العربي مفضال … تكسير جدار الصمت -13-

في بداية 1986، وفي أعقاب المؤتمر الوطني الأول للمنظمة، الذي اعتمد قيادة جديدة تحت اسم “الكتابة الوطنية”، كنت عضوا فيها، عرض علي الرفاق في هيأة التحرير مجددا منصب رئيس التحرير، وقبلت هذه المرة بشرط واحد ألا يعلن هذا الأمر، سيما في الجريدة.
وكان أحد دوافعي في اشتراط هذا الأمر، الوضع المادي المتواضع الذي كنت عليه، وهو وضع لا يسمح بظهور مقبول في المشهد الإعلامي رئيسا للتحرير.
والمعروف أن مرتبات صحافيي “أنوال” الذين كانوا سواسية، قد انتقلت من 1500 درهم إلى 2500 في بداية 1984، وظلت كذلك حتى نهاية الثمانينات.
وما دمت قد أشرت إلى الجانب المادي، فلا بد من التنويه بالدور الأساسي الذي لعبه الرفيق عبد اللطيف عواد، مدير الجريدة، باعتباره مدبرا حكيما من طراز خاص، قاد توسع “أنوال” بشريا، وأشرف على التطوير الدائم لتجهيزاتها ومكاتبها، وجعلها أولى الجرائد الوطنية التي اعتمدت التصوير الضوئي في الرقن والإخراج، وتبعتها بعد ذلك بفترة وجيزة، جريدتا “الاتحاد الاشتراكي” و”العلم”، وبعد ذلك التحقت “البيان” بالركب.
في صيف 1986، فاجأ الملك الراحل الحسن الثاني المغاربة والعرب باستقباله للوزير الأول الإسرائيلي شمعون بيريز بإفران، وكان عدد الجريدة على وشك الانتقال إلى الطبع، ولم يكن الوقت يسمح باجتماع القيادة لاتخاذ موقف في الموضوع. ولم أكن من جهتي أميل إلى القفز على الحدث المدوي، ولذلك اكتفيت بنشر مادة قصيرة في الصفحة الأولى، تشير إلى الاستقبال الملكي، وتعبر أن ما جرى لا يخدم قضايا الشعب المغربي.
وأثناء مثول الجريدة للطبع، وصل أحد رفاق القيادة، وكان معروفا بردود الأفعال السريعة، فحدثني بلغة جافة عن عدم أهليتي للمبادرة باتخاذ موقف في حدث من هذا القبيل، وطالب بالاطلاع على الصفحة الأولى. لم أمانع، لأنني كنت متأكدا أن ما أشرت إليه يمثل الحد الأدنى مما يمكن قوله في الموضوع، وأن حرصي على التصرف بمسؤولية واتزان لا يقل عن حرصه. وبعد اطلاعه على المادة، لم ير فيها ما يبعث على الانزعاج، ويبدو أن الرفيق المذكور كان ضحية تبليغ متخوف صدر من بعض الرفاق، الذين لم يمتلكوا الجرأة لطرح الموضوع علي.
وخلال صيف تلك السنة، تعبأت “أنوال” لشن حملة واسعة النطاق ضد الحركة الصهيونية، واعتمدت دراسات متعددة تكشف ما قامت به هذه الحركة من أدوار من أجل تجنيد اليهود المغاربة، وحملهم على الهجرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وتعبئتهم في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وانخراطهم الواسع في صفوف الأحزاب الدينية والمتطرفة.
واصلت تحمل مسؤولية التحرير حتى 1989، بعد أن أصبحت عودتي إلى عملي في التعليم متوقفة فقط على التعيين في موقع ملائم يسمح لي بالاستمرار في المساهمة في الجريدة. وكان من الواضح أن المؤهل لخلافتي بدون منازع الرفيق طالع السعود الأطلسي، لكن رد فعل بعض الرفاق على هذا التغيير كان قويا.
إلى جانب دوري في الجريدة، ساهمت بجدية في العمل التنظيمي، وشاركت بفعالية في اللجنة البرلمانية، التي كان من بينها الرفاق محمد شفيقي ونور الدين العوفي والمرحوم أحمد بنعزوز، وبناء على المناقشات الغنية لأعضاء هذه اللجنة، صغت المداخلات التي كان يقدمها الرفيق بنسعيد في مجلس النواب في إطار المناقشة العامة للميزانيات السنوية.



أعلى