عادل الأسطة - حول كتـابة النقد الأدبـي في الفيسبوك.. ملاحظات

أزعم أنني بدأت أسن سنة جديدة في النقد الأدبي العربي المعاصر وهي كتابة النقد الأدبي في الفيسبوك، ولا أعرف إن كان هناك من النقاد العرب المعاصرين من فعل هذا من قبل أو في الفترة التي بدأت فيها الكتابة.
وكتابه النقد الأدبي في الفيسبوك فيما أرى هي استمرار وتطوير للنقد الصحافي الذي غالبا ما يدان، علما بأن هذا اللون من النقد شاع وانتشر مع شيوع الصحافة وما زال قائما، ولقد ازدهر في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ولم يخفت حضوره حتى اللحظة.
وإذا كان الفيسبوك وتويتر والصحافة الإلكترونية ستحل محل الصحافة الورقية - وهذا ما يقوله لنا واقع الصحافة الورقية وتوزيعها وأفول نجمها - فإن المقالة الأدبية والنقد الأدبي سيجدان مكانا لهما في وسائل الاتصال الحديثة، وهو ما يحدث عموما الآن وإن كان النشر غالبا يتم أولا ورقيا ثم يعاد نشره في وسائل التواصل الاجتماعي، فيقرأ قراءات إضافية أو يحيل من خلال الرابط إلى المصدر الأصلي المدرج أصلا وغالبا إلكترونيا.
وإذا أردت إعطاء مثال توضيحي فإنني أشير إلى تجربتي الشخصية وتجربة زملائي الكتاب في جريدة "الأيام" الفلسطينية.
إنني أكتب المقالة وأرسلها إلى جريدة الأيام التي تدرج الجريدة كاملة في الثامنة صباحا على الشبكة العنكبوتية، فأقوم بدوري بإدراج مقالي على صفحة الفيسبوك وتويتر الخاصتين بي، ما يمكن متابعي من قراءة المقال حتى لو لم يحصلوا على النسخة الورقية من الجريدة، وما أفعله يفعله أيضا أكثر كتاب "الأيام".
من خلال نشري المقالة الأسبوعية في جريدة الأيام أنجزت ما لا يقل عن أربعة كتب طبعتها ورقيا، ويمكن الحديث بالتفصيل عن هذه التجربة التي سبقني إليها نقاد كبار نشروا في الصحافة الورقية قبل شيوع الصحافة الإلكترونية وأعادوا نشر ما كتبوا في كتب، ولكن الفرق بيني وبينهم يكمن في أن ما أنشره ورقيا أنشره الكترونيا.
ما الجديد، إذاً؟
وماذا أقصد بكتابة النقد في الفيسبوك؟
بعيدا عما أنشره في جريدة "الأيام" أسبوعيا فإنني حين أقرأ كتابا ما - رواية أو مجموعة قصصية أو ديوان شعر أو دراسة - أكتب مقال الجريدة الذي أقول فيه شيئا ولا أستطيع فيه قول كل ما يلح على ذهني، وعليه أجدني أكتب ملاحظات أخرى في الفيسبوك تعد متممة للمقال.
في السنوات الأخيرة، لم أكتف بهذا، فقد وجدتني أقرأ مجموعة من الروايات التي تطلبت مني، لإبداء رأيي فيها، كتابة موسعة وفورية أيضا، وهكذا وجدتني أكتب حول هذه الروايات يوميا وعلى مدار بضعة أيام وأكثر، فبعض ما كتبته عن بعض الروايات امتد خمسة وأربعين يوما، وشكلت الكتابة دراسة موسعة بلغت حجم كتاب متوسط الحجم.
قد يعترض قارئ على ما سبق ويقول إن هناك آخرين أسبق منك في هذا. نعم، قد يقول قارئ هذا ويشير إلى بعض المواقع الإلكترونية التي نشرت لكثيرين مقالات لم ينشروها في الصحف أولا! قد!.
ما أود أن أشير إليه هو أنني أيضا فعلت هذا منذ العام 2000 حين بدأت أنشر أولا في موقع "ديوان العرب" وفي موقع "مؤسسة فلسطين للثقافة"، ولكن ما أخذت أفعله في السنوات الأخيرة يبدو مختلفا، فهو لا يقتصر على كتابة مقال أو دراسة صغيرة الحجم عن عمل أدبي محدد، وإنما هو يتجاوز ذلك إلى كتابة دراسة مفصلة لا تختلف عن الدراسات والأبحاث التي تكتب لتنشر في مجلات علمية محكمة؛ دراسات وأبحاث كبيرة الحجم.
لقد كتبت العديد من الدراسات والأبحاث التي بلغت العشرين صفحة ويزيد ووصلت مؤخرا إلى حدود المائة صفحة، كما هو الحال في دراستي عن رواية إلياس خوري "أولاد الغيتو: نجمة البحر" ورواية جوخة الحارثي "سيدات القمر".
هل من خصائص محددة لهذا اللون من الكتابة النقدية؟
حين أخذت أكتب عن روايتي ربعي المدهون "السيدة من تل أبيب" و"مصائر" على سبيل المثال، لم أكن أخطط لدراسة موسعة. كنت أقرأ وأكتب عن قضايا في المضمون والشكل تلفت نظري، ثم وجدتني أجمع ما كتبت معا، وقمت بالتوسع في جوانب ولجأت إلى حذف ما اكتشفت أنه استطراد وحشو، وقد أفدت أيضا من ملاحظات القراء الذين لفتوا نظري إلى جوانب محددة.
غدا النقد المكتوب إذاً، قابلا للحذف والإضافة والتوسع وغدا أيضا نقدا تفاعليا بمعنى مشاركة القراء الفورية فيه وتحديد موقف منه ومن الكتاب المكتوب عنه، وهذا ما لم يكن النقد من قبل ينجزه.
هناك ملاحظة أخرى لاحظتها وهي أن هذا النقد يتسم بالتشتت، وأقصد هنا أنني وأنا أكتب على مدار شهر وأكثر أجدني أتناول جوانب تارة تخص الشكل وطورا تخص الموضوع، ما يعني أن النقد يفتقد جانب التناسق والوحدة، غير أن هذه السمة السلبية سرعان ما تتجاوز من خلال إعادة النظر فيما كتب وإعادة تنسيقه ونقل الفقرات ووضعها في مكانها المناسب.
في أيار وحزيران وتموز كتبت خمسة وأربعين مقالا عن رواية جوخة الحارثي. كنت تارة أكتب في الموضوع وطورا في الشكل ولم أراع وحدة الكتابة، وهكذا عانت الكتابة من التبعثر والتشتت، ولقد أنفقت ساعات وأنا أنظر في المقالات من أجل ترتيبها وتنسيقها حتى تغدو متناسقة، وكنت فعلت الشيء نفسه من قبل في مقالاتي الستة والثلاثين التي نشرتها تباعا في "الأيام" عن رواية إلياس خوري "أولاد الغيتو: اسمي آدم" قبل نشرها في كتاب.
ذكرتني الكتابة هذه وتشتتها وتبعثرها بالناقد المصري الراحل إيهاب حسن ودراسته التي نشرها في مجلة "الكرمل" في ربيع العام 1997 وعنوانها "نحو مفهوم لـ"ما بعد الحداثة" وفيها يورد خصائص أدب الحداثة وخصائص أدب ما بعد الحداثة، ومما يورده عن أدب ما بعد الحداثة الآتي:
اللعب والفوضى والتفكيك والتبعثر والاختلاف والإرجاء والاشتراك وضد الشكل (متقطع، مفتوح)، وهذه سمات لاحظتها على ما أكتب من نقد في الفيسبوك.
هل يضاف إلى السمات السابقة سمات أخرى مثل التبسيط والابتعاد عن المصطلحات النقدية المتخصصة كون الناقد ينشر في موقع يتابعه القراء بأنواعهم فثمة قارئ متخصص وآخر غير متخصص وقارئ مثقف وثان غير مثقف؟
ترى كيف سينظر النقاد الذين يتعالون على النقد الأدبي الذي ينشر في الصحيفة إلى النقد الأدبي الذي يكتب مباشرة في الفيسبوك؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى