عادل الأسطة - الوقوف على أطلال.. شعر المقاومة

السبت 15/3/2014 ألقيت، لأول مرة، في جامعة القدس (أبو ديس) محاضرة عن شعر المقاومة.
أذكر أنني في نهاية 90 ق20 شاركت في مؤتمر عقدته الجامعة، بالتعاون مع اتحاد الكتاب، عن الرواية الفلسطينية، وقد قدمت فيه ورقة عن تطور السرد في الرواية الفلسطينية، وقد عقد المؤتمر في كلية هند الحسيني. يومها دخلنا القدس خلسة، لا للحصول على مائتي دولار مكافأة للورقة، وإنما لأنني أرغب في زيارة القدس، ولو تسللاً.
ورحم الله الكاتب عزت الغزاوي، فقد كان نشيطاً وفاعلاً في الحركة الثقافية.
كنت دعيت لإلقاء ورقة عن شعر المقاومة، ذلك أن جامعة القدس عقدت النية على استضافة السيد عبد العزيز البابطين، صاحب مؤسسة البابطين للشعر، والاحتفال به، ولقد لبيتُ الدعوة، علماً بأن المحتفى به لم يحضر، وألقيت محاضرة عن أدب المقاومة، وتحديداً عن شعر المقاومة، فهل بقي هناك أدب مقاومة وشعر مقاومة؟ هل وقفت، إذن، على أطلال شعر المقاومة ونثرها؟
كان غسان كنفاني التفت إلى الشعر العربي في فلسطين المحتلة، وأصدر كتابين فيه هما "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة" و"الأدب الفلسطيني المقاوم بين 1948 و1968" وتوقف أمام أبعاد هذا الشعر: البعد الاجتماعي، والبعد الوطني والبعد القومي والبعد الإنساني.
كتب الشعراء عن الأرض والصمود والمجازر التي تعرض لها الفلسطينيون في دير ياسين وكفر قاسم، وكتبوا عن هزيمة حزيران أيضاً. وتوقفوا أمام التخلف الاجتماعي والعادات والتقاليد البائسة، وتغنوا بالثورات العربية في مصر والعراق والجزائر واليمن، ونشدوا نشيداً أمميا لانتصارات الكونغو والفيتكونغ وكوبا، وكانوا يصدرون في هذا كله عن فكر ماركسي حملوه وانطلقوا يكتبون من رؤاه، وآمنوا بأهمية الكلمة ودور الشاعر في التغيير، ولذا خاطبوا الجماهير وكتبوا لها أشعاراً تفهمها وتتغنى بها. "سجل أنا عربي/ علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي وأقاوم/ نحن يا أخت لا نكتب أشعاراً ولكنا نقاوم/ أناديكم، أشدّ على أياديكم/ أنا ما هنت في وطني/ هنا باقون... إلخ... إلخ".
وفي الوقت الذي رأى فيه غسان في هذا الشعر شعر مقاومة، اختلف معه غالي شكري في كتابه "أدب المقاومة"، ورأى فيه شعر احتجاج، ذلك أنه شعر يدعو إلى الحوار ويجنح إلى أوضاع الشعب الفلسطيني، دون أن يدعو إلى حمل السلاح، ولم ير شكري في الشعراء الفلسطينيين شعراء مقاومة، إلاّ من دعا منهم إلى حمل السلاح، وهذا ما بدا في أشعار معين بسيسو. والطريف أن شكري رأى في فدوى طوقان شاعرة مقاومة، لا لأنها دعت إلى حمل السلاح، فهي حتى العام 1967 لم تكتب سوى بضع قصائد وطنية لا تدعو فيها أصلاً إلى حمل السلاح، وإنما لأن أبعاد شعر المقاومة، كما يرى شكري، ثلاثة: البعد الاجتماعي والبعد القومي والبعد الإنساني، وهي ركزت على البعد الاجتماعي وتمردت على الواقع في قصائدها المبكرة.
أدونيس، علي أحمد سعيد، سيقف في كتابه "زمن الشعر" أمام ظاهرة شعر المقاومة، وسيدلي بدلوه فيه. سيكتب أدونيس "إنني لست واثقاً من أن في الأرض المحتلة شعر مقاومة" ـ أي شعراً ثورياً. (ص103) وشعر المقاومة، أو ما اصطلح عليه على أنه شعر مقاومة هو، في نظر أدونيس، "شعر محافظ منطقي ومباشر، مشبع بروح المبالغة، يحاول أن يصنع الثورة بوسائل غير ثورية، ينطق بالقيم التقليدية التي تتبناها القوى المحافظة".
هل مقطع محمود درويش التالي هو ما جعله يذهب ذلك المذهب؟" أحد الشعراء يقول: لو سرّت أشعاري خلاّني/ وأغاظت أعدائي،/ فأنا شاعر/ وأنا سأقول".
ويرى أدونيس أن شعراء الأرض المحتلة يستلهمون أحياناً أحداثاً ماضية ذات بعد وإطار دينيين، وأحياناً يستلهمون الأنبياء أنفسهم، وأحياناً يعكسون فكرة الثأر، والثورة لا تقوم بإحياء الماضي أو استدعائه" (ص180).
هل بعض قصائد محمود درويش في "عاشق من فلسطين"، وبعض قصائد سميح القاسم في "دخان البراكين"، وقصيدة فدوى طوقان التي استدعت فيها هند بنت عتبة، هي ما دفع أدونيس ليقول ما قال؟
يختلف حسين مروة في كتابه "دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي" عن شكري وأدونيس، ويرى في شعر الأرض المحتلة شعر مقاومة، و"ميزة أدب المقاومة تكمن في علاقته بالجماهير، وفي صدق تجربته حيث الممارسة الفعلية للمقاومة، وفي النظرية العلمية للثورة وامتلاك الشعراء للنظرية".
وأعتقد أنه ما من شاعر فلسطيني امتلك النظرية ونظر لفن الشعر، في شعره وفي المقابلات التي أنجزت معه، مثل محمود درويش، ما دفعني ذات يوم لأن أكتب دراسة عنوانها: "الشاعر، من خلال شعره، منظراً للشعر"، وقد نشرتها في مجلة "الأسوار" في عكا.
في كتابي "أدب المقاومة.. من تفاؤل البدايات إلى خيبة النهايات" (1998) الذي كنت نشرته على حلقات في جريدتي "الأيام" و"البلاد"، تحت عنوان "أدب السلم.. أدب الخيبة" (1997) توقفت أمام شعراء عديدين، وأمام روائيين عديدين، لألاحظ ما كانوا عليه قبل أوسلو، وما غدوا عليه في أثناء أوسلو: محمود درويش، وأميل حبيبي وسحر خليفة وأحمد دحبور وسميح القاسم ومريد البرغوثي وعلي الخليلي و.. و.. و..
كان سميح القاسم، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أعلن أنه سيتوقف عن كتابة الشعر، وأظن أنه كتب هذا في مجلة الناقد التي كانت تصدر في لندن عن دار رياض الريس.
لماذا؟ لأن المشاريع الثلاثة التي كرس الشاعر لها شعره انهارت، المشروع القومي والمشروع الاشتراكي والمشروع الوطني.
وسيختلف سميح وستختلف كتابته، وسيكتب قصائد مديح في هذا الزعيم العربي وفي ذاك النظام العربي، بعد أن كان هجاها ـ أي الأنظمة. هل ظل سميح شاعر مقاومة؟
محمود درويش سيكتب بعد أوسلو ثلاث مجموعات شعرية "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" (1995) و"سرير الغريبة" (1999) و"جدارية" (2000). أين قصائد هذه المجموعات من قصيدة "سجل أنا عربي" أو قصيدة "أحمد الزعتر" أو قصيدة "عابرون في كلام عابر"؟ هل هذه المجموعات الثلاث أدب مقاومة؟ وسيعود محمود درويش في 2002 ليكتب "حالة حصار"، ولقد فرض الواقع نفسه عليه. سيعود ليكتب شعر مقاومة، ولكن "حالة حصار" سيكون استثناء، إذ بعده أصدر الشاعر مجموعات مختلفة، فقد عاد ليجرب وليكتب قصائد مختلفة. هل ما كتبه درويش بعد "حالة حصار" يعد شعر مقاومة؟
في العام 2005 وقع الشاعر ديوانه "كزهر اللوز أبو أبعد" (2005) وقد كتب كلمة ألقاها، ثم نشرها في مجلته "الكرمل"، يقف فيها أمام مصطلح أدب المقاومة، ويعرّض بالنقاد الذين أخذوا يعرّضون به ذاهبين إلى أنه لم يعد شاعر مقاومة.
أشار درويش إلى أنه لم يتخلّ عن شعر المقاومة، إنما تخلى "عن كتابة الشعر السياسي المباشر محدود الدلالات، دون أن يتخلى عن مفهوم المقاومة الجمالية"، ولقد تساءل: "أما من دليل آخر على المقاومة سوى القول مثلاً: سجل أنا عربي، أو تكرار شعار: سأقاوم، سأقاوم"؟، وذهب إلى أنه يوم كتب الشعر في فلسطين كان يكتب حياته، ولم يكن يعرف أنه شاعر مقاومة إلاّ حين كتب غسان كنفاني كتابيه ودرسه على أنه شاعر مقاومة".
إن استيعاب الشعر لقوة الحياة البديهية فنياً هو فعل مقاومة، فلماذا نتهم الشعر بالردة إذا تطلع إلى ما فينا من جماليات حسية وحرية خيال وقاوم البشاعة بالجمال؟".
ولم يكن هذا الفهم الجديد لشعر المقاومة مقتصراً على محمود درويش، فقد قرأنا رأياً مشابهاً لمحمود شقير القاص، وآخر للشاعر مريد البرغوثي. شقير قال إن قصة فيركور "صمت البحر" هي أدب مقاوم، مع أنها لا تحفل بأية مفردة ترتبط بالسلاح، ومريد البرغوثي قال: ديوان الشعر ليس عيادة نفسية ولا خندقاً ولا دبابة، وله رأي طريف نشره في مقابلة معه في "الدستور" الأردنية (30/9/2005) ولعلها توضح أنه لا يختلف في فهمه الجديد لقصيدة المقاومة عن محمود درويش، و.. و.. و... .

الأيام
2014-03-23




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى