دراسات في التراث جعفر الديري - سعيد الصويان: ما أورده ابن خلدون من شعر الجزيرة العربية البدوي ليس مقدمات للشعر النبطي .. تراث

كتب - جعفر الديري

نفى أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود الباحث د.سعيد عبدالله الصويان أن تكون الأشعار "البدوية والحورانية والقيسية"، التي أوردها ابن خلدون في مقدمته، بمثابة مقدمات للشعر النبطي في شرق الجزيرة العربية، وذلك في قول ابن خلدون "وأهل المشرق من العرب يسمون هذا النوع من الشعر بالبدوي والحوراني والقيسي"، موضحا أن ابن خلدون لم ينسبه هذا النوع إلى معاصريه من العقيليين بل نسبه الى القيسيين الذين جاءوا قبلهم أي إلى العيونيين.
واستثنى الصويان المقطوعة الأخيرة التي تقع في ستة أبيات والتي قد تكون أقرب المقطوعات إلى ما يسمى بالشعر النبطي، بحكم أنها جاءت من بادية حوران شمال الجزيرة العربية.
وأوضح الصويان خلال محاضرته (الشعر الشعبي) مساء الثلثاء 21 يونيو حزيران 2005 في مركز الفنون بالعاصمة المنامة، ضمن فعاليات الأيام الثقافية السعودية في البحرين، أن ابن خلدون الذي عاصر إمارات العقيليين التي قامت في شرق الجزيرة بعد زوال الدولة العيونية، أورد في مقدّمته عدة أسماء على ما نسميه نحن الآن بالشعر النبطي وذلك في قوله "وأهل المشرق من العرب يسمون هذا النوع من الشعر بالبدوي والحوراني والقيسي" فهو لم ينسبه الى معاصريه من العقيليين بل نسبه الى القيسيين الذين جاءوا قبلهم أي إلى العيونيين. ومعلوم أن مؤسس الدولة العيونية عبدالله العيوني ينتسب الى مدينة العيون بالاحساء وينتمي الى عبدالقيس الربيعية. وفي غياب النماذج الشعرية فإن هذه النسبة التي أوردها ابن خلدون ربما تكون دليلا على وجود الشعر النبطي في زمن العيونيين.

فجوة واسعة

واستدرك الصويان: لكننا لا نجد في المصادر ما نسدّ به الفجوة الواسعة بين آخر ما وصلنا من نماذج لأشعار البادية الفصيحة وأول ما وصلنا من نماذج الشعر النبطي إلا ما ذكره ابن خلدون في مقدّمته بصورة مقتضبة وعاجلة. فأورد عينة من القصائد التي نال منها التحريف والتصحيح بحيث لم يعد من السهل قراءتها وإقامة وزنها وفهمها والتحقق من لغتها ولغة التلفظ بها لدرجة أن الكثير من المحققين لمقدمة ابن خلدون يقفزون فوق هذه الأشعار لعدم تمكنهم من التعامل معها. والذي دفع علماءنا وكتابنا الى التحمس لهذا الرأي هو ما ذكره ابن خلدون في مقدمته عن الشعر البدوي بوجه عام والشبه الواضح بين النماذج التي أوردها منسوبة لبني هلال وبين الشعر النبطي القديم.

بني هلال

ومتابعا حديث ابن خلدون عن بني هلال، قال المحاضر: في مقدمة الجزء السادس من تاريخه يذكر ابن خلدون تفاصيل كثيرة عن بني هلال فيورد لهم مزيدا من الأشعار مما يؤكد أن حديثه في مقدمته عن شعر البدو في عصره جاء بناء على معايشته لبقايا بادية بني هلال في بلاد المغرب، وليس عن معايشته لبدو الجزيرة العربية بالذات والتي من المرجح أن معرفته بهم آنذاك لم تكن مباشرة. ومعلوم أن بني هلال وبني سليم بدأوا هجرتهم من جزيرة العرب على شكل موجات بشرية منذ نهاية القرن الرابع الهجري وكانت لغتهم فصيحة آنذاك وشعرهم فصيح وبعد مرورهم على العراق والشام واستقرارهم بعض الوقت في مصر، اجتازوا الطريق إلى المغرب في أواسط المئة الخامسة.

ظلال من الشك

وأضاف الصويان: أي أن ابن خلدون جاء ليكتب عن بني هلال وسليم بعد حوالي مئة عام من تركهم لجزيرة العرب وثلاثمئة عام منذ استقرارهم في المغرب. وفي استخدامه لعبارة "ومن قولهم على لسان" في تقديمه إلى القصائد المنسوبة الى شخصيات هلالية قديمة تنصّل من نسبة هذه القصائد وإيحاء بأن قائليها من المتأخرين منهم. فهي ليست قصائد "سلام" و "ذياب" الهلاليين الذين هاجروا من الجزيرة العربية أنفسهم. وإنما من المتأخرين الذين نحلوا هذه القصائد ونسبوها لهم. أي أن هذه القصائد المنحولة تلك التي تحققت نسبتها كلّها جاءت في وقت مـتأخر ربما تجاوز مئتي عام من قدوم بني هلال الى المغرب بعد أن اختلفت لهجة الهلاليين في شمال افريقيا عن لهجة أسلافهم في جزيرة العرب بعد أن قطعوا صلاتهم بغرب الجزيرة وليس هناك ما يشير ولو من بعيد الى أن عرب الجزيرة على علم بالمقطوعات الشعرية الهلالية الواردة في المقدمة وكل ذلك يرمي بظلال من الشك حول اعتبار هذه المقطوعات النواة الأولى للشعر النبطي، على خلاف ما يقول الشيخ ابن خميس وأبو عبدالرحمن ابن عقيل وبعض المؤرخين للشعر النبطي.

علي بن المقرب العيوني

وأكد المحاضر: لم تصلنا أية نماذج شعرية من زمن الدولة العيونية سواء بالفصحى أو العامية عدا ما قاله شعراء متعلمون أمثال علي بن المقرب العيوني. وهو شاعر فصيح لكن فصاحته ليست فصاحة فطرة وانما هي فصاحة رجل العالم المتبحر في اللغة العربية وعلومها. يقول الباحث علي الخضيري عن ثقافة علي بن المقر ب العيوني: "وهو متبحر أيضا في اللغة العربية متمكن من أسرارها ودقائقها كما يبدو ذلك من الاطلاع على أي قصيدة، ولعله قد درس النحو والصرف دراسة مفصلة". كما أنه لا يصلنا أي موروث نبطي من الدولة العيونية لذا يصعب علينا البت بصورة جازمة ان كانت الفصاحة مستمرة بين البدو في ذلك العهد. لكن الأقوى أن العامية كانت قد تفشت بين البدو آنذاك، وصار شعراءهم ينظمون بها. هذا ما توحي به محاولة الخضيري في رد فصاحة شعر ابن المقرب الى كونه متعلما تعليما عاليا مكنه من إجادة الفصحى.

صحيفة الوسط البحرينية
العدد 1023 - الجمعة 24 يونيو 2005م الموافق 17 جمادى الأولى 1426هـ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى