فنون بصرية ياسين النصير - الصورة الفوتوغرافية..

كثر هو الحديث عن الصورة الفوتوغرافية، إلى الحد الذي لا يستطيع أحدنا استيعاب ما كتب حولها، ولا نجد أية فلسفة أو أية حداثة فكرية أو نقدية، لا تضع الصورة الفوتوغرافية، في مكان ما من المفاهيم الإجرائية لها.
بالطبع لا نعني بالصورة الفوتوغرافية إلا تلك الي تؤخذ بالكاميرا،ويقف وراءها مصور اختار الزاوية المناسبة لإلتقاطها بحيث تكون معبرة ولمرة واحدة، الصورة الفوتوغرافية لا تتكرر إلا لتمحو سابقتها.ولذلك لا نعني كل أشكال التصوير، فهناك صور شعرية، وصور تشكيلية، وصور واقعية، وصور فنية ...الخ،ولكني معني هنا بالحديث عن الصورة الفوتوغرافية تحديدًا. تلك التي احتفظت بلمحة زمنية، فالصورة لشيء ما، يعني أنها ستحول جسد ذلك الشيء إلى صورة مرئية،بعدما كان الشيء كيانًا مُتَجَسَّدًا وواقعيًا يمكن أن نلمسه، هذا التحول من الكيان الملموس،والمحسوس والمشموم إلى شيء مرئي مختزل المسافات، يعني تحولًا في بنية الشيء نفسه، وليس في طبيعته الخارجية ولا في محتواه المادي او دالالته، لأن الشيء وهو يُصَّور صورة فوتوغرافية، يعني اصبح بالفعل شيئا مرئيا، وليس شيئا ماديا، ” الرؤية التي تظل رؤية فعلية” كما يقول سلفرمان، ولكن الصورة الفوتوغرافية للشيء، ان كان هذا الشيء حيًا أو جمادًا، تجعله نصًا، لذلك يحتفظ بعضنا بصور عن جسده ووجهه ليكتشف لاحقا أنها صور تقرأ جزءا من تاريخنا الشخصي، ويمكن أن تتحول إلى سيرة، بحيث بدى الجسد والوجه فيها غير ما هما عليه الآن، اننا نقرأ الزمن من خلال الصورة الفوتوغرافية، قراءة ذاتية، هذه الصورة هي زمني، ولا نقرأها بالدقة نفسها من خلال البورتريه، لأن البورترية عمل فني يضع الرسام ذاته في الشخصية المرسومة، ويبقي للشخص المرسوم ملامحه الخارجية والذاتية، التي تعبر عنه، الببورتريه لا يقرأ اللحظة،ولا يجسدها، بل يصور تكوينات لا مرئية في الشخصية، ولذلك تطلب البورترية مواد معمولة، احبار وألوان وخطوط وترقب.
الرسام لايغيب عن البورتريه، ولكن المصور الفوتوغرافي يحضر في الصورة الفوتوغرافية للحظة ثم يتوراى خلفها، البورترية لا تجعل الشخص مرئيا من الذاكرة او المتخيل، في حين الصورة الفوتوغرافية يمكن تأويلها عندما ترتبط بالمكان الذي اخذت فيه. “ إن الجسد الماثل في الصورة الفوتوغرافية لايستطيع أن يرى ، وهو لايرى فعلا، مع أن نصيته قادرة على الرؤية” اي الصورة الفوتوغرافية هنا، تصبح نصًا، لأن أية امكانية للحواس ان تتفاعل مع الصورة الفوتوغرافية غير ممكنه، ما يرى من الصورة الفوتوغرافية هو “ نصها” الذي يباشرنا الرؤية كلما تطلعنا إليها فنصها مكتوب في الزمن الذي التقطت الصورة فيه.
هل يمكن اقتران الصورة الفوتوغرافية بصورة المرآة؟، نحن نصور أنفسنا عندما نجلس أمام المرآة، والمرآة نفسها هي الكاميرا التي تصورنا، فتجعل اليمين يسارا واليسار يمينا، إذا لافرق جوهري بين صورة جامدة اخذت فوتوغرافيا من المرآة، وصورة فوتوغرافية اخذت وانت جالس أمام الكاميرا، الفرق الوحيد انك ترى ما يحدث في صورة المرآة، بينما لا ترى ما يحدث في صورة الكاميرا، الفرق في النصية للصورتين، صورة الكاميرا تكتب نص الصورة الآنية، بينما نصية صور المرآة لا تكتب نصيتها، لأنها متحركة، صورتها في مؤولاتها. لأنها غير قادرة على الاحتفاظ الدائم بأفكارها، صورة المرآة متحركة، متغيرة، كل رؤية لها اضافة كلمات لها، كلما تعيد الرؤية لصور المرآة تضع المرآة مع الصورة، بينما لا تضع الكاميرا مع الصورة الفوتوغرافية. هذا الفرق يوضح لنا أن الصورة الكلية لقصيدة ما مثلًا وهي تجسد مشهدا من الواقع، تكوّن كلماتها أجزاء المشهد المنزاح عن واقعيته، وعندما تقرأها لا تقرأ صور المشهد الواقعي بل تقرأ الصورة التي تؤلفها الكلمات.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى