سميح القاسم - مصارع الرجال..

1- تهليلة لأجمل الجياد

أرهقنى الرقص .. وعرس الموت
يمتد أعواماً على أعوام ،
خوفى ، يمر الوقت
ولم أعانق سيدى الآتى من الاحلام
دمرتنى يا موت
جددتنى يا موت
أرهقتنى . أرهقتنى يا موت
فما الذى تأمرنى يا أجمل الجياد
وأجود الجياد
أنا الذى رددت دينك القديم كله رددت ،
أنا الذى مملكتى أغلقت الدموع
أبوابها .. وفتحت أبوابها الدموع ،
مملكتى استراح موسى فى حمى أسوارها
وزودت محمداً بالماء
وقاسمت رغيفها يسوع ،
فما الذى تأمرنى ، يا أجمل الجياد
يا موت ! يا ابن الشمس والاعياد ؟!

2- مصارع الرجال

وجهى إلى كل جهات الأرض
مجللاً بالنار
وجهى إلى الأعالى
وجهى إلى الأغوار
وفى جراحى تكبر الأزهار
وصية الميلاد ملء جبهتى
ملء فمى ورئتى
فالعفو ، إن سال دمى .. سال على الأوتار
أبكيك لكن واقفاً
وصامداً وزاحفاً
أبكى لعل نخلة البكاء !..
أبكى من المحيط للخليج
أبكيك ياجمال
أبكيك فى مصانع لم تفتتحها بعد
أبكيك فى معاهد لم تفتتحها بعد
وفى صحارى فرشت رمالها يداك
سنابلاً وورد
أبكيك فى الكلية الحربية
أبكيك فى القنال
أبكيك فى الثالث والعشرين من يوليو
وفى الأول من أيار والخامس من أيار
أبكيك فى كل التواريخ التى حزت شرايينى
وفى كل التواريخ التى تغمرنى
ضوءاً وموسيقى وجلنار
أبكيك فى المنازل الشعبية
فى السد فى الغيطان فى المدارس الريفية
فى العلماء السمر ، فى الطلاب ، فى العمال
فى الكتب ، فى الساحات ، فى الأطفال
أبكيك فى الغلال ، فى الحدائق
أبكيك فى الخنادق
أبكيك فى الفؤوس والمطارق
فى خوذة العامل والجندى ،
فى كوفية الفلاح والعقال
أبكيك فى قلانس الأحبار ، فى عمائم الأئمة
أبكيك فى الصليب فى الهلال
أبكيك يا جمال
فى دفتر النوتات ، فى العازف ، فى الناى وفى الموال
أبكيك فى مدرب القراءة
أبكيك فى معلم النضال
أبكيك يا جمال
فى لهجة العراق
فى لهجة السودان
أبكيك فى الأردن ، فى ليبيا ، وفى لبنان
أبكى مع الوحدة
أبكى بالانفصال
أبكيك فى كل لغات الارض
فى مؤتمرات السلم ، عملاقاً ،
وفى مكائد القتال !
أبكيك يا جمال
فى طفلة ناجية من مذبحة
دموعها تبلل الجريدة
وكفها ممدودة
لكفك النبية الملوِّحة
من صورة فى أحد المواقف المجيدة
أبكيك يا جمال
فى شهقة ابن التسع والسبعين
وهو يصيح من جحيم أمسه المفقود
ومن نعيم غده الموعود :
"يتمتنى يا ولدى"
"يتمتنى يا بوى"
أبكيك فى فظاظة الشرطى إذ يكتشف الهوية
فى السجن فى المنفى وفى الإقامة الجبرية
أبكيك إذ يغبننى فى منزلى الضيوف
ويخطفون من يدى صغيرتى
بقية الرغيف
ويشتمون والدى وأمتى .. والروس
وإذ يمزقون بالكلام والأظافر
ملامحى فى الصحف اليومية
وصورة المدعو عبد الناصر !
أبكيك يا جمال !
فيما تبقى من تراب وطنى
ومن دماء عزوتى
ومن بيوت بلدى
وهى تصيح من قرار جرحها وعارها :
"ولو ! لمن تتركنى يا سندى"
جمال يا جمال !
أبكيك .. لكن واقفاً
وصامداً .. وزاحفاً
أبكى من المحيط للخليج
أبكيك .. لكنى تعلمت .. إلى الأبناء والأحفاد
كيف يكون الصبر والجهاد
وكيف تحمى شرف الرجال
مصارع الرجال !

(الآداب، ديسمبر 1970)
أعلى