خوسيه انتونيو لونكوريا - العقرب.. قصة قصيرة

دخلت كاجيتا وهي مسرعة تحذرني من قدوم الشرطة التي تقوم بتمشيط الحي كله، عندها أسرعت باتجاه سياج البيت المحترق الذي أسكن فيه لأقفز هارباً باتجاه بيت كارمن ، جارتي، التي استقبلتني بدون خوف وبهدوئها المعتاد الذي لا يمنعها بالطبع من التفكير بذكاء وسرعة، مشيرة إلي بأن أختبئ بين المساحة الفارغة الفاصلة بين السقف الثانوي للبيت والسقف الخارجي المصنوع من صفائح الزنك. تسلقت إلى هناك وربطت نفسي بحبال غليظة وثبتها جيداً بالسقف العلوي لكي لا أرمي حملي على الأعمدة الساندة للسقف الداخلي . كان وضع جسمي أشبه بحرف X وبالطبع لم أكن مرتاحاً هكذا، كنت أبدو كخنزير في مشبك حديدي ، جاهز للشواء بسبب حرارة شمس منتصف النهار العالية التي كنت أحترق بسببها، حتى أن العرق بدأ يتساقط مني بغزارة. في تلك الأثناء سمعت السيدة كارمن وهي تحذرني قائلة :

إحذر من الأسلاك الكهربائية ! ، إذ أن اغلبها مكشوف وغير مغطى بالبلاستك .

أذن علي أن لا أتحرك لكي لا اجلب لنفسي مشكلة أخرى ، لكن ما أفزعني فعلا هو ماسمعته منها عندما أكملت حديثها قائلة:

آآآه ، نسيت أن أحذرك أيضا من العقارب الموجودة هنا في البيت، لكنني على يقين من أنك لاتخشاها ! . قد أخطأت هذه المرة، لأن هذه الكائنات الصغيرة هي عدوي اللدود، فحتى لو لم تلدغني فبمجرد التفكير فيها يجعل جسدي يقشعر، والأسوأ من ذلك ما يحدث لي الآن، فموقفي هذا يحتم عليّ أن أبقى ثابتاً وهادئاً من غير حراك .بعد لحظات، سمعت وقع أقدام مسرعة تقترب شيئاً فشيئاً إلى أن دخلت البيت، عند دخولهم الى البيت أخذوا بالصراخ وفتشوا في كل مكان، وأخيرا وقفوا تحتي بالضبط يسألون كارمن عن الأشخاص الموجودين هنا، وهل شاهدت أناساً غرباء في الحي….، كانت تجيبهم بهدوء تُحسد عليه بالتأكيد.في هذه اللحظة نفسها أحسست بشيء خفيف يسير بهدوء فوق ساقي اليمنى، أنزلت نظري هناك، فإذا بعقرب يمشي على جسمي ويتسلل حتى وصل لظهري ، استمر بالصعود ببطء حتى وقف على رقبتي بمسافة سنتمتر واحد فقط من الوريد ، عندها أحسست بوزنه الخفيف هناك….فتجمدت من غير حراك…قطع صوت المطر الذي كان يهطل بشدة أصوات الشرطة، الذي أخذ يتضاءل شيئاً فشيئاً بازدياد تساقط قطراته، فشعرت ببرودة تدب في جسدي وأخذت عضلات جسمي بالارتخاء وجفون عيني بدأت تثقل، كل تلك الأحاسيس كانت مصحوبة بشعور جميل بالسلام والأمان والانتعاش بالمطر الذي حطم الحر الشديد، هذا الإحساس بدا لي كحصن يحميني من كل الأخطار المحيطة بي في تلك اللحظة.استيقظت على ضربات قوية من كارمن وهي تدق السقف الذي تحتي بعصا المكنسة ، تخبرني بأن الفجر قد لاح في الأفق وعليّ النزول لكي أرتاح وتناول شيئاً دافئاً .نزعت بعض ألواح السقف الذي تحتي لأتمكن من النزول، وجدت كارمن تنتظرني وهي مبتسمة بفنجان من القهوة الساخنة. وأنا أشرب القهوة حدث شيء ما لملامح كارمن الهادئة، والتي أخذت تتغير شيئاً فشيئاً، فقد فتحت عينيها وهي تنظر اليّ مفزوعة وأخذت بالصراخ وهي تشير إلي بأصبعها:
عــــــــــقرب! عـــــــــــقرب!

عندها لمحت عقرباً يركض على الأرض رافعاً ذيله السام للأعلى وخلفه تجري كارمن حاملة عصا المكنسة تحاول قتله، في تلك اللحظة تذكرت أنه العقرب الذي كان بصحبتي لساعات طويلة من دون أن يؤذيني، من دون أن يغرز أبرته السامة في عنقي، لأنه كان يحترم أحلامي، أظن انه كان يشاركني هذه الأحلام، يشاركني أحساس السعادة الذي حظينا به معاً مع قطرات المطر.ما أقوله حماقات، أعلم هذا، لكني لم أشعر بنفسي إلا وأنا ماسكاً بيد كارمن لكي أمنعها من تسديد ضربتها القاتلة للعقرب، متوسلاً إليها قائلاً:

أتركيه ، كارمن، دعيه يذهب، لا تقتليه ، أرجوك !

نظرت إليّ مستغربة، لم أحاول شرح الموقف لها، وأخذتُ أنظر للعقرب وهو يختبئ في شق صغير، وهوحــــــي…. عندها تنفست الصعداء.

سألتني كارمن باستغراب:

هل أنـــــــت بـــــــــخير؟

بالطبع أنا بخير ، لكني لن أنتظر منها أن تفهم ما حصل لي هناك ، لأنني أنا نفسي عاجز عن فهمه الى هذه اللحظة.

خوسيه أنتونيو لونكوريا: ولد في سانتياغو عام 1919 نال جوائز عديدة في الكثير من المسابقات الأدبية. شغل في أواخر السبعينيات منصب مدير قسم العلوم الجنائية في جامعة هافانا بكوبا. قصة العقرب المترجمة عن الاسبانية جاءت ضمن سلسلة متنوعة من قصص قصيرة جمعها المؤلف في كتاب تحت عنوان ” مابين الهروب والصحوة”. تحمل القصة بين طياتها رسالة للدفاع عن حقوق العيش وعدم التفريط بها لأي سبب كان ومحاربة جميع أنواع الكراهية والوحشية وابدالها بالحب والشجاعة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى