عبد الحميد باحوص - حكاية رجل لم يمت بالسم.. قصة قصيرة

كان قد خرج لتوه من مسرح "لابوردي" بعد أن تفرج على مسرحية " الكركدن" لكاتبها يوجين يونيسكو. الساعة تقارب الثامنة مساء من خريف عادي، لايزال يشجع الناس للمشي، عبر المدينة والقيام بجولات اعتيادية.
منير ان لم يذهب ذلك المساء الى المسرح، فحتما سيتمشى ويتجول كالمعتاد بالمدينة. لكن، الذهاب إلى المسرح كان مقررا في برنامج ذلك اليوم. الحياة كما قالت له ذات ليلة ليليان حين كانا يتناولان وجبة العشاء ، أما مسرح أو سينما. ولا تفضيل بينهما عند ليليان. فهي قد قصدت، أما أن تكون ممسرحة ( اي الحياة) أو معبر عنها بواسطة السينما. واختيار احدهما، يخص في آخر المطاف الشخص فقط.
حكت له ليليان في تلك الليلة عن رجل لم يمت بالسم. فقد تعود منها حين يخرجان للعشاء بأحد المطاعم ان تحكي له حكاية ما ليست من نسج خيالها وإنما من لحم ودم أي واقعية.
... كنت طالبة بجامعة السوربون وكان أستاذنا لمادة المسرح، يشجعنا ويذكي فينا نار الفضول، للذهاب إلى المسرح لمشاهدة العروض المسرحية، التي في سنوات الستينيات من القرن الماضي، كنا نشاهد عرضين مسرحيين كل أسبوع.
مازلت اذكر، بعد أن انتهينا من مشاهدة عرض مسرحي لمسرحية: ثمانية مسامير، لجون بول سارتر.. حينها كان يرافقني صديقي برتراند. توقفنا عند حلقة لتجمع بشري بالقرب من قاعة المسرح، الكلمات الأولى التي اقتنصتها مسامعنا أن رجلا وسط التجمع قد لفظ انفاسه وحاول صديقه أن ينفذه باسعافات أولية فلم يفلح وفارق الحياة.
موت الرجل حسب صديقه قد حدث فجأة فلم يكن يتوقع ذلك لأنه كان في صحة جيدة. هما معا كانا يعشقان المسرح، وقد خرجا لتوهما من مشاهدة العرض المسرحي لمسرحية: ثمانية مسامير، لكاتبها جون بول سارتر.
لقد بكى الصديق كثيرا فقد صديقه وهذا برهان ساطع لم يترك مجالا للشك على صداقة صادقة.
انا (ليليان) ظللت حينها واقفة في نفس المكان الذي لفظ فيه الرجل أنفاسه الأخيرة ثم أشعلت سيجارتي، وأنا انفثها لفت نظري رجل يبدو من خلال مشيته أنه احتسى بعضا من كؤوس النبيذ، توقف ثم سألني كأنه على دراية بحادثة الرجل الذي فارق الحياة:
- الرجل الذي فارق الحياة، لم يمت بالسم، أليس كذلك؟؟
- بلى.


ع الحميد باحوص
دروموندفيل/كندا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى