محمد خضير - ثنائيات المصير في الأدب العربي:

نشرت مجلة (بين نهرين) في عددها الأخير ملفاً ممتعاً عن (ثنائيات المصير في الادب العالمي) مترجماً عن المجلة الأدبية الفرنسية ماغازين ليترير (اربعون صفحة، ترجمة مبارك حسني). ويتضمن الملف العلاقة الثنائية بين أدباء مشهورين وسَموا القرنَ العشرين بميولهم الأدبية ونزواتهم الشخصية، مثل علاقة ماري شيللي وزوجها بيرسي شيللي مع اللورد بايرون، أو علاقة ميلفل وهاوثورن، وفلوبير وموباسان، وريلكه مع اندريا سالومي، وبروست وجويس، وكافكا وماكس برود، وهيدغر مع حنا أرندت، وسارتر مع بوفوار. ولعل ألطف هذه العلاقات الثنائية ما ربط بين الروائية الفرنسية مارغريت يورسنار والممثلة بريجيت باردو، وهما من جيلين متباعدين، ومزاجين مختلفين، وقد اقتربت المرأتان من بعضهما بعد انتخاب باردو في الأكاديمية الفرنسية. أعجبت يورسنار بحملة باردو لحماية الحيوانات، واستحقت باردو كرسي الخالدين الى جوار الكاتبة العبقرية يورسنار رغم جمالها الذابل. بالطبع لا تستطيع المجلة الفرنسية الرائدة تناول علاقات أخرى أكثر خصوصية، وأشد غرابة، في أجزاء مختلفة من العالم، فتركت الباب مفتوحاً على تجارب متقاطعة في المزاج والأسلوب والمصير كعلاقة رامبو وفيرلين، وشوبان وجورج صاند، وماركيز مع شاكيرا..
قدمت (بين نهرين) الملف بسطور قليلة، من دون التعليق على أهميته، او اقتران شخصيات شهيرة أخرى بمصائر أدبية من أقطار آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، عاشت جزءاً مهماً من حياتها في الجانب الأوربي، خاصة العاصمة باريس. وفي هذا المنحى قد تشغلنا مصائر أدبية عربية عاشت أيضاً ثنائيات المصير المشبوب بالإبداع او المفجوع في العاطفة، لكن الضوء لم يُسلط عليها بقدر كاف. ولو أن مجلة عربية فكرت بمثل هذا الملف لأخرجت ثنائيات مماثلة ما زالت مطوية في المفكرات والرسائل البريدية، كثنائية جبران ومي زيادة، او جبران وميخائيل نعيمة. وكذلك علاقة بدر شاكر السياب مع أديبات عصره. وهنالك ثنائيات فريدة شملت فلاسفة ومفكرين وشعراء وروائيين وفنانين، كعلاقة أم كلثوم بأدباء مصر، وعفيفة إسكندر بأدباء العراق. ولن ننسى العلاقة بين فؤاد التكرلي وعبد الملك نوري التي أسهمت في تطوير السرد الفني في العراق؛ وشراكة إبراهيم السامرائي ومهدي المخزومي التي أثمرت تحقيق معجم "العين" للفراهيدي ونشره.
لقد ضمرت علاقات المصير الأدبي الثنائية بعد ارتفاع منسوب الأنانية الأدبية لدى الأدباء العرب، ودخلت الصداقة والتشارك المصيري أضعف حلقاتهما مع مطلع القرن الألفي الإلكتروني، وصار مستحيلاً أن نبتعث علاقة فنية مزدهرة كعلاقة جبرا إبراهيم جبرا مع فناني مرحلته من تحت الرماد. لا يرى الأديب العربي قرينه في الكتابة أو خصيمه في الموقف إلا بعين نفسه وحدود نظرته فحسب. لكني أعتقد أن صعوبة عقد مثل هذه الثنائيات قد تدفع مجلة طليعية عربية الى اقتراح ملف كالملف الفرنسي. لماذا يحدث مثل هذا السبق الصحفي قبل أن يفكر به ناشر عربي من أصحاب المجلات الرائجة؟ ربما لأن التفكير بذلك مرتبط بقول برناردشو الذي أجاب عن سبب عبقريته: "فيما يفكر كاتبٌ غيري بموضوعٍ جيد، أسبقه أنا الى كتابته". وقد تكون هناك أسباب أخرى.



أعلى