العربي مفضال - تكسير جدار الصمت -15- الدرس الذي نسوه..

لم يعرف المؤتمر الثاني للمنظمة سنة 1990 تفاعلات فكرية جديدة، لأن مختلف القضايا الوطنية لم تكن تحمل جديدا، ولأن الاتفاق حولها، بصورة عامة، كان حاصلا من قبل. ولأن التحولات الدولية العاصفة، لم يكن قد تم تشكيل قناعات مؤسسة في شأنها.
في انتخابات اللجنة المركزية المنبثقة عن هذا المؤتمر، حللت رابعا. أما الكتابة الوطنية فقد تشكلت من قائمة متوافق عليها نالت رضى اللجنة المركزية.
ولمناسبة الحديث عن الهيآت القيادية في المنظمة، لا بد أن أشير إلى أنني لم أتقدم، في أي يوم من الأيام، بترشيحي إلى هذه الهيآت، سواء خلال المرحلة السرية أو العلنية… بل إني، في إحدى الحالات، (سيرد الحديث عنها)، تم ترشيحي وانتخابي في اللجنة المركزية، وأنا منسحب من المؤتمر الوطني. وتكرر الأمر نفسه في مرحلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
خلال بداية التسعينات من القرن الماضي، اندلعت داخل المنظمة عاصفتان، تتعلق الأولى بتمديد عمر البرلمان الذي دعا إليه الملك الراحل الحسن الثاني. وكنا في الكتابة الوطنية قد قررنا، قبل اجتماع اللجنة المركزية، إصدار بلاغ يعبر عن موقف معارض، اتخذنا القرار بأغلبية كان ضمنها الأمين العام، الرفيق بنسعيد. وعند اجتماع اللجنة المذكورة… لم يكتف بنسعيد بتغيير موقفه… بل “نبه” أعضاء اللجنة إلى أن أي موقف معارض قد يعرض مصالح المنظمة إلى الضرر، وقد يثير ردود فعل سلبية عليها من الدولة.
وكان هذا “التنبيه” حاسما. وصوتت إثره الهيأة المركزية مؤيدة لموقف التصويت الإيجابي في الاستفتاء على تمديد عمر البرلمان بأغلبية 13 مقابل 12. وكان حزب الاستقلال قد اتخذ موقفا أقوى بعدم المشاركة في الاستفتاء. وقد أدى موقف الأمين العام، المنتقل من الرفض إلى القبول، إلى توتر داخل الكتابة الوطنية اضطر معه إلى الانسحاب من أحد الاجتماعات.
وإذا كانت هذه العاصفة قد هدأت سريعا… فقد أعقبتها عاصفة داخلية هزت المنظمة هزا… عندما اجتمعت اللجنة المركزية في شتنبر 1992 للتقرير في شأن الانتخابات الجماعية التي كانت على الأبواب.
والمثير في الأمر أن مبدأ المشاركة في الانتخابات الجماعية والتشريعية كان قد حسم في أواسط السبعينيات، وتم تأكيده وترسيخه في أوائل انطلاق العمل الشرعي، عندما قررت المنظمة المشاركة في الانتخابات الجماعية لسنة 1983، وذلك عبر مساندة مرشحي القوى التقدمية، وخاصة الاتحاد الاشتراكي. في السياق نفسه، كانت إحدى دورات اللجنة المركزية، في منتصف ثمانينات القرن الماضي، قد أجازت وثيقة بمثابة خارطة طريق لتعبئة المنظمة في أفق خوض الانتخابات الجماعية.
ورغم ذلك، فقد عاد رفاق أساسيون في القيادة، يتقدمهم الأمين العام، إلى إحياء شعار مقاطعة الانتخابات، ودافعوا عنه في اجتماع شتنبر سالف الذكر باستماتة. وعندما رفضت اللجنة المركزية موقف المقاطعة، وصوتت بأغلبية واسعة لصالح خوض المعركة الانتخابية… لم يجد الأمين، الذي سيتحدث في ما بعد كثيرا عن الديمقراطية والأغلبية، أي حرج في الوقوف في وجه الديمقراطية والأغلبية، مؤكدا أنه لن يكون الأمين العام، إذا ما تم تنفيذ موقف أعلى هيأة في المنظمة.
وفي تلك اللحظات، استعاد بعض الرفاق الدرس الذي كنا قد حفظناه خلال تجاربنا المريرة. ويقوم هذا الدرس على الحرص الشديد على التقدم بصفوف موحدة تضم معظم القادة والأطر حتى ولو تطلب ذلك بعض التأخر.
لقد حرصنا، في عدة محطات خلاف حاسمة، على التريث، وعلى إعطاء الوقت للوقت، من أجل تدليل التباينات، وتعميق الحوار، والتخلص من الذاتيات. وتمكنا، اعتمادا على الدرس المذكور، أن نصون وحدة المنظمة، وأن نتجاوز مختلف المنعرجات بسلام.
استنادا إلى الدرس المذكور، ضحت اللجنة المركزية في سبيل ترضية الأمين العام وتكريس وحدة المنظمة، وإعدادها، بصورة أفضل لخوض معارك قادمة.
والمؤسف أن هذا الدرس سينسى بعد ذلك، وسيكون من بين الأسباب التي أدت إلى الانقسام.
في هذه الفترة، أصدرت كتابي عن حرب الخليج منتقدا فيه مواقف حزب التقدم والاشتراكية تحت عنوان: “عندما يرتد السلاح إلى الخلف”.
وفي هذه الفترة، كذلك أنجزت مساهمتي في المؤلف الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية بمشاركة الأستاذ عبد الاله بلقزيز، والأستاذة أمينة البقالي. وتناول المؤلف المذكور: “الحركة الوطنية المغربية والمسألة القومية”.


إعداد : مصطفى لطفي








أعلى