محمد فتحي المقداد - الثنائيات الضديّة في النصّ القصصيّ (مُتردَّم) بقلم الروائي - محمد فتحي المقداد

فكرة النصّ التقاطة ذكيّة من القاصّ، ومعالجتها كلاسيكيًّا سلِسًا بانتقالات هادئة مُتوقّعة للقارئ.
واللّافت للنظر التقابلات الثنائيّة المُتضادة في النص؛ لتسلّط الضوء على صراعات اجتماعيّة مُتباينة الخطوط والمنابت والمآلات.
ثيمة الصّراع ما بين الأجيال باختلاف مفاهيمها للحياة واختلاف الزمان. تحدّيات تبسط إحداثيّاتها على طاولة النص، للبحث في علائق الأشياء والخيوط النّاسجة للتعالقات المتشابكة بتعقيداتها، ومحاولة تفكيكها وتبسيط فهمهما.
عنترة الفارس القادم من زمن غابر يظهر في مدينة. هنا تتنازع الحرية والتقييد. الصحراء حرية مطلقة في حركة الحياة، قانونها الفروسيّة والسّيف وانتزاع الحياة بالقوّة والتحدّي والمُغالبة بطموحات بلا حدود، وبين فكرة الدولة الحديثة بحدودها، ومدينتها وقوانينها التي هي عبارة عن قيود موضوعة في سبيل السيطرة والإخضاع، لضمان استمرار حياة هذه القوانين وسيادة صاحبها.
***
فالفارس المُلثّم القادم من الصحراء. ولزوم العبوس لوجهه، راكبٌ على حصانه في مدينة مُجبَر في السير على شوارع إسفلتيّة ذات أطاريف ملونة.
تعبه من مشاق السفر يستلزم الرّاحة في نُزُل مخصّص للاستحمام، وخواء بطنه بحاجة للأكل من خلال مطاعم حديثة وافدة على مجمتعاتنا اقتحمت خصوصيّاتنا العربيّة والإسلاميّة، تصاحبت مع انتشار وسائل التواصل الحديثة السريعة؛ لتسلخنا عن عاداتنا وتقاليدنا بفجاجة فاضحة.
هذا الصراع الثقافيّ هو صراع العولمة الذي تتغطى تحته (كارتلات) الشركات العابرة للقارات ومصالحها التجاريّة ومن ورائها تقف دُوَلًا استعماريّة عظمى؛ لنهب خيرات الشعوب، وإفقارها ببشاعة مطلقة وبلا رحمة بعيدًا عن منابع الإنسانية الرّحيمة.
وهذا ما عبّر عنه عالم الاجتماع ابن خلدون في مقدّمته الشّهيرة: "بأن الأمم المغلوبة والضعيفة تُقلّد الأمم الغالبة في كل شيء". وهو مصداق الحديث النبويّ الشّريف: "لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتموه".
فالصحراء والحضر (المدينة) تباين واضح في القِيَم المعياريّة. طلب الحاجات الأساسية في المدينة تتوفّر في الأسواق والمطاعم والفنادق ومختلف نشاطات المدينة.
اختلاف القيم باختلاف الزمان، الحصان مقايل السيّارة، والمراعي المُباحة في الصحراء هنا حدائق ولا يوجد بها زرائب وحظائر للحيوانات. الفارس عنترة لم يكن في نظر الطفل إلا رجلًا مُتخلّفا بمظهره الغريب، فالتقط له صورة وعمل بثًّا مباشرًا للعالم وهو سبق قام به.
والسيف عبارة عن تحفة فقط و لايعني شيئًا مقابل المُسدّس. والوجبات السريعة، ورتم الحياة السريع الذي لا يتوقّف عند شخص أو مجموعة، وإن قصدت عزل نفسها عن محيطها.
النص أجاد في تصوير حالة الصراع من خلال السرد المباشر، وأعتقد أن خاتمته كانت خافتة فلم تكن على مستوى فكرة النصّ المُتوهّجة. خالية من المفارقة المدهشة. كما أن العنوان لم يفتح عتبتة النص فكان مُتراجعًا بدلالته غير موفّقة. السّرد القصصي كان متسلسلًا مُتماسكًا بمنطقيّة معقولة تُحسب لمهارة القاصّ.
تحياتي.

عمّان - الأردن
12 / 9 /2019‪

____________

مُتَرَدَّمِ
( القاص: جمعان الكرت/ السعودية)

أثناء سيري في شارع التحلية التقيت بفارس ملثم يمتطي صهوة حصان أشهب , وحين اقتربت منه عرفت أنه عنترة بن شداد العبسي ! قلت: أما تزيح اللثام يا عنترة ؟ ظهر وجهه عابساًَ مكفهراً , أصبت بالرعب خشية أن تمتد يده إلى سيفه الصقيل , إذ قال صديقه : إذا شاهدت الشرر تقدح من عيني عنترة , فابتعد .
إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث, الحصان يسير بتراخ شديد , يبدو أنه أنهك حين قطع الصحاري الواسعة , كما أن عنترة نفسه أصيب بالتعب الشديد والجوع الذي يجعله فقط يفكر في ملء بطنه , أزاح عنترة جسده الضخم من على صهوة حصانه الذي انقاد معه ليربط خطامه في عمود إشارة المرور , لم يبال بصفير إطارات السيارات التي مرت بجواره .. جال ببصره وشاهد مطعماً في الجانب الأيمن من الشارع , ومضت قدماه نحوه , قعد على منضدة زرقاء اللون منتظراً وجبة الغداء , التفت الجالسون عند سماع نحنحة عنترة , مر بجواره الجرسون الأسيوي, ولم يأبه بعنترة ! وبعد فترة انتظار جاء الطلب : (ساندويتش بالربيان مجلل بالمايونيز والكاتشب ), رمى به بعد أن تذوقه , زاد عبوسه وغضبه , وقبض على سيفه , وهزه عدة هزات مسبباً صلصلة , ضحك الجالسون ! أحدهم كان أمامه صينية بيضاء مليئة بحبات الزيتون الأسود , أخذ واحدة , ورشق بها عنترة , ارتفعت جلبة الضحك خرج عنترة من باب المطعم وكان لسانه يرشق بعبارات الشتم لصاحب المطعم , إذ لايوجد لديه أكل يناسبه , وبعد أن شاهد العديد من لوحات النيون سرّه صورة ملونة لصحن كبير مليء بالأرز واللحم, دلف إلى المكان بخطا سريعة , وبدأ يلتهم الطعام بنهم حتى امتلأ بطنه .خرج مسروراً أثناء سيره شاهد محلاًّ تجارياًّ في الجانب المقابل ومد قدميه على صفحة الإسفلت .. وحين قطع الشارع أصيب برغبة عارمة للون الدم هز سيفه ,التمع مع شعاع الشمس , مر بجواره طفل يرغب تصوير حركة عنترة بكاميرا الجوال , التقط الصورة بكاملها , وانصرف الطفل مسروراً .
اندهش عنترة حين لمح صورة تملأ مساحة شاشة كبيرة ملونة وراق له أن يعيد تلك الحركة انعطف إلى المحل التجاري المتخصص في بيع الأسلحة , امتدت يد عنترة إلى مسدس صغير وتلمسه بأصابعه وضغط على زناده , أحدث صوتاً رناناً وبدون مجادلة في الشراء , دس سيفه الصقيل في غمده , وأخذ المسدس , وخرج بنشوة , وعند اقترابه من عمود إشارة المرور وجد حبلا مهملاً فقط , واستمر يتمتم أثناء سيره , وتوقف حين لمح حصانه داخل حديقة صغيرة وقد امتد فمه ليلتهم أكمام ورود وأزهار ملونة نضرة . وبعد أن تفقد حصانه وجد إن حذوة معدنية مثبتة في قدمه اليمنى فقدت , وبينما كان يفكر في كيفية العثور عليها , داهمته سيارة تحمل علامة زرقاء في بابيها الجانبين , وترجل منها رجلان أحدهما يحمل في يده بوكاً , وبسرعة خاطفة انتزع غطاء قلمه وسجل بحروف مقرءوة مخالفة مقدارها 500 ريال يدفعها عنترة لقاء تحطيم أغصان وأزهار الحديقة , أخذ عنترة الورقة ببرود ووضعها في جيبه ولم تمتد أصابعه إلى زناد المسدس , فقط قفز على ظهر حصانه ليواصل سيره , وأثناء ذلك سمع اختلالا في الأصوات الصادرة عن حوافر الحصان باحتكاكها على الرصيف , وفوجئ عنترة بعدة كاميرات لقنوات فضائية إلا أنه لم يلق لها بالاً .. واستمر حصانه يسير وأسنان بيضاء تلمع مع إشعاع الشمس , هي أسنان عنترة , دخل في سرداب ضيق , بقي شيء واحد صدى لصوت جهوري ,يردد :هل غادر الشعراء من متردم ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى