن بأماكن محددة ، وتواريخ معينة،ونجد هذا مثلا في رحلة شارل دي فوكو للمغرب، ورحلة السفراء ، حيث يلجأ سفراء المغرب ، إلى تدوين ما يشاهدونه إبان رحلاتهم.أما أدب الرحلة فله خصائص ،لعل أهمها أنه أدب اِسترجاعي، يعتمد على الذاكرة، فالكاتب يكتب من محبرة الذكريات،ويعتمد على التمثلات،والتخيلات ، التي تكون بمثابة الأرضية ،التي ينطلق منها لتحقيق "المقصدية" كمفهوم للكتابة، بوعي أو لاوعي ،بدل القصد الذي يعتمد الوعي الكامل.
وكما أشرنا إلى ذلك سابقا ، فذاكرة حجّ، يصنف ضمن ما يصطلح على تسميته أدب الرحلة، لأنه يتضمن نصوصا ترتبط بأحداث معينة ، عاشتها الكاتبة، خلال سفرها إلى الديار المقدسة،لكنها حين عادت للكتابة عنها،حضرت التمثلات، والتصورات الذاتية ،بقوة،وأصبحنا أمام منتوج إبداعيٍّ،استرجاعيّ يستند على الذاكرة.
وقراءةُ هذه النصوص ، يخلق لدى المتلقي ،شعوراً ، بمتعة واستمتاع خاصين،لأنه يجد نفسه معانقا لعوالم الكاتبة التي تزخر بالحسّ الصّوفيّ،وجمالية الرمز ، وقوة الايحاء،وهذا بكل تأكيد يدفع نحو جعل هذه النصوص مفتوحة على التأويل الإيجابيّ، الدال على تلك الطاقة الحية التي تسكن شخصيات هذه النصوص .
لقد كان لشخصيتي قيس وليلى ، حضور وازنٌ ،وظاهرٌ،عبر متن العديد من النصوص،وفي هذا رمز وإشارة إلى الحب العذري ،الذي يقود إلى عروش الصوفية ،ومعارج الحب الإلهي .
الجميل في نصوص الأستاذة صفية أكطاي الشرقاوي ، أنّ جلها مسندة إلى ضمير الغائب ،والذي يرتكز على تقنية الرؤية من الخلف ، والخارج ، وكذلك بالمصاحبة ، وهنا نجد أنفسنا أمام السارد العليم ،المطلع ، الذي يتحكم في الشخصيات والأحداث ، وهذا سمح للكاتبة أن تمارس دلالة المواربة والمباعدة،بعيدا عن الإسناد لضمير المتكلم ، الذي يفرض حضورَ الذات الساردة في كل الأحداث ،علما بأن هناك نصوصا أخرى وهي قليلة ،مسندة إلى ضمير المتكلم ،تحضر فيها ذات الكاتبة بجلاء ، لأنها تنقل أحداثا ووقائع من صميم ماعايشته ولامسته صحبة الغير.
تبقى الإشارة، إلى أن نصوص كتاب ذاكرة حج ،يتداخل فيها المعنى الجميل ، القابل للتأويل بصيغ مختلفة ،والمبنى المستند على بلاغة لغوية،تسندُ المعنى وتَزيد قوة توهجه،دون أن نغفل الانزياحات التركيبية ، وكذلك الدلالية،التي نجدها في متن النصوص، تُقَوّي من شاعريتها،وتجعل نزعة المخالفة والخروج عن المألوف سمة لخطابها الأدبي .

محمد محضار 2019

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى