العربي مفضال - تكسير جدار الصمت (10) المنفى الذي لم يكن ذهبيا!

في أوائل 1975، تمكن أعضاء من اللجنة الوطنية، وهم إبراهيم ياسين والقدوري وزنيبر وملوك، من مغادرة البلاد، وكذلك الشأن لأطر أخرى، من بينهم محمد السمهري والفاطمي العلوي، وكان بعض هؤلاء قد سافروا من مطار الرباط – سلا، بجوازات سفر مزورة، في حين سلك الآخرون، وهم الأغلبية طريق الحدود الجزائرية.
والجدير بالذكر أنني لم أختر اللجوء إلى الخارج، ولكني قصدته عبر الحدود الجزائرية، مع مجموعة من الرفاق للمشاركة في الندوة الوطنية، التي توافقنا على عقدها للحسم في خلافاتنا، وانتخاب قيادة موحدة للمنظمة. وبعد نجاح تلك الندوة، واختياري عضوا في المكتب السياسي، أصر معظم رفاق هذه الهيأة البقاء في فرنسا.
لم تكن عضوية المكتب السياسي تحول دون العمل القاعدي، وهكذا اشتغلت في إحدى الخلايا العمالية، وفي أحد فروع جمعية العمال المغاربة، وتكفلت، في إطار القيادة، ببعض المهام الداخلية، إضافة إلى الترحال نحو الفروع التنظيمية، التي كانت منتشرة في مختلف جهات فرنسا، فضلا عن بلجيكا.
وأقمت في البداية في مقر هيأة تحرير جريدة “23 مارس”، التي كان قد أصدرها فرع المنظمة بالخارج في بداية 1975، من أجل مواجهة حملة الاعتقالات والتضامن مع ضحاياها، وإبقاء صوت المنظمة مسموعا. وعلى الرغم من أنني كنت مكلفا بمهام أخرى، فإن ذلك لم يمنعني من المساهمة في الجريدة. وبعد أن تعددت المساهمات، وكان من ضمنها مقالات ناجحة ودراسات، أخذت مكاني إلى جانب الرفاق الذين مثلوا أعمدة هذه الجريدة، ومنهم الحبيب الطالبي ومحمد المريني وأحمد الحجامي وعيسى الورديغي.
فبالإضافة إلى المقالات والمتابعات التي كانت تعنى بالأحداث المباشرة، أنجزت دراسة نشرت في حلقات اهتمت بمسألة السكن، وناقشت مطولا التقرير الإيديولوجي المقدم إلى المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي، وقد صدرت حلقات عن هذا النقاش في كتاب عن دار ابن خلدون بتوقيع أحمد مراد، وأعددت بعد ذلك، دراسة عن الهجرة، نسخها نسخا مراسل جريدة السفير اللبنانية في لندن.
في أواخر السبعينات، أخذت متطلبات الحد الأدنى للعيش تضغط على الرفاق المتفرعين بحدة، وعجز مبلغ 300 فرنك فرنسي، الذي كان يمثل التعويض الشهري، الذي تخصصه المنظمة لهؤلاء، عن تلبية تلك المتطلبات، فاضطر عدد منهم إلى البحث عن أي عمل، وتم التخلي عن مقر الجريدة، فأصبحت حقيبتي مقرا لهذه الأخيرة، تحتضن موادها وبريدها وعناوين الفروع والمشتركين الذين كانت ترسل إليهم، وتزامن هذا التحول مع التسهيلات التي وفرها لنا الرفيق أحمد الحجامي بعد اشتغاله في إحدى المطابع، وتحمله لأعباء الرقن وإخراج هذه الجريدة.
وفي الوقت الذي كان فيه زخم “23 مارس” يعرف انخفاضا، كان العمل يجري على قدم وساق من أجل إعداد بديل أصلب عودا وأقوى تأثيرا، ولم يكن هذا البديل غير جريدة “أنوال”، التي تكلفت بإعداد تصور لها، وعاد فضل تسميتها إلى الرفيق محمد بنسعيد.
وفي إطار البحث عن عمل، اشتغلت في نهاية 1979، نصف توقيت، غسالا للصحون لدى فاطمة الحال، نجمة الطبخ المغربي في باريس، عندما كانت في بداية المشوار، ولم يحل غسل الصحون والأواني دون سرقتي لبعض أسرار هذه المهنة، كما لم يحل ذلك دون مساهمة مهمة في “أنوال”، ودون إعداد دراسة أهم عن المسألة الزراعية.




أعلى