أيمن مصطفى الأسمر - حكايتي مع القطة المشمشية.. قصة قصيرة

عندما سقطت من أعلى سطح منزل أمي إلى فنائه أصبح الفناء ملاذها وملجأها، هي قطة صغيرة مشمشية اللون هزيلة الحجم، تبدو عليها علامات المرض والإعياء، وبرغم ظنوننا أنها لن تعيش طويلا إلا أننا كنا نوفر لها ما تيسر من طعام وشراب، وتمر الأيام والأسابيع ونحن في انتظار رحيلها عن فناء البيت أو مفارقتها للحياة، إلا أنها ظلت متشبثة بهما معا، وبرغم حالها من الهزال والمرض فقد كانت تخرج قليلا إلى الشارع ثم تعود ثانية إلى الفناء، بعد أسابيع أخرى كنا قد ألفنا وجودها في فناء البيت وبدأت هي في التعافي رويدا من مرضها، بدأ أيضا جسدها ينمو ومظهرها يزداد جمالا، وكما ألفنا وجودها ألفتنا هي أيضا، تعرف أفراد الأسرة ولا تخشاهم، وتخاف من الغرباء وتنفر منهم، بمرور الوقت نشأت علاقة صداقة غريبة بيني وبينها، فهي تنتظرني أحيانا عند هبوطي على سلم البيت لترافقني حتى الباب الخارجي وتلعب كالكرة بين قدمي، وقد تمسح بشعرها المشمشي حذائي كأنها تقوم بتلميعه، وفي أحيان أخرى تراني صاعدا أو هابطا فتكتفي بالوقوف هادئة في مكانها تنظر إلي وتمؤ مواء ناعما خفيضا، أتذكر حينها أغنية كنا نرددها ونحن أطفال صغار، تقول كلماتها:
القطة المشمشية .. حلوة بس شقية
نطت حتة نطة .. خطفت ورك البطة
سوسو ليه زعلانة .. هى اللى غلطانة
سابت النملية .. مفتوحة شوية شوية
اخس عليكى يا قطة .. قطة حرامية​
لكني لا أحب من كلمات الأغنية سوى مطلعها فقط، أما باقي الكلمات فأرى فيها تجنيا على القطة المشمشية التي تصاحبني كلما جئت إلى بيت أمي، وأرى فيها وفاء لا أراه في كثير من البشر، بعد شهور ظهرت في شارعنا عائلة من القطط تتكون من قطة أم وبضعة صغار يغلب عليهم اللون الأسود مع قليل من البياض، ويبدو أن ظهور هذه العائلة من جنسها قد أثار اهتمام القطة المشمشية، فهي قد وصلت إلى سن يسمح لها بالتزاوج وتكوين أسرة، وكنا قد عرفنا من قبل أنها قط ذكر، وهكذا بدأ سلوك القطة المشمشية يتغير تغيرا عجيبا، فهو يتأرجح بين وفائها لفناء البيت الذي نشأت فيه، ولأهله الذين يوفرون لها الطعام والشراب، وبين رغبتها في الاندماج مع أبناء جنسها من القطط الأخرى، وفي إحدى المرات كنت هابطا كعادتي على السلم فلمحتها وهي تقف في هدوء بجوار إحدى تلك القطط السوداء الصغيرة وهي تأكل من الطبق الذي كنا نضع لها الطعام فيه، كانت تراقبها ويبدو عليها السعادة بوجود تلك القطة الصغيرة رغم أنها تأكل من الطبق الخاص بها، لكنها بمجرد أن لمحتني هابطا انقلب حالها انقلابا عجيبا، فوثبت على الفور لتطرد القطة السوداء الصغيرة، ثم طاردتها حتى خرجت من باب البيت الخارجي إلى الشارع، وظلا لثوان يقومان ببعض المناورات المعتادة التي تحدث في مثل تلك الأحوال بين أبناء الجنس الواحد دون قتال حقيقي بينهما، وعندما اقتربت أكثر منهما توقفت عن تلك المناورات وأتت نحوي مطأطئة الرأس كأنها تعتذر لي عن انشغالها واهتمامها بغيري، أدركت حينها أن أوان رحيلها قد اقترب، وأنه رغم انتمائها لفناء البيت وولائها لأهله، وما يوفره لها ذلك من أمان ورفاهية، إلا أنه يحق لها أن تعيش حياة حرة تتناسب مع طبيعتها التي فطرها الله عليها.

سبتمبر 2017 مجلة قطر الندى العدد 590 - 15 ديسمبر 2017​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى