ابراهيم كولان - الانتقام

كان لداروين في طفولته صديقة حميمة, لكن لسوء حظه وحظ البشرية انفصلا عن بعضيهما, لسبب بسيط هو أنه في أحد الأيام, حين عيرها بشعرها المجعد, عيرته بقدميه الهزيلتين ويديه الطويلتين0 فأصبح كلما يتذكر هذه الحادثة تنتابه حالة من الألم واليأس, ويعتصر لها قلبه, خصوصا حين انتقلت هذه الصفة على لسان أقرانه.. فاخذ الجميع يعيرونه بها, لكنه حين كان يسير يوما ما في طريق خارج المدينه داهمته المفاجأة, وهو ينظر إلى يديه الطويلتين, فرأى أصابعه قد طالت بسرعة رهيبة, ونما شعر كثيف حول قدميه, وأمتد له ذيل قصير في الخلف. نظر وراءه لئلا يكون قد شاهده احدهم00 وبسرعة بالغه وبكتمان شديد, شد رحاله إلى شواطيء أميركا بعيدا عن أعين ألمشتفين ونظرات المتطفلين.. وبعزم لا يلين قضى بقية حياته مستخدما كل خبرته وجهده لينتقم من الجميع, وليثبت بما لا يقبل الجدل بان طول الأطراف وكثافة الشعر لا يقللان من قيمة الإنسان, بل العك☳ هي تعبيرا عن الأصالة في حمل خصائص الأجداد الأولين …


مذكرات دجاجة




هل تكفي كلمة كره لوصف رجل بليد وزوجة عجفاء, يثرثران ويتخاصمان بتفاهة حياتهما, اليوم سقيت الدجاجات ماء, اليوم وضعت لهم فتات الخبز, أمس رميت لهم حفنة من كسرات الشعير, تصوروا, تكرموا لنا ببضع حبات من الدخن أو العدس العفن!. ناكري الجميل!... هي خربة تفوح منها رائحة الروث الكريهة, مقيدين إلا بعض فسحة في الباحة الخارجية....
في بعض الأحيان يشذ تفكيري بدروب شتى, متى نستمر في معاناتنا, ترى ذنب من في كل الذي يجري؟! الطرد والضرب ونتف الريش والجوع والعطش وفي بعض الأحيان الذبح والقتل... هل القوة هي الفصل في كل امر, ام هو قانون الحياة؟ ايتها الطيور اللاطائرة تلوذين بالكسل والبلادة والاعتماد على الغير, عجبا لهذه الطيور! لقد الفت البؤس والذل والعبودية التي هي فيها ولم تعد تعي ابعد من ما بين قدميها.....
كل هذا لا يهم لكن ما يهمني هذه الكلمة المقيتة, التدجين! في البداية لا يبرره احد, لكن في نهاية ☧لأمر يألفه ويصبح حقيقة أبدية... مرض يأتي هادئا لينا لعينا كسرطان لا يشعر به المريض في بادئ الأمر إلى أن يرميه جثة متفسخة... تشعر بالتقزز من كل خطوة تخطوها, بتسمم الهواء الذي تتنفسه, وكل ذرة تراب حولك, أصبحت كل همسة, كل شهقة أو زفير, جريمة تسري بيننا, لقد هشم قانون الخلق في الطبيعة, القتل جريمة, لكن التدجين مصدر كل الجرائم, بل هو يجعل الدجاج فيها يكره الليل والنهار, الضوء والظلام, بات يكره حتى نفسه....
كم أقدسك أيتها الذئاب انك الوحيدة التي مرغت انف هذا الرجل في الوحل! لقد دجن الدجاج والكلاب, لكنه لم يجرؤ ☹لى تدجين الذئاب...
بسرية بالغة تحدثت مع إحدى صديقاتي النبيهات التي أثق في رجاحة عقلها, قالت...
- أنصحك بالتحدث مع الذئاب!....
- الذئاب؟! إنهم اعداؤنا!
- أليس الجميع أعداءنا؟! أليست الخليقة كلها ضدنا؟! فما بالك تخشين من الذئاب وحدهم؟!
ترى هل في جعبتهم ما يعينني على ذلك. فكرت طويلا...
يجب تبني طريقة ما للاتصال بذئب, ترى هل يفكرون مثلنا؟ علي الاتصال ولكن بطريقة لا تسمح له بالانقضاض علي... يجب ان تكون الخطة في تفادي التقرب من ذئب خاصة اذا كان جائعا, في مثل هذه الحالة يجب ان اكلم شيخا او عجوزا او فرخ ذئب صغير لأكون في منأى عن شره, صادف ان مر في يوم من الأيام ذئب عجوز خلف الحائط, كان لا يقوى المسير, كلمته من فوق الحائط, هل تعرفون بماذا أجابني؟ اخذ يقهقه بصوت عال وهو يقول...
- وهل تضنين نفسك نسرا؟
حينها بكيت طويلا... فكم من الوقت يمضي إلى أن أتحول إلى نسر.... لكن عقلي ظل يدور كداينمو لا يعرف الراحة, لم لا نؤلب الدجاج, كل الدجاج؟! ربما يكون طريق الخلاص.. جرت محاولات لتعبئة التمرد, حاولنا مرارا إثارته هنا وهناك, لكن الإحباط كان نصيبنا في كل مرة... فالدجاج قد تعود هذه الحياة ولا يقبل التغيير... والغريب في الأمر انه حتى حين يحاول الرجل إصلاح شاننا لغاية في نفس يعقوب, لا يتقبلها معشر القوم.. واذكر انني قرأت في ما كتبته إحدى الدجاجات في مذكراتها - امس استخدم الرجل طريقة جديدة في تقوية قشرة البيوض التي تتكسر حين تقع على الارض بوضع الملح في الدخن بدل الكلس الذي نحاول ان نتزعه من الحائط, رفض جميع الدجاج هذا الامر لقد تعود مذاق الكلس ولا يرغب في إبداله بمذاق الملح -...
هل افكر بالهروب؟! ولكن ما زالت قصة احداهن عالقة في ذهني الى الآن _ هجرنا أمس الزريبة البشعة أنا وصديقتي لكننا مع الأسف نمنا ليلة مخيفة في العراء جعلتنا نعود إلى جحيمنا اليوم -..
آه من الأحلام اللذيذة المفجعة! وآه من قولة الآه.... كم تمنيت ان اكون نسرا....
في صغري كنت ارى النسور تحلق, لم اكن بادئ الامر احلم بالتحدث معها, لكن قبل ما يقرب من شهر, صادفني نسرا حط فوق سطح المنزل, استدرجته للكلام, تشعب الحديث بيننا, كان حديثا غريبا وشيقا, حقا ان الحديث شيق مع النسور, في نهاية الحديث قال لي...
- حتى وان كان في مقدوركم الطيران, لكنه سيكون على ارتفاع منخفض ولمسافة قصيرة جدا, فلا تعقدي أمالا كبيرا بالمساواة بالنسور! فعبر التاريخ كانت النسورأكثر حكمة وأرقى الطيور جميعا....
سدت كل المنافذ امامي, وكيف لي ان اهرب واصغر كلب سيمزقني! هل أتذمر فأكون اولى القرابين عقابا على إشهاري بحقي....
لم يعد بمقدوري حتى النوم وقد أصبح راسي كداينمو يدور ويدور... حتى باتت الهموم والأرق تلاحقني, حتى أحلامي أضحت كوابيسا خانقة... اللعنة على الوعي بالحال والأحوال, اللعنة على الاحياء والاموات! وعلى كل ذي جناح من المدجنات... اخيرا قررت ان احفر في جمجمتي كلمات لا تمحى! ايتها الدجاجة! كوني بليدة لتعيشي سعيدة...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى