العربي مفضال - تكسير جدار الصمت.. “الكـابـورال” والجـنـرال - الحلقة الأخيرة

في ربيع 1998، التحقت بديوان عبد الله ساعف، الوزير المكلف بالتعليم الثانوي والتقني. ورغم أن المهمة المعلنة التي أنيطت بي هي مستشار الشؤون البرلمانية، فإني كنت أقوم بمهام أخرى من بينها إعداد تقرير يومي عن الصحافة الوطنية ينبه إلى بعض القضايا السياسية ذات الأهمية، ويرصد ما تناولته من قضايا تربوية وتعليمية موزعة بين الاحتجاجات والانتقادات والأخبار والآراء والدراسات.

ومن بين تلك المهام، كذلك، أشرفت على لجنة العمل الحكومي التي ضمت كفاءات من داخل الوزارة ومن الجامعة. وكانت هذه اللجنة تتدارس مشاريع القوانين والمراسيم والمعاهدات الدولية التي تطرح في أشغال المجلس الحكومي، وتضع بين يدي الوزير خلاصاتها قبل انطلاق أشغال المجلس المذكور.
وبالإضافة إلى ما سبق، كنت أعد معظم مشاريع المداخلات والكلمات التي كان الوزير يقدمها في مختلف المناسبات، ومن ضمنها الملتقيات التي كانت تجمعه بأطر الوزارة على الأصعدة الوطنية والجهوية والمحلية، والمنتديات التي كان يلتئم فيها شمل جمعيات آباء وأولياء التلاميذ.
واستمرت المهام نفسها بعد أن تقلد ساعف مسؤولية وزارة التربية الوطنية في نهاية 1999.
لم تكن المهمة البرلمانية تقتصر على إعداد الأجوبة عن الأسئلة الكتابية والشفهية، بل كانت تشمل كذلك تقديم الميزانية السنوية العامة أمام اللجنتين المختصتين في مجلسي النواب والمستشارين، وكان هذا التقديم مناسبة لمناقشات برلمانية واسعة للوضعية التعليمية، تتطلب تحضيرا واسعا كانت تشارك فيه كفاءات تربوية وتدبيرية، إلى جانب الكفاءات الاقتصادية والقانونية.
وتنامى النشاط البرلماني للوزارة بعد إقرار “الميثاق الوطني للتعليم” وإعداد مشاريع القوانين التي سعت إلى ترجمته فعليا، ومن بينها المشاريع المتعلقة بالأكاديميات، والتعليم الخصوصي، والتعليم الأولي.
وكانت أجوبة وزارة التعليم الثانوي والتقني، ثم وزارة التربية الوطنية، تساهم في إعداد عناصرها بمختلف المديريات والمصالح المعنية. وكان المكتوب منها يصل إلى النواب والمستشارين في وقته القانوني، وكان الشفهي يجهز قبلا ويقدم عندما تتم برمجته في هذه الغرفة أو تلك من غرفتي البرلمان.
وحرصا من الوزارة على توثيق هذه الأجوبة، وجعلها رهن إشارة المعنيين للاطلاع والتقويم والمحاسبة، أصدرت تلك الأجوبة في كتابين جامعين.
لقد كانت تجربتي في ديواني الوزارتين سالفتي الذكر غنية من نواح عديدة، تعلمت أشياء كثيرة، وطفت المغرب من أقصاه إلى أقصاه، واختبرت مجددا نهجي الخاص الذي ينطلق من احترام الآخرين قبل السعي إلى نيل احترامهم، وتعرفت على كفاءات معتبرة كان يحتضنها قطاع التعليم، وكسبت صداقات رائعة.
ولكن بعض الذين كانوا يعتقدون أن استفادتي المادية كانت مهمة ويفسرون بها دفاعي عن الحصيلة العامة الإيجابية للوزارة، يجهلون أولا أن المرتب الذي كنت أتقاضاه عن مهمتي في الديوان كان يقل، بنسبة هامة، عن مرتبي أستاذا للتعليم الثانوي مرتبا في درجة متقدمة خارج السلم. ولقد طالبت، في ما بعد، باسترداد الفرق بين المرتبين من وزارة المالية واستجابت هذه الأخيرة لطلبي.
وكان هؤلاء يجهلون أيضا أننا طفنا المغرب مرتين ويزيد، من طنجة إلى الداخلة ومن وجدة إلى زاكورة… ولم نتقاض أي سنتيم تعويضا عن التنقل. وعندما توحدت الوزارة كنت أعاين، ومعي رئيس وأعضاء الديوان الذين كانوا محسوبين على التعليم الثانوي والتقني، أن زملاءنا المحسوبين على التربية الوطنية كانت تصلهم تعويضات التنقل إلى المناطق التي كنا نزورها معا.
والمثير في هذه التجربة أنها أعادتني إلى الأجواء العسكرية من الباب الواسع. ويعود الفضل في ذلك إلى الأستاذ إدريس فريج الذي كان يقدم دروسا في الاقتصاد للتلاميذ الضباط في الأكاديمية الملكية العسكرية، ويعود الفضل في ذلك أيضا إلى الثانوية العسكرية التي كانت تضمها تلك الأكاديمية، وهي ثانوية كانت الوزارة بمصالحها المختصة تشرف على الجانب التربوي من أنشطتها.
وفي هذا الإطار، تعرفنا على مدير الأكاديمية السابق الجنرال محمد بلحاج وعلى عدد من مساعديه. ومنذ ذلك التعارف الذي حصل في أواسط 1998، ظل الجنرال الراحل يحرص على دعوتنا إلى مختلف المناسبات التي كانت تحييها تلك الأكاديمية أنا والأستاذ فريج والراحل الأستاذ جمال خلاف والأستاذان محمد خرباش وعبد الفاضل الغوالي.
وعندما كان الأستاذ فريج يمازحني بمناداتي برتبتي العسكرية “الكابورال العربي”، وكان الجنرال ومساعدوه يخفضون رؤوسهم محرجين، لم أكن، على العكس منهم، أشعر بأي حرج، لأنني كنت معتزا بأدائي لواجبي الوطني.


أعلى