العربي مفضال - تكسير جدار الصمت -12- “أنـوال” الجامعـة المانعـة

الحلقة 12

تعرضت المنظمة لضربة قمعية غاشمة إثر أحداث يناير 1984 بعد أقل من سنة على كسب الشرعية القانونية
استعدت الكثير من حيويتي ونشاطي بين رفاقي في جريدة “أنوال”، وكانت الروح الجماعية بصورة تبدو أحيانا زائدة عن اللزوم. فقد كانت الافتتاحية تناقش في اجتماع هيأة التحرير، وكذلك بعض المقالات الأساسية، ومن المرجح أن يكون السبب من ورائها، هو غياب هيكلة تراتبية في المراحل الأولى. وقد عرض علي الرفاق رئاسة التحرير، لكني اعتذرت عن تحمل تلك المسؤولية.
تحسنت سمعة “أنوال” في السنوات الأولى من الثمانينات، بفعل الدور الهام الذي لعبته في التضامن منقطع النظير مع المعتقلين السياسيين بمختلف انتماءاتهم وألوانهم، ومع ضحايا الشطط والاستبداد بمختلف أطيافهم. ورفعت “أنوال” في تلك الآونة، الصوت عاليا دفاعا عن المجلات الثقافية التي تعرضت لمنع ظالم لم يستند على أي مبرر معقول.
وخضنا في أواسط 1982، امتحانا حقيقيا في تجسيد قناعتنا الوحدوية، عندما جعلنا من “أنوال” منبرا للتعبير عن موقف الشعب المغربي المناهض للغزو الآثم الذي اقترفته إسرائيل في لبنان، في وقت اكتفت فيه الدولة المغربية ببرمجة ما أسمته “المسيرة القرآنية” في وسائل إعلامها الرسمية والمسموعة. وظلت “أنوال” معبأة في سبيل نصرة الشعبين اللبناني والفلسطيني، وفضح جرائم الغزاة الصهاينة وعملائهم، من الكتائبيين اللبنانيين، خاصة في مذبحة صبرا وشاتيلا.
وبفضل المبادرات الناجحة للرفيق طالع السعود الأطلسي، ورغم دوريتها الأسبوعية المحدودة، كانت “أنوال” جامعة مانعة، فبالإضافة إلى متابعتها النقدية للسياسات العمومية، وتصديها المستمر لمختلف الانتهاكات، واهتمامها الرصين بـ”قضايا الناس” والمقالات التحليلية للوضعين العربي والدولي ومساهماتها الثقافية، كانت تنشط الحياة الفكرية من خلال ركنها الشهير “فكر وحوار”. وبالإضافة إلى ذلك وغيره، فتحت “أنوال” صفحات خاصة للموسيقى والتشكيل والسينما والشطرنج، أشرفت عليها أسماء لامعة في مجالها، مثال محمد الرايسي ومحمد القاسمي رحمهما الله، ونور الدين الصايل وعبد الحفيظ العمري أطال الله عمرهما.
وحققت “أنوال” قفزة أخرى تمثلت في الجانبين التقني والفني على يد الرفيق أحمد الحجامي، الذي مكننا من تكنولوجيا جديدة في رقن مواد الجريدة، وأشرف على إخراجها في حلة رائعة، توجها الفنان العراقي رعد بإبداعاته الخطية الجميلة.
وخلال هذه الفترة، أي النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، ساهمت في مجمل أبواب الجريدة، مع بقية رفاقي، وواصلت التحضير للمؤتمر الوطني، وحضرت الكلمة التوجيهية التي كان من المفترض أن يلقيها الرفيق محمد بنسعيد في افتتاح الندوة التأسيسية للمنظمة التي حصلنا على شرعيتها القانونية. وقد ارتأى رفاق القيادة أن أقوم بإلقائها فاعتذرت قائلا “إنها كبيرة علي”، فانتفض الرفيق عيسى الورديغي مستنفرا “وهل أنت صغير!؟”
بعد أقل من سنة على كسب الشرعية القانونية، تعرضت المنظمة لضربة قمعية غاشمة، إثر أحداث يناير 1984، ولم يكن لتلك الضربة أي مبرر، لأن رفاقنا الذين حصدتهم الاعتقالات، كانوا مؤمنين بالعمل الشرعي ومحترمين لقوانينه، وعلى سبيل المثال فقد اعتقل الرفيق جليل طليمات وحوكم بسنة حبسا نافذا بسبب منشور سري وزع في أبي الجعد، لم تكن له علاقة به، إذ تبين في ما بعد أن عناصر تنظيم “إلى الأمام” هي صاحبة المنشور.
تحركنا أنا والرفيقان الأطلسي والمرحوم الحسين كوار، في اتجاهات متعددة من المغرب الشرقي إلى بني ملال وتادلة وخريبكة، لشد أزر عائلات المعتقلين، وتأمين الدفاع لرفاقنا وتغطية أطوار محاكماتهم.
في 18 شتنبر 1984، رزقت بولدي سعد، وفي 1985 وضعت كتابي حول المسألة الزراعية، تحت الطبع، إلى جانب ذلك، كنت قد هيأت “الوثيقة التوجيهية”، التي ستقدم إلى المؤتمر في نهاية السنة نفسها، بعد أن خضعت لنقاش مستفيض في كافة فروع المنظمة.

إعداد : مصطفى لطفي




numérisation0095.jpg
أعلى