أمل الكردفاني- عندما يصبح انهيار وتفكك أمريكا وشيكا

.



ربما لن يصدق أحد أن نهاية الامبراطورية الأمريكية قد صارت وشيكة (أتحدث عن ثلاثين عاما) تقريبا. بل وربما لا يصدق أحد أن أمريكا الإمبراطورية ستفقد استقرارها تماما خلال الثلاثين عاما القادمة لتنتهي نهاية مأساوية لا استبعد فيها تفككها إلى دويلات بعد خمسين عاما من اليوم.
مالذي سيقمع هذه القوة الأمريكية الجبارة يا ترى؟
ربما لن يصدقني أحد إن قلت بأن من سيقمعها هو (العلم).
إنني لا أهذي كما قد يتصور البعض ، ولا أتهكم ؛ بل على العكس إنني أتحدث بكل جدية لا يمكن تصديقها.
وأنا لا اعتمد على احصائيات مادية ؛ فالاحصائيات تتعامل مع مواد فيزيائية في الغالب (عدد الجنود والجامعات والاسلحة والنقود...الخ). الاحصائيات كلها ستتجه اتجاها معاكسا لهذه الحقيقة التي ستتأكد بعد خمسين عاما من اليوم. الإحصائيات ذات عينات فيزيائية وهي في النهاية لا تميط اللثام عن ذلك الجزء المظلم من القمر. ذلك الذي يتسرب عبر الضوء ليقبع في كتلة الظلام. تلك التداعيات غير الملموسة وغير المحسوسة التي تنفلت من حلبة الرقص الجماعي ، وتنزوي خلف تلة مخاتلة لتشاهد بكل سخرية ذلك المارد وهو يتهاوى.
ولمزيد من التوضيح بأمثلة مفهومة ؛ سأضرب لكم مثل العقوبات الجنائية ؛ سواء تلك المستأصلة للحياة (الاعدام) أو السالبة للحرية (السجن). إن من أهم مبادئ العدالة الجنائية هو شخصية العقوبة ، فلا تزر وازرة وزر أخرى ، فلا يجوز معاقبة الابن على ما اقترفه الأب ولا معاقبة الصديق على جريمة صديقه. وهذا مبدأ عظيم جدا لكنه في الواقع ليس بهذه البساطة ، فمثلا عندما يتم اعدام او سجن رب أسرة فإن الأسرة كلها يمسها هذا العقاب ، الأولاد الذين قد يتشردوا والزوجة التي قد لا تجد عائلا لها والأب والأم إن كانا كبيرين في السن وغير قادرين على إعالة نفسيهما ، ليس هذا فحسب بل الشعب كله سيتضرر بفقد قوة بشرية عاملة وقادرة على الانتاج ناهيك عن مصاريف وتكاليف العقوبات نفسها على الدولة...الخ.
تقول نظرية تأثير الفراشة : إن رفرفة فراشة بجناحيها على نيويورك تؤثر على طوكيو في اليابان ، وهذه مقولة صحيحة بلا شك. هناك فيلم مثله براد بيت اسمه بابل ويحكي عن سائح أهدى بندقية لأحد الأعراب في المغرب ، لقد أدت هذه الواقعة الصغيرة إلى مقتل امرأة وانتحار أخرى وبؤس عائلتين وتيتم أبناء فيما بعد.
شيء بسيط أو قد يبدو لنا كذلك.. تصرف لا نضعه في الحسبان قد يغير مجرى التاريخ البشري ، وكل مخترعات البشرية أو أغلبها نتجت عن شيء بسيط جدا..سقوط تفاحة مثلا.
عندما نتحدث عن نهاية أمريكا وتفككها علينا أن نستبعد كل تلك المواجهات المباشرة والمادية الظاهرة ولنتذكر تأثير الفراشة. فلنتذكر أن العلم الذي تنتجه أمريكا هو من سيكون سببا في انهيارها وتفككها كما حدث للاتحاد السوفيتي فجأة.
أمريكا التي تعتقد أنها تستطيع إدارة شعوب الدول الأخرى من خلال جهازها الاستخباراتي ستنسى شيئا مهما ؛ ستنسى أن هذا العلوم والتكنولوجيا هي التي ستغير أسلحة الشعوب الأخرى هي أيضا..وأن الوعي الانساني يمكن قيادته باتجاهات متعددة ، وأن البيت الأمريكي كغيره من البيوت ؛ زجاجي هش.
مالذي حدث خلال السنتين الماضيتين؟
لقد واجهت أمريكا أكبر خطر على قدرتها الصناعية مما أضطر ترامب إلى تحطيم أكبر مؤسستين ماليتين في العالم بجرة قلم: منظمة التجارة العالمية ؛ وصندوق النقد الدولي. فكلا المؤسستين تعملان على ترسيخ قيم الرأسمالية ؛ لكن قيم الرأسمالية نفسها صارت خطرا مهددا للولايات المتحدة الأمريكية. فالصين التي كانت أكبر أعداء حرية التجارة في العالم أصبحت تدافع عن حرية التجارة عندما قررت أمريكا وهي التي رسمت سياسات حرية التجارة الدولية أن تفرض رسوما على وارداتها من الصين والإتحاد الأوروبي.
كل شيء انقلب فجأة ، رؤساء شركات صناعة السيارات في أمريكا اجتمعوا بأوباما في بداية عهده واشتكوا من اقتراب انهيار شركاتهم التي من أضخمها شركة فورد الاستخباراتية والتي تملك أجنحة ضخمة لدراسة وتوجيه دول العالم ومن ضمنها دول النفط منذ السبعينات.
كوريا أصبحت منافسة قوية لصناعات السيارات وبعد قليل ستنضم الصين ثم الهند وحينها ستنزوي أمريكا وبعدها اليابان وألمانيا من السوق العالمي.
اتخذ ترامب قرارات كثيرة لحماية الاقتصاد الوطني وكلها قرارات ضد قانون التجارة الدولية ، لقد فرض حماية لدولته في الوقت الذي تفرض منظمة التجارة العالمية على الدول الفقيرة عدم حماية اقتصادها. اصدر ترامب قرارا بفرض رسوم على الشركات الأمريكية التي تنقل مراكزها الرئيسية إلى الصين لتقليل تكاليف العمالة وقد أدى ذلك بالفعل إلى زيادة فرص العمل في أمريكا وانخفضت نسبة البطالة قليلا ، لكن هل هذا حل؟ .. عدد سكان أمريكا حوالى ثلاثمائة مليون نسمة أما الصين فمليار ومائتي نسمة أي أربعة أضعاف أمريكا. العامل الصيني يحصل في اليوم على أقل من خمس سنتات في حين يحصل العامل الأمريكي في الساعة على حوالى عشرة إلى خمسة عشر دولار. أي أن كل صناعة أمريكية داخل الدولة ستضيف للمنتج خمسة عشر دولارا على الأقل في رأس كل ساعة.
حاولت امريكا أن توقف الإغراق ودفعت بالمجتمع الدولي للاتفاق حول معاهدة منع الاغراق ، ولكن المعاهدة اقترنت بشروط دقيقة جدا تحول دون أستخدام أمريكا لها في حربها الاقتصادية ضد الصين ؛ في الوقت الذي تملك فيه الصين وقتا كافيا لضبط تجارتها مع استحقاقات تلك المعاهدة.
السودان وهو الدولة التي من ضمن أكثر خمس دول بؤسا في العالم اضطر بأوامر امريكية لسن قوانين تتفق مع متطلبات منظمة التجارة العالمية كقانون منع الحماية والتحرير الاقتصادي وعدم الاغراق ومكافحة الاحتكار.. دون حتى أن يلجأ إلى الأسلحة القانونية التي تمنحه مزايا من تقديمه لتلك التنازلات والإيقاع بشعب السودان في مصيدة دائرة الفقر الجهنمية.
وهاهو حمدوك يضرب أخماسا في أسداس وهو كل على مولاه أينما يوجه لا يأت بخير وما هو بقادر على فعل شيء لبؤس تلك الحفنة ممن حوله من قصار الأدمغة والعقول وتجار الجرادل ومزيفي الشهادات والخبرات.
ولنخرج من بؤس هذه الدولة فالجهالة فيها راسخة. ولنعد لأمريكا وتنبؤاتنا بتفككها بعد خمسين عاما من الآن على الأقل. ولنعد للركن الأساسي الذي سيقوضها وهو (العلم) الذي سيواجه أهم ما تتباهى به الولايات المتحدة ، ألا وهو.... (الديموقراطية).
لقد ذكرت في مقالات سابقة عديدة أن الديموقراطية هي كخضراء الدمن ، أي المرأة الحسناء في المنبت السوء ، فهي نظام يدفع بالدول إلى الهشاشة الحتمية ، والاستقطابات الدولية الحادة ، والصراعات الداخلية المدمرة ، إن لم تخضع هذه الديموقراطية لجهاز مركزي مسيطر يحميها. وهذا صحيح عندما نتحدث عن دول ضعيفة كدولنا هذه ؛ ولكن الأمر يختلف عندما يكون الحديث عن أمريكا ؛ فلدى أمريكا أقوى أجهزة السيطرة المركزية على الديموقراطية بحيث يوجهها لتحقيق مصالح فئة معينة ؛ لكن هذا الجهاز اليوم وما ستليه من أيام وسنوات وعقود سيواجه بخطر شيوعية العلوم في العالم. وعندما تشيع العلوم سيحتاج أي جهاز ضابط لبذل طاقة أكبر لدفع التهديدات الخارجية والداخلية ؛ وعند نقطة مرونة حدية سيفقد ذلك الجهاز قدرته على التمدد وينقطع. لا شيء أخطر على الولايات المتحدة من شيوعية العلم وليس شيوعية ماركس. وإنني أعتقد أن أمريكا ستجتهد خلال العقود القادمة لفرض ستار حديدي شامل على العلوم والتكنولوجيا..حتى تخلق الفايرس ومضاده كما تفعل شركات برمجيات مكافحة الفيروسات.
(يتبع)....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى