أمل الكردفاني - الدكان - قصة خفيفة

"العرين" وجهه كالربيع الطلق يختال ضاحكا ؛ فرح مغتبط ، وينتظر وصول الباص إلى حيث عمه بسوق ليبيا.. فهنا سيبدأ رحلته العملية ليتعلم البيع والشراء في دكان عمه "القيلي عبد الرحمن" الذي استقبله بترحاب ثم قاده إلى داخل الدكان الكبير والمحشود بأصناف السلع المتنوعة. ثم قاده إلى المخزن وشرح له كيفية استقبال وفحص وعد البضائع المستوردة وتدوينها في الكشوفات وختم الايصالات وترتيبها بحسب التاريخ ثم تدوينها في سجل كبير. والعرين لا زال طازج الدماغ ؛ فهو لم يعمل من قبل ولم يكمل دراسته التي أصابته بالسأم ، لذلك امتلك قدرة تعلم العمل بسرعة. حفظ أنواع السلع ، وأسعارها التي يجب أن يبدأ بها ثم يخفضها إلى مستوى يظل فيه الربح وفيرا عند المفاصلة مع الزبون. وتعلم الكيل والميزان وكل شيء. ثم قال له عمه:
- الآن يا العرين وقبل كل شيء عليك أن تؤدي صلاة الاستخارة.
ثم شرح له معنى وكيفية هذه الصلاة والتي يكون القصد منها معرفة إن كان إقدامه على هذا العمل فيه خير أم شر . وقال عمه بأنه بعد نهاية الصلاة سيشعر قلب العرين إما بالراحة فيشرع في العمل وإما بالانقباض فيتركه. ففعل العرين وشعر قلبه بالراحة فكان مسرورا وابتسامته واسعة. بعدها طلب منه عمه أداء صلاة الاستفتاح ؛ وهي صلاة اجترحها من بنات أفكاره ويقصد منها مباركة بداية عمله في الدكان. فصلى العرين وابتهج بعدها. حينها أجلسه عمه على دكة البيع وقال له: هل تسمع يا ود أخوي.. هذا المشغل الصوتي به دروس دينية من شيخ وقور جدا وعالم من علماء الدين استمع له واجعل لسانك رطبا بذكر الله..ولا تنس أبدا صلواتك الخمسة...فهي التي تمنح رزقك ورزقي البركة.. داوم عليها ولو رأيت عشرينا زبونا فلا تبع لهم شيئا حتى تقضي صلاتك إن الصلاة كانت هلى المؤمنين كتابا موقوتا...
فرح العرين بتدين عمه الذي أضاف له نصائح من ضمنها ألا يقترب من الزين البائع الشاب في محل التجاني الملاصق لدكانه ، فهو شاب عربيد يشرب الخمر ويزني وربما يلاط به وسمعته سيئة وقال: (يا بني..لا يملك الإنسان منا في هذه الحياة سوى السمعة الحسنة.. فلتظل طاهرا من النجاسة يغدق الله عليك من رحمته وبركاته رزقا وفيرا)..وعلى الفور كره العرين ذلك الشاب المدعو الزين فهز رأسه ووجه مقتضب بعد أن أخذته النشوة من حكمة عمه. ثم قال عمه أخيرا: والزواج يا بني ضروري لإكمال نصف الدين وبعد أن تقضي عاما أو عامين فسأزوجك إن استمعت لنصحي واتبعت طهارة الأخلاق واليد.
فتهلل وجه العرين مبتهجا ، وتذكر ابنة عمه متأكدا من أن عمه يقصدها هي وهي لنعمة وفتح كبير.
وهكذا اشتغل العرين بجد وعمه يأتيه كل نهاية أسبوع فيستلم الحسابات والأرباح ويغدقه بالنصائح والمواعظ ويسأله عما استفاده من سماع خطب الشيخ العلامة. وقد آتت تلك المواعظ والخطب أكلها فصار العرين متبعا للمنهج القويم صواما قواما يمتلئ قلبه بالإيمان. أما عمه فقد استراح من مشقة العمل وتعب المجادلة مع الزبائن وتفرغ لمتعه الشخصية حيث يقضي جل أيامه في كنجة معتوقة الحسناء يتعاقران الخمر ويتسافدان ثم يدخنان الحشيش وهو يقول لها بشك:
- أعرف يا معتوقة أنك تسرقين أرباحي من هذه الكرخانة والماخور كوني أمينة واتقي الله فأنا شريكك...
فتضحك معتوقة والصبايا اللائي يعملن معها...ويضحك هو معها ...ثم تدور في رأسه لعبة ذكية لاستدراج ابن كبير التجار لتزويجه بابنته...ويهمس: سأنجح يا معتوقة ..سأنجح...وسأناسب هذا الجلابي ذو الكرش الكبير لا محالة...

..(تمت)...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى