برهان الخطيب - وما أدراك ما الإدراك.. حمير مجنّحة.. ترفس السماء!

الانحطاط العميق الذي يعيشه بعض العرب، سياسيا رغم ثورة، اقتصاديا رغم وفرة، ثقافيا رغم حرية، له أسبابه، في عمى الإدراك، في تشتيت المصادر وتوظيفها لخدمة الخارج أكثر مما لخدمة العرب، منها مصادر الإدراك ذاتها، الإعلام، النشر، التوجيه المعنوي من الدولة شبه الغائب، وتقصير التفكير الحر خاصة لأفراد حملوا القلم زينة وقت حرب تشن على المنطقة.
أحدهم يكتب مؤخرا يقول بأني تدخلت في مقالة له قبل عشرة أعوام ظهرت في عدة صحف ومواقع مرموقة مسحتُ أضفتُ غيّرت فيها.. لأمدح نفسي.. “فيا لقدرتي المديدة على التغيير وبالاتجاه الذي أريده وأنا لا أدري” يضيف بأنه: رد هو عليّ آنذاك.. فضحني.. وأنا سكت. إذاً المفروض هنا أن أصيح: “يا مصيبتي.. كشف عورتي التي تباهيت بها وجها لوجه قدّامه!” والدليل على ذلك عنده أنني لم أرد عليه إلاّ بعد الأعوام العشرة التي هزت ما هزت، بمقال ينتقد سبعة كتب صادرة عن المركز الثقافي العراقي في ستوكهولم لكن.. لانتقص من كتابه الجديد.. “مدوّخ الأنس والجن حتما.. طالما أنطقني أخيرا”.. وإذاً عليّ أن أصيح هنا في انبهار: “كذلك مرحى لقدرتك الرهيبة على الصبر يا برهان وأنت لا تدري كل ذلك الزمان.. إنما أنطقك كتابه أخيرا فلا تفخر.. فأعترف: لا عجب.. للصبر حدود يا حبيبي”.. ولذلك كله ولأسباب أخرى، لا يعلن عنها نرى، ينهض هو يعيد إلى الحياة اليوم مقالته القديمة تلك، الأحفورة المدفونة في ذاكرته عميقا طويلا، يتحف بها القراء، شاء من شاء، أبى من أبى، كذلك يتمنى لي في نهايتها كما قالت العرب: “عوفيت!” من غير تشكيل فتُقرأ الكلمة حسب المزاج فأقول: ليت العرب تعافي حال الحافي أولا، السويد تعافيني عند الضرورة، واضح من “مقاله” ابتلاء العرب والسويد بغيري من عباقرة شجعان من شاكلته.
يذكّره كاتب معروف في زاوية اترك تعليقا بكلمة لماحة مَن هو برهان الخطيب، فيعود أبو عشرة أعوام يستل فنه القتالي يدحض ذلك التعليق بفسفساء معلومات، يدري العارف كلها خطأ ويفسح له مجالا للنشر بغية إعادة صياغة الإدراك في قالبه، يتنطع عن قيام طلفاح خال صدام بحلاقة شعر أشخاص في السبعينات يضعني بينهم، وأنا أصلا غادرت العراق قبل تلك الفترة، واصطدامي بطلفاح قضيته معروفة منذ أواخر الستينات، لإصراري رسميا على تقديم خال صدام لمحاكمة بعد إطلاقه النار على والدي، ذلك مثبت في محضر تحقيق الحادث الجنائي، المذكور بصحيفة شبه رسمية أيضا، بعد ذلك تنصحني موظفة تطلع على مخطوطة روايتي “شقة في شارع أبي نؤاس” المطلوبة برسالة إليّ من مصلحة السينما لإخراجها للشاشة عام 1968 بأخذ الرواية والهجرة لو شئت السلامة. بموازاة ذلك يقف الأهل ضد حبيبة القلب، مضايقات، طموحات، أغادر العراق إلى روسيا مهندسا مسئولا عن دورة تدريبية، معي ثلاثة كتب من تأليفي أهلتني للفوز بمقعد في المعهد الأدبي العتيد هناك من غير وساطة، عبر سفارتنا أستقيل رسميا من وظيفتي كمهندس من ثلاثة لديوان رئيس مهندسي وزارة الإصلاح الزراعي المسئول عن مشاريع ومشتريات وإيفادات الوزارة أبدأ مشوار غربة مريرا خصبا حصيلته أكثر من عشرين كتابا تأليفا عن حال العراق وترجمة عن حال الأمم الأخرى حاملا وطني في قلبي كما كتبت بعد أربع سنوات بمجلة ألف باء..
ذلك توضيح لا بد منه في سوق هرج ثقافة اليوم، أدخله مضطرا، لسرقة تحفة من حياتي ومحاولة بيعها جهلا غدرا رأينا بسعر بخس. لكن، أمام صيحة ذلك الدلال، بأنني خلال الأعوام العشرة الأخيرة كنت في سخونة، بسبب سكوتي عنه حتى أنهيته بنقد “كتابه” وتسفيهه، انتقاما منه برأيه، لا بد لي أن أشكره على تلك السخونة، خلالها ذكرت أبدعت عدة كتب ومقالات قمت بعدة سفرات ضحكت آلاف المرات، مرة طبعا بسبب مقاله “الفلتة” ذاك، وعاليا عند كلامه عن الشجاعة، جبان مسرحية في دور شجاع يُضحِك حتما، ليته يسبب سخونة أخرى من ذلك النوع، لي أنا الذي لم يشعر سخونة في حياته غير مرة في الطفولة. إذاً لو شعر هو أني في سخونة حين تصادفنا في طريق فذلك حتما لأن وجهه لا يثير في المرء غير ذلك الإحساس.. عنده، الرجاء العودة إلى صورته “أم ضحكة جنان” للتأكد من كلامي.

نعود إلى “فضيحته” المدوية.. سمعها جيرانه.. لا.. لا أدري. إنما هو لأمر معروف تدبير “فضائح” لساسة يخرجون عن “صراط” مستقيم مافيا تريد الهيمنة، ذلك معتاد، معاد، يصل إلى اغتيال، بالمه، كندي، لوثر كينغ، الليندي، لومومبا، قاسم، قائمة طويلة، لا يُوفر منها فنانون، رحم الله سعاد حسني، أدباء، كنفاني لا يُنسى، إذا لم يكن انتحر كعادة الأدباء الحساسة، هذه المرة بحضوره إلى مكان الاغتيال ليصفّوه يخلصوه من عالم يتسخ بتافهين يظهرون على الملأ ملائكة، كذلك الإعدام المدني وارد، دستويفسكي.. ألم يقودوه إلى ساحة الإعدام ويعفى منه، تشيرنيشيفسكي.. ألم ينزلوا الحربة على رأسه وقالوا لن نفعلها، وحضرتي ألم يقاد إلى سجن البتروفكا الشهير قبيل البريسترويكا لأني لم أذعن لدعوة عمالة لأجنبي ذلك بموازاة وعد بجائزة كبرى في حال أتعاون معه ليسفروني من ذلك السجن والحرب العراقية الإيرانية في ذروتها إلى المجهول بعد شغل دؤوب مخلص عشرة أعوام بأكبر دار نشر هناك بذريعة نفاد إقامتي وهي نافذة، قلت للمسفِّر متذكرا السابقين مقارنة بحال لاحقين: هذا إعدام مدني! يرد ضمن ما يرد: مضبوط، ينال منه الأصدقاء أحيانا قبل الأعداء. و.. قد يمرر الاغتيال المعنوي على درجات، بمقاطعة، تهميش، تشويش، إزعاج، ساكن بيت يدوّي بعد النزول فيه يطلب تبديله يقال انتظر عشر سنوات، مكائد لا تنتهي، يُستخدم فيها أصدقاء أقارب فضائيات صعاليك مجرمون، تفعل كما نريد أيها المستهدَف طائعا مختارا أو لك الويل الويل يا يمه الويل.. أحيانا حتى “يمه” تبدو مساهمة في صناعة ذلك الويل! أو.. لا تبتئس يا ختيار، هو اختبار، حتى محاولة قتل فاشلة يمكن تحويلها لمزاح، لاختبار، في إدراك جبار يعيش على مصادرة ما يمكن من إدراك، ذلك يحتاج فوضى منظمة لا تُكشف سرها لا يُطال.. صناعتها بزنس عال.. طلبا لحسن مآل.. هكذا أدري من بعض الأهوال.. منه الوافد في مقال.. إنما والحق يحسن أن يقال.. ما قيل فيه لا يرقى لذلك التفسير والحال.. هو سعي إذاً لتسجيل نقطة في سجال.. بين ذبابة وملاكم.. أو عتّال.
لفوضى ثقافية سياسية اقتصادية نعيشها سبب داخلي قبل أن يكون خارجيا، ينتظم خُلُقنا رغم تشويهات اغراءات ننتظم نتقدم، ينتظم خُلقنا بإصرار منا، لا بجوائز من الخارج قد تحفز نرى على ترويج السلاح عليكم.. بدل السلام عليكم.. فرنكشتاين منتقم فيكم.. بدل ضمير يدعو لتآلف وسيطرة على المصير.. ذلك إذا آمنا بأن الصراع القائم في المنطقة بين بشر عقلي، قبل أن يكون ضد قوى توحش هنا.. جشع هناك.. لكن.. أواه! يُقال على مسرح واه، الصراع متعدد السمات تعدد إدراك أبعاده. منه مَا يُرى طبقيا، قوميا، دينيا، طائفيا، لتغليب الجزئي منها على الكلي لها، لغلبة جزء على الكل الداخلي، النتيجة دوام الصراع، خسارة الجزء والكل في آن، بتدمير ذاتي، كما بتدمير الذرة للحصول على طاقتها الكامنة لفائدة خارجها. في الواقع كل أنواع الصراع متداخلة. ثمة قيمة قصوى لإدراك، في تحديد طبيعة الصراع ونتائجه، بل طبائعه، في إبراز الثانوي منها على أساسي، ذلك لو شئنا الذود عن أنفسنا وعن تقدمها.
الإدراك نسبي، ليس الكل يتصرف عن إدراك تام، ثمة تصرف عن إدراك محدود رأينا، داعش مثلا تعتقد نفسها منقذة للأمة، على الواقع تدمرها، وتدمر ذاتها، الدمار تراه طريقا إلى الخلافة، لا تدري ان المجتمع الدولي وطرف منه غير بعيد يساعدها مرغما أو مختارا لتحقيق مآربها، لتحقيق مآربه في تفاقم صراع سني شيعي يدمر بعضه بعضا على طريق إلغاء وجود منافس أكبر لو توحد، من العرب، من آخر معه تهديد نووي متخيل محتمل، من إيران في الظاهر، إيران تكسب حين تغلّب رسميا خطابها المدني على الديني، كما في واقعها، فالقصد من محاصرة المنطقة في قلبها إيران إمساك بقية طاقة المنطقة باليد، إبقاؤها سوقا تابعة لا منتجة، لا منافسة، أشرت. ذلك الطرف غير البعيد في مرحلة أخرى لا يسمح على العموم ببقاء داعش صرنا نرى اليوم، أو أي قوة دينية أخرى فاعلة على الساحة استراتيجيا، لنشازها البيّن حسب معتقد العولمة عن مسيرة الحضارة المجتمعة نحو كل واحد يُوحَّد لا يوحِّد، القرية العالمية. المجتمع الدولي في الفوضى المتقنة المقننة قادر على تحقيق هدفه، بالضرب بداية حجرا بحجر، لاحقا جوا، لاحقا برا، ولو بالواسطة.
ذلك يعني ان إدراك داعش غير مدرِك تماما، محدود، يؤدي لتدميرها في النهاية، بإدراكها أولا.
في حرب الأخوة، قلت ما زلت أقول، القائمة اليوم في منطقتنا، في كل حرب، للإدراك وصياغته الدور الأكبر لتصريف الأمور، تسيطر على الإعلام تسيطر على العالم. المثقف في هذه المعمعة يحاول الارتقاء بإدراكه من المحدود إلى أبعد، طبيعته المتناقضة أو المتفاعلة مع الغير تدفعه لسبر البعيد، عند البعض إلى حين، إلى أن يجد في وقفة على تلة ملائمة له من مرتفع الوجود السياسي أمنا، منفعة، ُيسمى ذلك عند غيره انتهازية، خيانة للشعب.. أو حصافة عنده.. خاصة حين يقر لنفسه، لغيره، بعدم قدرته على ارتقاء أعلى، لو يتبجح يصر بأنه توصل هناك إلى الحقيقة الكلية يتكلم عنها بأبهة نيابة حتى عن المريخ كما يفعل ذو الهذيان والصريخ الذي رأيناه يصير مثل المرحوم عبد الفتاح القصري الممثل الهزلي بدوره الشهير مع زينات صدقي ممثلة الشعب إذ يصيح: أنا كلمتي كلمة راجل متنزلش الأرض أبدا! فتذكره بل تنذره تزلزله زينات زوجته العاتية بذلك الدور رافعة صوتها وشبشبها عليه مثل سيف: حنفي!!! فيخفض عبد الفتاح أي حنفي عينه السليمة إلى الأرض مستسلما لسلطة زينات الشعبية الطاغية بمذلة يقول بلا حول: خلاص! حتنزل المرة دي! بس المرة الجاية مش حتنزل الأرض أبدا!..
مثقف يراعي مصلحته، يوازن بين الداخل والخارج، بين الشبشب والصاروخ، لا نلومه كثيرا.
لكن تلك المرة الجاية لا تأتي أبدا، حنفي يبقى في الحضيض رغم ادعاء رجولة وزينات وليّة عليه لا له، مع تغير الزوجة طبعا، حسب الدور المرسوم لذلك النوع من شبه مثقف مأزوم. في الواقع يواصل بعض آخر من المثقفين ارتقاء المرتفع، لرؤية الأبعد والجديد ولو في ذلك خطورة عليه، عرقلة، إقصاء، تهميش يقال اليوم، تسفيه كما رأينا، يعرفه مَن يثبت على موقف في وجه مافيا تريد الأفق ملكا لها، كل شيء بيدها، توظيفه في مسعى تغيير المنطقة، بحرب، بحب، بقلب الحقائق، بمنطق أيضا، بفهلوة باختصار. الضباط المتدربون أمريكيا سلموا ثلث الجيش العراقي تقريبا والموصل لداعش في انقلاب موقوت لإفشال نتيجة الانتخابات العراقية الباهرة والنهج الوطني المتصاعد بها، المالكي يقصي منهم مَن يقصي يتلافى انهيارا، أشرت لذلك بمقالة سابقة، اليوم بريمر يقلب الآية يقول لأنهم أُقصوا من المالكي سقطت الموصل، يحمّل قيادته العراقية الوطنية المخلصة للبلد مسؤولية الفتنة لا حضرة مشعلها وراء ستار، بما في ذلك الاتهام من إهانة للعسكري العراقي عموما.. إلاّ المتدرب أمريكيا طبعا، ما هذا؟ لا يخلص أحد من تجريح وانتقاص عندهم إلاّ من تأمرك؟ مَن البِجح في هذا الحال و مَن الجدع السمح؟ الظاهر الواضح من كل ذلك مسعى لتبرير التدخل الخارجي المستمر مجددا، للعودة إلى المنطقة بقوة إتماما لبناء الشرخ الأوسط الجديد، أقصد الشرق الأوسط الجديد، ولو بتخريب بقية بيوت أهله على رؤوس مَن لم ينزح منهم بهذه الفتنة الأكبر نرى كل يوم. كذلك يعلق السيد بريمر مسؤولية حل الجيش العراقي السابق برأس الأكراد والشيعة، يعني هكذا منذ البداية وقبل الغزو يتم تصنيف الخانات مسبقا، ليتحرك لاحقا كل الحال العراقي ضمنها كما رسم له قبل سنوات: طائفيا، قوميا، لا وطنيا، نحو تقسيم مؤهل لاستمرار وتفاقم مشاكل لا تطفئها غير وحدة الانتماء للوطن الواحد، على الأقل كما في أوربا، كما في الغرب عموما، متناسيا انه تم قبل الغزو استبيان أهل الرأي ولو شكليا حول مصير الجيش العراقي بعد الغزو، رأيي يعرفه مَن سمعه، حي يرزق: يجب الاكتفاء بتبديل بعض القيادات العليا وتنشيط الباقي بقوة جديدة وعدم المساس بأي من القوى الوطنية، السيد المستبين دهش حينه من وقوفي إلى جانب الجيش أكد قال: كل الذين خدموا في الجيش العراقي لهم رأيك موقفك. ذلك يعني أن لجيشنا سمعة طيبة حتى بين الذين تمرمروا في الخدمة وقرار حله جاء من الخارج لا من مخلصين لبلدهم عمدوا لاحقا لتكوين رديف مساند من أهل البلد عن ضرورة وطنية لحماية الوطن ينتبه لها الجيش الروسي اليوم فيقيم أيضا جيشا آخر داعما للرسمي.

من ذلك نفهم أن في الحرب الدائرة على منطقتنا وأبعد، بل على الأبعد عبر منطقتنا، علنا، في خفاء، يُستعمل الإدراك وتوجيهه سلاحا ماضيا في قيادة شعابها، ذلك يتضمن توجيه الإعلام نوهت، الثقافة عموما، السياسة، الاقتصاد، كل حياة المنطقة الروحية والمادية، لتحقيق هدف القائمين على الحرب، ترويض الإدراك العام، الإدراك الفردي، العلاقات الخاصة، العائلية، العامة، غيرها، تحويلها إلى المجرى المطلوب حسب متطلبات الهدف، ضمنا التجريح، التشهير، رفع أكاذيب إلى مصاف حقائق ومقدسات، خفض حقائق إلى مرتبة أكاذيب، دبلوماسي، حزبي، مثقف، أي منهم يمارس ذلك الدور، مدركا أو ناقص إدراك، على يسار أو يمين، مستفيدا أو منفعلا، لا يختلف عن تكفيري داعشي يؤجج الحال على طريق الخطأ..
نعود من ساحة السياسة إلى ساحة الثقافة، لتوضيح الصورة أكثر، مع الفرق الكبير بين النجم الذي يعرفه الجميع ساطعا في سماء العالم بسبب العراق، أو الكوكب السيد بريمر، لا الكويكب طبعا، وآخر.. الكويتب الذي ذكرته، نرى هذا يدخل مهزلة دامية يظنها بدعة منه منزّلة سامية، أو منازلة في الأقل، مقارنته بالسابق مقارنة المريخ بالبطيخ طبعا، يعني نحتاج مجهرا لرؤيته بحجمه الطبيعي، تحت عدسة تبرز المخلوقات المجهرية، فنرى ذلك النهج، نهج تأميم الحقائق والقيم وقلبها في صورة وأخرى، توظيفها في استثمار جديد، قائما عنده على قدم وساق، ذلك الكويتب دبج قلنا قبل عشرة أعوام مقالا” يفتخر يسميه حتى اليوم “رسالة لئيمة” يتهمني بها بأني فرضت رأيي عليه، يا للاستخذاء لاحظ، بل أجبرته على توقيع مقال أدخلت فيه جُملا وربما جَملا ونشرته من باب مديح الذات. لم أرد عليه حينه تدرون، صديقة سألتني آنذاك لماذا لا أرد عليه؟ قلت: على تفاهة لا أرد. كلماته متناقضة تدحض نفسها بنفسها عند القارئ، ومحررو الصحف فوق يعلمون الحقيقة، بقية الناس لو تشاء تكتشفها مع الوقت.. ونسينا الموضوع، حتى أني صادفت ذلك الآدمي في طريقي أكثر من مرة عطفت عليه والله تكلمنا لا أشعر حتى رغبة في الكلام عن “رسالته اللئيمة” كي لا أحرجه.. نسأل لماذا تلك السيرة تعود بعد عشرة أعوام. يقلب هو آية يقول بسبب تصفية حساب من جانبي بالمقال ضد كتابه، وأنا لا حساب لي مع أحد، أتناسى أغفر لضيم طفيف، إنما الموضوع هكذا..
المركز الثقافي في ستوكهولم أهدى مؤخرا لي كتبا نشرها منها “رواية” الكويتب، يعني لم أتعمد الحصول عليها، لم أطلبها، بالمقابل وعدت مديره بتقديم تلك الكتب للقارئ عبر الصحافة، أوفيت وعدي، سبعة كتب، عرضت ما فيها من حسن وسيء، “رواية” الكويتب لم ترق لي لسبب منها لا مني، ككتاب آخر وآخر، حرام؟ كفرت؟ لازم تعجبني؟! بعد ذلك من دون مؤلفي تلك الكتب يرسل الفارس إلى موقع إلكتروني “مقاله” الطويل يحرم فيه يحلل، يعيد كلمات “رسالته اللئيمة” كما يسميها بنفسه قلنا متهما إياي هذه المرة بأني سكت عشرة أعوام لأنتقم منه بما كتبته اليوم عن “روايته”! بينما هو يعترف بمقاله بالنص يقول: كلما ظهر جيل جديد لروائيين حقيقيين (لا أضع نفسي بينهم).. انتهى الاقتباس منه، يقصد نفسه طبعا، عليه هو يدين نفسه بنفسه. المعنى: إذا أنت تقول عن نفسك أنك لا تضعها بين الروائيين الحقيقيين فما ذنبي أنا حين أقول ذلك أيضا، أو أنا ملزم بتقدير “روايتك” عاليا وهي لا ترقى لأن تكون حتى مسودة رواية؟! بالقوة تريدها جيدة؟! ندري حتى الغرب، حتى احتلال، يفرض ثقافته بأساليب أرقى، خلافه الناقد منتقم أسود؟ بهذلوه قبل ما يفضحنا، هزئوه كي لا تبقى لكلمته قيمة.
بلوى فعلا! العتبى على مَواقع نت تفسح مجالا لمن هب دب التزاما بحرية تعبير بلا حدود، تنشر “مقالة” غير مهذبة تبدو في صيغة مؤدبة، في تأدب يزيح الأدب تفضحه صيغته غير المرتبة، حال يشبه لو يمنح الخالق حميرا أجنحة تطير بها.. فتأخذ في رفس السماء في نشوة متعجبة!

شواهد أحجم عن ذكرها حرصا على ترك موتى وأحياء يرفلون في راحتهم، لست من هواة إثارة فضائح وأقاويل. لكن يتجاوز التجريح حدوده إلى كسر بابي انتهاك خصوصيتي ذلك حدث يحدث لا أسكت. قد يقول قائل: أدباء ناشئون هنا كتبوا تعبوا تفضل المركز الثقافي في ستوكهولم بنشر أعمالهم أنت تشطب عليها بمقالك “الثقافة العراقية تشرق من الغرب” فأقول: أساتذة معروفون أعجبهم ذلك النقد، نصحوني بعدم الرد، لكني آثرت التوضيح في هذا العهد.. إذاً.. يا ناس اقرءوا تلك الأعمال ونقدها اقبل منكم أي حكم..

يوما دعوت لقيام سلطة خامسة، سلطة القارئ، للعب دور حَكم في الأقل بين ناقد وكاتب، ولو مع الناقد تجربة أدبية نصف قرن ومع الكاتب عقل نصف قرد، ففي الفوضى السياسية التي نعيشها تزداد الحاجة لضوابط ترشيد حال ينفلت سياسيا اقتصاديا ثقافيا، فوضى تنعكس على مجمل حياتنا، على بيوتنا، كل شخص يصير إمبراطور زمانه بقدرته لا بأس، لكن لا بقدرة مواقع نت مستعدة لتتويجه على أفضل منه حين يتقافز لها تحت طلبها على لحن طبلها، مواقع أُسست أساسا لخدمة ثقافة احتلال، ثقافة الضرب والضارب والمضروب، ثقافة مؤخرات لوبيز وكردشان التي يكرهها كل شرفاء الأرمن ونكاح جهاد القرداوي، لا لخدمة ثقافة وطنية داعية لأخوة بين البشر وقيم معقولة قبل أن تكون سماوية.
ناقد يكتب عن أعمالي منذ سنوات أرسلت له ذلك “المقال” سألته: بربك هل تدخلتُ يوما في كلمة مما تكتبه؟ هل طلبتُ منك يوما أن تفعل هذا أو ذاك؟ هل بدر مني أي شيء ينم عن تطفل عليك أو على غيرك؟ رد عليّ: على ذلك الكاتب مراجعة مقاله والاهتمام بنقد روايته، لي شخصيا نشروا بصحيفة وأخرى بفضلك..
المقالجي إذاً يخرط خرطا لا ينبت عليه شعر يقال عندنا، منذ البداية يخدع حتى قارئه، يقول مثلا بأني ألومه على وضع صورةالمؤلف على الغلاف، وذلك اللوم بمقالي واضح صريح: لوضعه صورة الصبي على الغلاف دون ضرورة والقول عنه هذا هو المؤلف وقت تكلمت فلانة. كذلك المقال الذي يفتخر بنشره في الشرق الأوسط والحقيقة صلحته أنا نعم، لضعف أسلوبه، صادفته بالقطار أخبرته نشر. والمقال الثاني بالقدس العربي أيضا عدلته لغويا ونشر هناك. حينه قال لي محرر الصحيفة المعروف في لندن ذاكرا اسم “كاتب المقال” الفارس المغوار بالحرف، احجبه لتجنب بذاءة: هذا الشخص.. نعرفه لا ننشر له.. لكنا نشرنا مقاله هذا لخاطرك. شكرته طبعا أكدت له على إن أسلوب ذلك المخلوق يحتاج مراجعة فعلا قمتُ بها، وانتهينا.
بعد ذلك وقبل ذلك لم يُنشر له لا بهذه الصحيفة ولا بتلك شيئا.. واضح لعدم تقبلهم له.
مقال الزمان امتدحني به كثيرا عرضه علي كسابقيه قلت له نحذف المديح، من غير تواضع حقيقي أو زائف، لا لأني لا أستحقه قلت في خاطري بل لأني لا أريده من شخص غير راسخ.. تبيّن فعلا كذلك. ثم نُشر المقال أو غيره على مواقع النت، بعدها يخابرني حول مقال آخر لا أعلم عنه شيئا إطلاقا فعلا، استغرب ما فيه من سؤال إليّ وجواب مني لم يصدرا، أفهمته لا شأن لي بذلك الموضوع إطلاقا وانتهينا.

قبل عشرة أعوام إذاً ينشر هو رسالة يسميها بنفسه “لئيمة” يعيد سفاهتها اليوم يضيف عليها، يزج أنفه حتى في أمور لا يعرف عنها شيئا بكلام عن غائب فرمان وصداقتنا، ليوحي لو ردوا عليه كما عبّر أحد الزملاء بدقة بأنه من الحاضرين في الثقافة بين الكبار، عن زيارة غائب لدمشق حين كنت فيها منتصف الثمانينات، طارقا بذلك مجاهل وعرة له حتى من غير أن يتعوذ “دستور يا أسيادي دستور” فهل ننصحه فعلا: تكلم عن “روايتك” ونقدها لا تدس أنفك بعيدا في شأن لا تعرفه، القارئ والعارف يحكمان أخيرا على الغائب والموجود، يتطاول أكثر يكرر هلوسته يصير كلامي مع أسياده.. آنذاك تعرف شغلها معه حتما.. تصوّب له أو لعلها تصوّب نحوه.. تضعه في مكانه أفضل مني.. أو ينالها من زعل متبادل المزيد. وإذا ليس له أسياد فمصيبته أوهى.. من بيت عنكبوت.
ومنذ سنوات تم تجميع مقالات نقدية في الشأن الثقافي، مما كتبته نخبة من المثقفين، في كتاب استبعدتُ منه مقالات ذلك الشخص لنخلص من ضجيجه من رغبته إظهار نفسه بطريقة فجة، وصل الكتاب الكترونيا إلى المركز الثقافي العراقي في ستوكهولم مؤخرا قصد نشره، اطلع الورائي أقصد ذلك “الروائي” على استبعاده منه ثارت حفيظته.. لا أدري تماما..
ها، زوجته الكريمة دعتني يوما لبيتها زرتها، عرفتني على شاعرة مطلقة، خابرني بعد ذلك زوج الشاعرة رجاني أن لا اتصل بمطلقته لأنه يريد إعادتها إليه، احترمت رغبته عاليا وعدته بالمطلوب نفّذت ذلك. بعدها عرفتني الزوجة الكريمة على فنانة سألتني عن أغنيتي المفضلة قلت “عد وآني أعد” دعتني هذه إلى أمسية افتتاح فضائية ما بعد حين فاجأتني بتقديم تلك الأغنية فيها ثم سألتني عن رأيي قلت: أداء ممتاز. ثم قامت الفنانة عرفتني على مثقفة اذربيجانية لم أشأ اللقاء معها لاحقا. وبعد أمسية أدبية أخرى دعتني تلك الزوجة الكريمة بحضور بعلها الكويتب وغيره إلى بيتها، ألحت عليّ لمرافقتهم إلى هناك لإكمال السهرة، لكني اعتذرت عن تلبية الدعوة. ذلك كل ما بيني وبين ذلك السيد، لا علاقة لي معه لو يكتب ولا صداقة. بعد تهجمه عليّ فكرت: لا تصنع المعروف في غير أهله.. حكمة صحيحة فعلا.
لا بأس، وذبابة تشوش على ملاكم ممكن هشها.. لا ترعوي.. نسأل محمد علي كلاي ما العمل معها.


أعلى