كتاب كامل عبدو القرقني - وَفَاءُ زَيْتُونَةٍ

71943022_473921909862411_6591199431125630976_n.jpg
حِينَمَا اشْتَدَّ الْقَيْظُ ظُهْرًا فِي الثّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ جَوَانَ وَ امْتَنَعَتِ الْأَرْضُ عَنِ الْحَافِي وَ المُنْتَعِلِ تَمَدَّدَ الشَّابُّ يُوسُفُ عَلَى فِرَاشِهِ اللَّيِّنِ لاَهِثَ الأَنْفَاسِ يَلْتَمِسُ غَفْوَةً بَعْدَ الْغَدَاءِ تُنْسِيهِ الْحَرَّ الشَّدِيدَ وَ مَا يَنْجَرُّ عَنْــــــهُ مِنْ عَرَقٍ غَزِيــرٍ​
وَ فُتُورٍ بَالِغٍ .​
كَانَ يُوسُفُ عَلَى غَايَةٍ مِنَ السَّآمَةِ فَهْوَ تَارَةً يُحَرِّكُ مِرْوَحَتًهُ السَّعَفِيَّةً قُرْبَ وَجْهِهِ الْمُسْتَدِيرِ تَحْرِيكًا مُذْهِلاً ، عَنِيفًا وَ طَوْرًا يَمْسَحُ فِي تَأَنٍّ عَرَقًا مُتَصَبِّبًا عَلَى جَبِينِهِ الْمُقَطَّبِ.​
وَ الَّذِي زَادَ الطِّينَ بَلَّةً هُوَ شُرُودُ ذِهْنِهِ وَ ذُهُولُهُ عَمَّا حَوْلَهُ فَلَمْ يَعُدْ يَسَعُهُ لاَ الْمَكَانُ وَ لاَ الزَّمَانُ وَ لاَ الْكَونُ بِكَواكِبِهِ وَ مَجَرَّاتِهِ : كَانَتْ تَحُومُ فِي ذِهْنِهِ أَسْئِلَةٌ عَدِيدَةٌ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَ هْوَ يَنْتَظِرُ الْإِعْلاَنَ عَنْ نَتَائِجِ الْبَكَالُورْيَا فِي اشْتِيَاقٍ مُقْرِفٍ عَلَى أَحَرَّ مِنَ الْجَمْرِ : هَلْ أَنَّهُ سَيُحَقِّقُ نتِيجَةَ بَاهِرَةً تُخَوِّلُ لَهُ الدِّرَاسَةَ فِي أَعْرَقِ كُلِّيَاتِ الطِّبِّ بِأَلْمَانْيَا ؟ وَ بِذَلكَ يَتَوَصَّلُ إِلَى تَحْقِيقِ أُمْنِيَةٍ رَاوَدَتْهُ فِي أَيَّامِ الطُّفُولَــــــةِ وَ هْيَ أَنْ يَكُونَ طَبِيبًا مُخْتَصًّا فِي أَمْرَاضِ الْقَلْبِ وَ الشَّرَايِينِ يُعَالِجُ مَجَانًا الْفُقَرَاءَ وَ المُحْتَاجِينَ مِنْ أَبْنَاءِ تُونِسَ الْخَضْرَاءِ وَ يُخَلِّصُ أُسْرَتَهُ مِنْ الْفَقْرِ الْمُدْقَعِ . اِحْتِمَالٌ ثَانٍ هُو أَنْ مُعَدِّلَهُ فِي شُعْبَةِ الْعُلُومِ التَّجْرِيِبِيَّةِ سَيَكُـــــــــونُ دُونَ المُؤَمِّـــــلِ فَتَنْفَرِطَ بَهْجَتُــــــــهُ وَ يَخِيبَ رَجَـــاؤُهُ وَ تَتَبَخَّرَ أَحْلاَمُهُ وَ يَسُوءَ ظَنُّهُ فِي حِكْمَةِ مَنْ طَلَبَ الْعُلَى سَهِرَ اللَّيَالِي . يَا لَهَا مِنْ حِكْمَةٍ بَلِيغَةٍ مَنْقُوشَةٍ فِي ذَاكِرَتِهِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ مُذْ كَانَ تَلْمِيذًا بِالسَّنةِ الثَّالِثَةِ مِنَ التَّعْلِيمِ الْاِبْتِدَائِيِّ يَتَفَنَّنُ فِي كِتَابَتِهَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلى كُرَّاسِ الْقِسْمِ خِلاَلَ حِصَّةِ الْخَطِّ . كَانَ آنَذَاكَ فَتًى نَجِيبَا فولاذيَّ الْعَزِيمَةِ، صُلْبَ الْإرَادَةِ، شَدِيدَ الشَّكِيمَةِ لاَ يَعْرِفُ المُسْتَحِيلَ.​
وَ مَا إِنْ دَاعَبَتْ سِنَةٌ مِنَ النَّوْمِ جُفُونَ الشَّابِّ يُوسُفَ حَتَّى تَنَاهَى إِلَى مَسْمَعِهِ ثُغَاءٌ مُتَعَالِ فَفَرَكَ عَيْنَيْهِ فَرْكًا خَفِيفًا وَ تَثَاءَبَ وَ تَمَطّى وَقَفَزَ مِنَ فِرَاشِهِ صَوْبَ نَافِذَةٍ مُطِلَّةٍ عَلَى الْحَدِيقَةِ. وَ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ صَارَتِ هَذِهِ النَّافِذَةُ مُشْرَعَةً يَتَسَلَّلُ مِنْهَا نُورٌ سَاطِعٌ وَ وَهْجٌ يَلْفَحُ الْوُجُوهَ لَفْحًا وَ طَنِينٌ مُقْلِقٌ لِصَرَّارٍ لاَ يَحْلُو لُهُ العَزْفُ الْكَئِيبُ وَ الرَّتِيبُ عَلَى مِزْمَارِهِ إِلاَّ إِبَّانَ القَيْلُولَةِ .​
مَدَّ يُوسُفُ عُنُقَهُ الطَّوِيلَ وَ تَطَلَّعَ إِلَى كُلِّ الْجِهَاتِ إِلَى أَنْ أَبْصَرَ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ مِعْزَاةً بُنِّيَةَ اللَّوْنِ، بَرَّاقَةَ الشَّعْرِ، مُثَقَّفَةَ الْقَرْنَيْنِ تَقْضِمُ فِي نَهَمٍ شَدِيدٍ أَوْرَاقَ زَيْتُونَةِ مُعَمِّــرَةٍ وَ هْيَ مُنْتَصِبَةٌ عَلَى قَائِمَتَيْهَا الْخَلْفِيَتَيْنِ. مُنْذُ الْوَهْلَةِ الْأُولَى تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِعْزَاةٌ طَلِيقَةٌ إِذْ لاَ حَبْلَ فِي رَقَبَتِهَا يَشُدُّهَا إلَى جِذْعِ تِلْكَ الزَّيْتُونَةِ الْعَرِيقَةِ الَّتِي يَرْبُو عمرهَا عن سَبْعَةِ عُقُـودٍ.​
استشاط يُوسُفُ حَنَقًا فَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُــــــــهُ وَ تَطَايَرَ الشَّرَرُ مِنْ عَيْنَيْهِ الزَّرْقَاوَيْنِ وَ أَطْلَقَ الْعِنَانَ لِلِسَانِهِ السَّلِيطِ يَنْعَتُهَا بِأَبْشَــعِ النُّعُــــــــــوتِ وَ يَتَوَعَّدُهَا بِأَشَدِّ الْعِقَابِ :« يَا أَيُّتُهَا الْوَقِحَةُ كَيْفَ تَجَرَّأْتِ عَلَى الاِعْتِدَاءِ عَلَى هَذِهِ الزَّيْتُونَةِ المُبَارَكَـــــةِ وَ نَحْنُ عَنْكِ غَافِلُونَ ؟ أَلَمْ تَكْتَفِي بِالْعَلَفِ الَّذِي تُقَدِّمُهُ لَكِ عَائِشَةُ كُلَّ صَبَاحٍ قُبَيْلَ بُزُوغِ الشَّمْسِ وَ عِنْدَ أُفُولِهَا ؟ يَا لَكِ مِنْ مِعْزَاةٍ شَرِهَةٍ لاَ تَتَوَقَّفِينَ عَنِ الْأَكْلِ إِلاَّ إِذَا أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ وَ لَفَّ الْكَوْنَ بِجِلْبَابِهِ الْأَسْــوَدِ ! سأنْهَالُ عَلَيْكِ ضَرْبَا مُبَرَّحًا بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ دُونَ شَفَقَةٍ حَتَّى أَشُجَّ رَأْسَـــــكِ وَ أَشْطُرَهُ إِلَى نِصْفَيْنِ … سَأَسْجِنُكِ فِي الزَّرِيبَةِ مُدَّةَ ثَلاَثَةِ أَيَّـامٍ بِلاَ طَعَامٍ وَ شَرَابٍ تنكيلا بك فَعَلَى قَدْرِ الْجَرِيمَةِ الَّتِي تَقتَرِفِينَهَا فِي حَقِّ هَذِهِ الزَّيْتُونَةِ الْمُبَارَكَةِ يَكُونُ الْجَزَاءُ. الْحَلُّ الأَنْسَبُ لِلْخَلاَصِ مِنْكِ هُوَ ذَبْحُكِ مِنَ الْوَرِيدِ إِلَى الْوَرِيــدِ وَ تَقْطِيعُ لَحْمِكِ الطَّرِيِّ وَ صَلْيُهُ فِي جَرَّةٍ مِنَ الْفَخَّارِ وَ أَكْلُهُ هَنِيئًا مرِيئًا عَلى ضِفَافِ الْبَحْـرِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فِيهَا مِنَ الْأَنْغَامِ مَا سحَرَ وَ مِنَ الْغِنَاءِ مَا بَهَــرَ وَ مِنَ الرَقْصِ مَا بَدَّدَ الْخُمُولَ وَ الضَّجَرَ ».​
اِنْقَطَعَ يُوسُفُ عَنِ الْهَذَيَانِ وَ هَبَّ إِلَى تِلْكَ الْمِعْزَاةِ الْآثِمَةِ وَهْوَ مَسْوَدُّ الْوَجْهِ، كَظِيمٌ، مَكْشُوفُ الرَّأْسِ غَيْرُ آبِهٍ بِلَفْحِ الْحَرّ فالشَّمْسُ في كَبِدِ السَّمَاءِ أَشِعَّتُهَا عَمُودِيَّةٌ لاَ تُبْقِي وَ لاَ تَذَرُ. وَ لَمَّا دَنَا مِنَ الزَّيْتوُنَةِ اِسْتَلَّ عَمُودًا غَلِيظًا مِنْ حُزْمَةِ الْحَطَبِ عَجَّل بِإخْفَائِهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ثُمَّ نَادَى الْمِعَزَاةَ فِي اسْتِخْفَافٍ بِصَوْتٍ عَالٍ يَشُوبُهُ غَضَبٌ بَغِيضٌ :​
- « يَا مَسْعُودَةُ اهْرَعِي إِلَيّ لِنَيْلِ نَصِيبَكِ مِنَ الْحَلْوَى الشَّهِيَّةِ »​
لَمْ تَكْتَرِثْ مَسْعُودَةُ بِنِدَائِهِ بَلْ تَمَادَتْ فِي لِجَاجِهَا. كَمْ كَانَتْ مُتَعَجْرِفَةً غَيْرَ آبِهَةٍ بِتَخْوِيفِهِ فَهْيَ قَدْ عَهِدَتْهُ شَابًّا لَطِيفًا، شَغُوفًا بِهَا يُولِيهَا مِنَ الْحُبِّ وَ الْعِنَايَةِ مَا لا يُولٍيهِ لِأُخْتِهِ عَائِشَةَ الْأَصْغَرِ مِنْهُ سِنَّا.​
وَ اسْتَرْسلَ عِصْيَانُ مَسْعُودَةَ لِأَوَامِرِ سَيِّدِهَـــــــا وَ اسْتَرْسَلَ مَعَهُ هَتْكُها للْأَوْرَاقِ الْفَتِيَّةِ فِي اسْتِخْفَافٍ إِلَى أَنْ تَجَرَّدَتْ الْعَدِيدُ مِنَ الْأَفْنَانِ مِنْ كِسَائِــــــــهَا السُّنْدُسِــيِّ وَ أَمْسَتْ عَارِيَةً ، ذَمِيمَةً مِدْعَاةً لِلْإِشْفَاقِ .​
لَيَّنَ يُوسُفُ الْخِطَابَ مَعَ مِعْزَاتِهِ مَسْعُودَةَ فَاسْتَطْرَدَ قَائِلاً بِبُرُودَةِ دَمٍ وَ هْوَ مُصِرٌّ عَلَى الرِّفْقِ بِهَا :​
- « يَا أَبْهَى مِعْزَاةٍ هَيَّا اتْبَعِينِي إِلَى الزَّرِيبَةِ فَهُنَالِكَ مُفَاجَأَةٌ سَارَّةٌ فِــي انْتِظَارِكِ »​
اِهْتَزَّتْ مَسْعُودَةُ اهْتِزَازًا بَهِيجًا وَقَالَتْ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ وَ صَوْتٍ رَقِيقٍ حَنُونٍ :​
- « بِكُلِّ رَحَابَةِ صَدْرٍ فَأَنَا يَا مَولاَيَ الْفَاضِلُ أُطِيعُكَ فِي إِذْعَانٍ وَ لاَ أخَالِفُ لَكَ أَمْرًا لَكِنْ حَدِّثْنِي عَنْ هَذِه المُفَاجَأَةِ السَّارَّةِ فَأَنْتَ قَدْ شَوَّقْتَنِي إِلَيْهَا تَشْوِيقًــــا عَظِيــــمًا دُونَ تَحْدِيدِهَا »​
دَهِشَ يُوسُفُ لِهَذَا الصَّوتِ الْغَرِيبِ الَّذِي لَمْ يُصْغِ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ فَهَمَسَ فِي أَعْمَاقِ نَفْسِهِ دُونَ أَنْ يَنْبِسَ بِبِنْتِ شَفَةٍ :« هَلْ هَذَا صَوْتُكِ يَا عُنَيْزَتِي ؟ لاَ لاَ ، إِنَّكِ عَجْمَاءُ ، بَكْمَاءُ لاَ تَتَكَلَّمِينَ مِثْلَ الْبَشَرِ.هَلْ أَنْتِ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِانِ فِي هَيْئَةِ إِنْسَانٍ ؟ مَا هَذِهِ الْهَواجِسُ الَّتِي تَنْتَابُنِي مُتَلاَحِقَةً فَتَعْبَث بِمَسْمَعِي وَبَصَرِي وَ تُشَتِّت تَفْكِيــــرِي وَ تُؤَجِّجُ خَيَالِي فَأَنْتَفِضُ ثَمِلاً أَبْحَثُ عَنْ مَخْرَجٍ آَمِنٍ فِي نِهَايَةِ الدِّهْلِيزِ؟»​
حَدَجَ يُوسُفُ مِعْزَاتَهُ مَسْعُودَةَ بِنَظَرَاتِ حَادَّةِ وَ خَيَّرَ الصَّمْتَ الْمُطْبَقَ عَلَى مَا نَدَرَ مِنَ الْكَلاَمِ ثُمَّ هَرَعَ إِلَى الزَّرِيبَـــةِ و هْوَ يُكَشِّرُ عَنْ أَسْنَانِهِ النَّاصِعَةِ الْبَيَاضِ كَثُلُوجِ جِبَالِ عَيْنِ دَرَاهِمَ خِلاَلَ الْعَواصِفِ الْهَوْجَاءِ.​
سَارَتْ مَسْعُودَةُ خَلْفَ يُوسُفٍ فِي انْقِيَادٍ فَهْيَ لَمْ تَتَوانَ طِوَالَ مِائَــةٍ وَ خَمْسِينَ مِتْرًا الَّتِي قطَعَتْهَا عَنِ الْقَفْزِ عَالِيَــــــا وَ التَّمَسُّحِ بِرِجْلَيْهِ بَيْـــــــنَ الْفَيْنةِ وَ الْأخْرَى. فَهَلْ هَذا التَّمَسّحُ الْمَشْفُوعُ بِثُغَاءٍ عَذْبٍ، رَقِيقٍ ضَرْبٌ مِنَ رَاحَةِ الْبَالِ أَمْ هُوَ ضَرْبٌ مِـنَ الْمَوَدَّةِ الصِّرْفَةِ بَيْنَ الْإِنْسَــانِ وَ الْحَيَوَانِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟​
أَبْصَرَ يُوسُفُ بَابَ الزَّرِيبَةِ مَفْتُوحًا وَ بِدَاخِلِهِ مِفْتَاحٌ صَدِئٌ فَضَرَبَ كَفًّا بِكفٍ وَ انْتَفَض اِنْتِفَاضَةَ دِيكِ مَذْبُوحٍ ثُمَّ صَاحَ بِصَوْتٍ أَجَشَّ غَلِيـــــظٍ مُتَوَهِّمًا أنَّ أُخْتَهُ عَائِشَةُ بِجَانِبِهِ تَسَمَعُهُ وَ تَعِي جَيِّدًا مَا يَقُولُهُ لَهَا :« يَا لكِ مِنْ فَتَاةٍ هَوْجَاءَ ! يَا لَكِ مِنْ صَبِيَّةٍ حَمْقَاءَ! كَيْفَ تَسْهَيْنَ عَنْ إِقْفَالِ بَابِ الزَّرِيبَةِ ؟ يَبْدُو أَنَّكِ تَسْتَنْكِفِينَ مِنَ الشُّؤُونِ الْمَنْزِلِيَّةِ وَ الْأَشْغَالِ الْفِلاَحِيَّةِ فَتَقُومِينَ بِهَا عَنْ مَضَض فِي وَقْتٍ وَجِيزٍ فَتَكُونَ مَنْقُوصَةً فِي حَاجَةٍ إِلَى التَّعَهُّـــدِ وَ الْمُتَابعَةِ ؟ إِنْ كُنْتِ بَارَّةً بِأُمِّكِ مَرْيَمَ لَخَفِّفْتِ مِنْ أَتْعَابِهَا إِشْفَاقًا عَلَيْهَا وَ رَأْفَةً بِهَا فَأَنْتِ تَعْرِفِينَ مَلِيًّا أنَّهَا تَسْعَى عَلَى قَدَمٍ وَ سَاقٍ فِي سَبِيلِ إِسْعَادِنَا مِنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ . عَلَى مَا يَبْدُو أَنَّ ارْتِيَادَكِ الشَّاطِئَ الْعُمُومُيَّ كُلَّ صَباحِ رِفْقَةَ أَصْحَابَكِ أَعْمَى بَصِيرَتَكِ وَ حَادَ بِـــكِ عَــــــنِ الصّرَاطِ المُسْتَقِيــــــمِ وَ أَكْبَرُ الْحُجَجِ الدَّامِغَةِ عَلَى طَيْشكِ الْماكْيَاجُ الْمُبَكِّرُ وَ إِطَالَةُ الْأَظَافِرِ و تَدْخِينُ السَّجائِرِ الْفَاخِرَةِ وَ ارْتِدَاءُ الْفَسَاتِيـــــنِ الشَّفَّافَــــــــــــــةِ وَ السَّراويلِ المُرَقَّعَةِ وَ الْمَحْزُوقَةِ .​
إِنَّكِ فَتَاةٌ فِي سِنِّ الْمُرَاهَقَةِ لَمِ تَجِدِي مَنْ يَرْدَعُكِ و يُثْنِيكِ عَنِ الكَثِيرِ مِنَ التَّصَرّفَاتِ الرَّعْنَاءِ الَّتِي تُدَنِّسُ شَرَفَكِ وَعِفَّتَكِ وَ تَجْرِفُكِ إِلَى مَتَاهَاتٍ مُتَشَعِّبَـــــــةٍ وَ مُظَلِمَةٍ كَأَدْغَالِ إِفْرِيقيَا.​
وَالِدِي أَحْمَدُ يُدَلِّلُكِ أَكْثَرَ مِنَ اللُّزُومِ فَيَسْمَح لَكِ بِالسِّبَاحَةِ فِي الْبَحْرِ لِاعْتِقَادِهِ الْجَازِمِ أَنَّ الْعَقْلَ السَّلِيمَ فِي الْجِسْمِ السَّلِيـــــمِ وَ إِيمَانِهِ الرَّاسِخِ أَنَّ التَّرْوِيحَ عَنِ النَّفْسِ أَمْرٌ أَكِيدٌ لاَ مَنَاصَ مِنْهُ رَغْمَ فَدَاحَــــــةِ البُؤْسِ . وَ مَا يُثْبِتُ حَتْمِيَّتَهُ قُرْبُ الْبَحْرِ مِنْ مَنْزِلَنا وَ رِضَاكِ بِغَدَاءٍ مُتَوَاضِعٍ : مَاءٌ مَعْدَنِيٌّ بَارِدٌ وَ عُنْقُودُ عِنَبٍ وَ كَسْكروت حارٌّ مَحْشُـــــوٌّ بِزَيْتُونٍ مُمَلَّحٍ وَبَيْضَةٍ مَسْلُوقَةٍ .​
يَا شَقِيقَتِي الْعَزِيزَةُ سَأَدْعُوكِ فِي لَبَاقَــــةٍ إِلَى التَّحَلِّـــــــي بِالْأَخْلاَقِ الْكَرِيمَــــةِ وَ الْالْتِزَامِ بِمَنْهَجِ الْاِعْتِدَالِ فَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا لاَ إِفْرَاطُ و لاَ شَطَطُ.​
نَفِدَ صَبْرُ مَسْعُودَةَ فَطَفِقَتْ تَقْرَعُ الأَرْضَ بِحَوافِرِهَا وَ تَثْغُـــــــو دُونَ انْقِطَاعٍ وَ كَأَنَّ فِي الْأَمْرِ سِرًّا . فَقِهَ يُوسُفُ سلوكيَاتِهَا فَسَأَلَهَا فِي حَيْرَةٍ وَ هْوَ يُرَبِّتُ عَلَى ظَهْرِهَا تَرْبِيتًا وَدِيعًا:​
- « هَيَا أَفْصِحِي عَمَّا يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِكَ بِحُرِّيَةٍ دُونَ وَجَلٍ »​
- « عَائِشَةُ سَقَتْنِي هَذَا الصَّبَاحَ مَاءً فُرَاتًا فِي سَطْلٍ صَغِيرٍ وَ نَسِيَتْ إِطْعَامِي فَلَوْ كُنْتُ شَبْعَانَةً لَمْ أَقْضِمْ أَوْرَاقَ زَيْتُونَةٍ مُبَارَكَةٍ وَ بَرَاعْمَهَا الْفَتِيَّةَ »​
- « لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ . كُونِي واَثِقَةً مِنْ أَنَّنِي سَأُحَاسِبُهَا عَلَى هَفْوَتِهَا هَذِهِ حِسَابًا عَسِيرًا »​
- « لاَ تَكُنْ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ تُعَامِلُهَا بِقَسْوَةٍ لِأَتْفَـــه خَطَئٍ تَرْتَكِبُهُ فَهْيَ أُخْتُكَ الْوَحِيدَةُ »​
- « لاَ تَشْغَلِي بَالكِ فَأنَا هَادِئُ الطَّبْعِ، رَصِينٌ »​
- « لَنْ تَزِيدَكَ الرَّصَانَةُ إِلاَّ تَبْجِيلاً وَوَقَارًا »​
- « هَيَّا ادْخُلِي الزَّرِيبَةَ فِي سَلام كَيْ تَسْتَظِلِّي مِنْ لَفْحِ الْهَجِيرِ وَ تَقْتَاتِي شَعِيرًا مُنَقًّى ، مُحَلًّى بِالتَّمْرِ »​
- « إِنَّ الظِّلَّ فِي هَذَا الحّرِّ الشَّدِيدِ مَنْشُودٌ وَ أَنَّ صَاعَ الشَّعِيرِ الْمُصَفَّى مَوْجُودٌ »​
- « بِكُلِّ سُرُورٍ عَلَى أَنْ لاَ تَضُرِّي بِالْأَشْجَارِ مَرَّةً ثَانِيَةً حَتَّى تَبْقَى خَضْرَاءَ، نَضِرَةً تُضْفِي عَلَى الْحَدِيقَةِ رَوْنَقًا وَ بَهَاءً ».​
- « وَ أَنْتُمْ إِيَّاكُمْ أَنْ تَتْرُكُونِي أَتَضَوَّرُ جُوعَا فَأَنَا لاَ أَتَحَمَّلُ الطُّوَى سَاعَــاتٍ طَوِيلَةً مِنَ النَّهَارِ. كُونُوا وَائِقِينَ مِنْ أَنَّ ضَرْعِي سَيَدُرُّ عَلَيْكُمْ فِي الْخَرِيفِ الْمُقْبِلِ لَبَنًا غَزِيرًا ، نَمِيرًا »​
- « عَلَيْنَا أَنْ نَرْفَقَ بِكِ وَ بِكُلِّ الْحَيَواَنَاتِ تَأَسِّيًا بِقَوْلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: دَخَلَتْ اِمْرَأةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ »​
مَا أَجْمَلَ أَنْ يَفِيَ يُوسُفُ بِوَعْدِهِ وَ هْوَ يَكَادُ يَطِيرُ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ !​
هَا هُو يُوسُفُ يُنَقِّي صَاعَ الشَّعِيرِ مِنَ الْحَسَكِ فِي اهْتِمَام وَ حُبُورٍ وَ يُذْرِي عَلَيْهِ حَفْنَةً مِنَ التَّمْرِ الشَّهِيِّ وَسَطَ معْلَفٍ صَغِيرٍ مِنَ الْحِجَارَةِ الصُّلْبَةِ ثُمَّ يَغْمُرُ رَأْسَ مِعْزَاتِهِ مَسْعُودَةَ بِعَشَرَاتِ الْقُبُلاَت الْحَارَّةِ . اِنْبَرَتْ مَسْعُودَةُ تَلْتَهِمُ طَعَامَهَا اللَّذِيذَ فِي نَهَمٍ شَدِيدٍ وَ انْبَرَى يُوسُفٌ يُدَنْدِنُ لَهَا بِأُغْنِيَةٍ عَذْبَةٍ فَاتَّسَمَتْ نَبَرَاتُ صَوْتِـــــــهِ بِالْجَزَالةِ و الرَّخامَــةِ وَ جَوْدَةِ الْأَدَاءِ .​
يَا حَبَّذَا لَوْ كَانَ لِيُوسُفَ قَطِيعٌ صَغِيرٌ مِنَ الْغَنَمِ يَسُوقُهُ كُلَّ صَبَاحٍ بَاكِرٍ خِلاَلَ الْعُطَلِ إِلَى الْمَرَاعِي لِيَقْطِفَ عَلَى أَنْغَامِ شَبَّابَتِهِ كَلَاً غَضًّا طَرِيًّا أَرْضَعَتْهُ الشَّمْسُ بِأَنْوَارٍ أُرْجُوَانِيَّةٍ وَ رَوَاهُ الطَّلُّ بِأَفْوَافٍ عِذَابٍ.​
أَقْفَلَ يُوسُفُ بَابَ الزَّرِيبَةٍ جيِّدًا ثُمَّ أَقْفَلَ رَاجِعًا إِلَى غُرْقَتِهِ بِخَطْوٍ حَثِيثٍ وَ هْوَ يُمَنِّي نَفْسَهُ بِنَسِيمٍ رَخْوٍ وَ كُوزِ مَاءٍ بَارِدٍ يُطْفِئُ ظَمَأَهُ وَ نَوْمٍ مُرِيحٍ يُنْسِيهِ فِي لَفْحِ الْهَجِيـــــــرِ وَ فِي أُخْتِهِ الْمُشَاغِبَةِ ، المُتَنَطِّعَةِ وَ فِي تِلْكَ الزَّيْتُونَةِ الْمَنْكُوبَةِ الَّتِي فَقَدَتْ نَضَارَتَهَا وَ اخْضِرَارَهَا .​
وَ ظَلَّ يُوسُفُ مُتَمَدِّدًا عَلَى فِرَاشِهِ وَ هْوَ مُغْرِقٌ فِي تَفْكِيرٍ عَمِيقٍ يَكَادُ يَجْهَشُ بِالبُكَاءِ أَسَفًا وَ حُزْنًا عَلَى زَيْتُونَةٍ مُحَطَّمَةٍ. وَ بَعْدَ لَحَظَاتٍ مِنَ الْأَسَى تَسَلَّحَ بِالصَّبْرِ فَسَرَى فِي وِجْدَانِهِ أَمَلٌ بَهِيجٌ فَقَالَ وَ هْوَ مُتَعَطِّشٌ إِلَى جُرْعَــــــــةٍ مِنَ الْاِنْشِـــرَاحِ وَ الطُّمَأْنِينَةِ : « لاَ تَحْزَنْ وَ لاَ تَبْتَئِسْ أَرِحْ أَعْصَابكَ بِسِنَةٍ مِنَ النَّوْمِ فَإِنْقَاذُ هَذِهِ الزَّيْتُونَةِ الْمُبَارَكَةِ أَمْرٌ يَسِيرٌ لِلْغَايَةِ لاَ يَتَطَلَّبُ أَدْنَى مَشَقَّةٍ » .​
فَلمْ يَمْضِ وَقْتٌ حَتَّى أَطْبَقَ يُوسُفُ جَفْنَيْهِ وَ اسْتَسْلَمَ لِرُقَادٍ مُرِيحٍ و حُلْمٍ هَنِيءٍ لاَ تُكَدّرُ صَفْوَهُ لاَ كَوَابِيسُ وَ لاَ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ.​
وَ عِنْدَ الْأَصِيلِ ، تَفَيَّأَتْ أُسْرَةُ أَحْمَدَ كَالْعَادَةِ الظِّلاَلَ الوَارِفَةً لِهَذهِ الزَّيْتُونَةِ الْعَرِيقَةِ لِلتَّفكُّهِ وَ التَّنَدُّرِ وَ َاسْتِنْشَاقِ النَّسِيمِ الْعَلِيلِ وَ شُرْبِ الشَّايِ الْأَخْضَرِ الْمُحَلَّى بِالنَّعْنَاعِ . لَقَدْ تَرَبَّعَ جَمِيعُهُمْ فٍي جِلْسَتِهِمْ مُتَوَاضُعِينَ ، مَسْرُورِينَ عَلَى رَمْلٍ مُصْفَرٍّ كَالزَّعْفَرَانِ نَاعِم كَالْحَرِيرِ. كَانَت مَرْيمُ تُوَزِّعُ عَلَى جُلَسَائِهَا كُؤُوسَ الشَّايِ الْأَخْضَرِ فِي سَخَــــاءٍ وَ هْيَ طَلْقَةُ المُحَيَّا ، بَاسِمَةُ الثَّغْرِ. وَ كَانَ أَحْمَدُ يَحْكِي لَهُمْ عَنْ مَوَاعِيدِ أَعْرَاسِ هَذِهِ الصَّيْفِ فِي أُسْلُوبٍ طَرِيفٍ وَ هْوَ يُمْعِنُ النَّظَرَ مِنْ خِلاَلِ نَظَّارَتِهِ الطِّبِيَّةِ فِي كُنَّشٍ بَالٍ ، مُتَآكِلٍ أَكَلَ عَلَيْــــهِ الدَّهْــــر وَ شَرِبَ. أَمَّا يُوسُــفٌ وَ عَائِشَةُ فَكَانَا حِينًا يُنْصِتَانِ إِلَى حَدِيثِ أَبِيهِمَا أَحْمَدَ بِاهْتِمَامٍ بَالِغٍ وَ حِينَا يَحْدِجَانِ بَعْضَهُمَا بِنَظَرَاتِ انْكِسَارٍ وَ هُمَا يرتشفان الشَّايَ الأَخْضَرَ وَحِينًا آَخَرَ يَنْغَمِسَانِ فِي دَرْدَشَاتٍ مُسَلِّيَةٍ مَعَ بَعْضِ الرٍّفَاقِ عَبْرَ الْعَالَمِ الْاِفْتِرَاضِيِّ السَّاحِرِ للفِيس بوك أَوْ الْمِسَنجر .​
وَعَلَى حِينِ غَفْلَةٍ ، طَرَأَ مَا لَيْسَ فِي الْحِسْبَانِ : اهْتَزَّتْ هَذِهِ الزَّيْتُونَةُ الْمُبَارَكَةُ بِأُعْجُوبَةٍ خَارِقَةٍ لِلْعَادَةٍ فَتَطَايَرَتْ أَغْصَانُهَا الْمُتَضَرٍّرَةُ فِي الْفَضَاءِ عَالِيًــا ثُمَّ هَوَتْ بَعِيدًا سَاكِنَةً ، هَامِدَةً كَأَنَّهَا عَصْفٌ مَأْكُولٌ. وَ الْأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ اكْتِسَاءُ هَذِهِ الزَّيْتُونَةِ الْعَجِيبَةِ فِي بِضْعَةِ ثَوَانٍ بِحُلَّةٍ قَشِيبَةٍ مِنَ الأَوْرَاقِ الْفَتِيَّةِ لَمْ تَعْرِفْ مَثِيلاً لَهَا حَتَّى فِي السَّنَواتِ الْمُمْطِرَةِ. وَ شَاءَتِ الْأَقْدَارُ أَنْ تَتَكَلَّمَ هَذِهِ الزَّيْتُونَةُ كَمَا تَكَلَّمَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الْمَهْدِ صَبِيَّا فَهَا هِيَ تُشَنِّفُ آذَانَهُمْ بِكَلاَمٍ عَرَبِيّ فَصِيحٍ تَخْنِقُهُ عَبَرَاتٌ سَخِينَةٌ :​
- « هَلْ يُمْكِنُ أَنْ أَقُصَّ عَلَيْكُمْ سِيرَتِي الذَّاتِيَّةَ لِتَتَأَكَّدوا مِنْ عَرَاقَةِ تَارِيخِي فَتَنْدَفِعُونَ فِي عَفْوِيَّةٍ إِلَى إِيلاَئِي مَزِيدًا مِنَ الْعِنَايَةِ وَ الْاهْتِمَامِ ؟ »​
ظَلَّ الْجَمِيعُ مَبْهُوتِينَ ، مَشْدُوهِينَ عَلَى غَايَــــــةٍ مِـــــــــنَ الاِسْتِغْرَابِ وَ الارْتِيَاعِ لِهَوْلِ مَا رَأَوْا وَ سَمِعُوا: أَفْوَاهُهُمْ فَاغِرَةٌ وَ أَعْيُنُهُمْ شَاخِصَةٌ وَ هَامَاتُهُمْ مُنْتَصِبَةٌ فَكَأَنّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ الطَّيْرُ . لَمْ يَسْتَرْسِلْ صَمْتُ هؤلاء طَوِيلاً لِأَنَّ السَّيِّدَ أَحْمَدَ أصَرَّ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ هَذِهِ الزَّيْتُونَةَ وَ هْوَ يُقَهْقِهُ مِلْءَ فِيهِ مُتَهَكِّمًا:​
- « هَلْ نَحْنُ مَجَانِينُ حَتَّى نَسْتَمِعَ إِلَى شَجَرَةٍ خَرْسَاءَ لاَ تَمْلِكُ لِسَانًا وَ شَفَتَيْنِ؟ هَلْ مِنَ الْعَقْلاَنِيَّةِ وَ الْوَجَاهَةِ أَنْ نُكَلِّمَكِ أَيَّتُهَا النَّبْتَةُ الْبَلْهَاءُ ؟ »​
- « اِمْنَحُونِي ثِقَتَكُمْ وَ لاَ دَاعِيَ لِلسِّجَالِ الْعَقِيمِ الَّذِي لاَ يُجْدِي نَفْعًا»​
- « قُصِّي لَنَا حِكَايَتَكِ مِنْ بِدَايَتِهَا إِلَى نِهَايَتِهَا لَعَلَّهَــا تَكُونُ مُسَلِّيَةً زَاخِرَةَ بِالْمَواعِظِ وَ الْعِبَــرِ »​
- « لَمْ يَنْضِبْ مَعِينُ سَالِمٍ مِنَ الْخُرَافاتِ الْقَدِيمَةِ وَ الْحِكَمِ وَ الْأَمْثَالِ الشَّعْبِيَّةِ فَهَا هُو يَجْلِسُ الْقُرْفُصَاءَ عَلَى مَرْقُومٍ مُخَطَّطٍ سَمِيكٍ قُرْبَ كَانُونٍ مُتَوَهِّجِ الْجَمَرَاتِ،شَدِيدِ اللَّظَى وَقَدْ اشْرَأَبَّتْ إِلَيْهِ أَعْنَاقُ أَبْنائِهِ وَ زَوْجَتِهِ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي رِوَايَةِ حِكَايَــــةِ (غَرَسُــــوا فَأَكَلْنَا وَ نَغْرِسُ فَيَأْكُلُونَ) عَلَى ضَوْءِ مِصْبَاحٍ نَفْطِيٍّ بأسلوب سَهْلِ طَرِيفٍ وَ بِعَرَبِيَّةٍ مُبَسَّطَةٍ .​
فِي قَدِيمِ الزَّمانِ وَ فِي سَالِفِ الْعَصْرِ وَ الْأَوَانِ مَرَّ مَلِكُ الْفُرْسِ كِسْرَى أَثْنَاءَ نُزْهَتِهِ فِي الرِّيفِ بِفَلاّحٍ طَاعِنٍ فِي السِّنِّ ، مُقَوَّسِ الظَّهْرِ ، يَغْرِسُ شَجَرَةَ زَيْتُونٍ فَحَيّاهُ فِي أَدَبٍ وَ أَرْدَفَ قَائِلاً وَهْوَ مُنْبَهِرٌ بِحَزْمِهِ وَ وَفَائِهِ لِلْأَرْضِ :​
- « أَيُّهَا الشَّيْخُ الْوَقُورُ أَ تَأْمَلُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِ هَذِه الشَّجَرَةِ الْمُبَارَكَةِ وَ سِنُّكَ قَدْ أَنَافَ عَنِ التِّسْعِينَ» فَرَدَّ عَلَيْهِ هَذَا الْفَلاّحُ الْحَكِيمُ مُبْتَسِمًا وَ قَدْ تَلَأْلَأَتْ الدُّرَرُ فَوْقَ جَبِينِهِ الْمُجَعَّدِ :​
- « غَرَسُــــوا فَأَكَلْنَا وَ نَغْرِسُ فَيَأْكُلُونَ »​
فَأُعْجِبَ كِسْرَى بِجَوابِ الْفَلاَّحِ وَ نَبَاهَتِهِ إِعْجَابا بَالِغًا وَ وَهَبَهُ جَائِزَةً قَيِّمَةً ثُمَّ وَدَّعَهُ تَوْدِيعًا حَارًّا وَهَمَّ بِالْاِنْصِرَافِ وَ لَكِنَّ هَذَا الشَّيْخَ لَمْ يَكْتَفِ بِتِلْكَ الْحِكْمَةِ الْبَدِيعَةِ بَلْ اسْتَطْرَدَ قَائِلاً فِي نَخْوَةٍ وَ اعْتِزَازٍ :​
- « إِنَّ الْغَرْسَ يُثْمِرُ مَرَّةً فِي الْعَامِ بَيْنَمَا غَرْسِي يُثْمِرُ- وَ الْحَمْدُ لِلهِ - مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ»​
أَمَرَ لَهُ كِسْرَى بِجَائِزَةٍ ثَانِيَةٍ ثُمَّ عَادَ مُغْتَبِطًا ، نَاعمَ الْبَالِ إِلَى قَصْرِهِ الْفَاخِرِ عَلَى صَهْوَةِ فَرَسَهِ الْأَغَرِّ الَّذِي يَنْهَبُ الْأَرْضَ نَهْبًا .​
اِسْتَحْسَنَ الْأَطْفَالُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ اِسْتِحْسَانًا عَظِيمًا فَتَوَسَّلُوا فِي مُنْتَهَى اللُّطْفِ إِلي وَالِدِهِمْ سَالِمٍ أَنْ يُوَفِّرَ لَهُمْ مَشَاتِــلَ الزَّيْتُــونِ كَيْ يَغْرِسُوهَا فِي حَدِيقَةِ الْمَنْزِلِ فَكَانَ لَهُــمْ مَا أَرَادُوا فَأَبُوهُمْ يُحِبّهُـــمْ حُبًّـا جَمًّا وَ يُشَجِّعُهُمْ عَلَـــى غَرْسِ الْأَشْجَــــــارِ وَ التَّعَلُّقِ بِالْأَرْضِ فَهْيَ فِي نَظَرِهِ طَيِّبَةٌ ، مِعْطَاءُ.​
وَ ذَاتَ صَبَاحٍ بَارِدٍ أَنْزَلَ الْفَلاَّحُ سَالِمٌ مِنْ عَرَبَتِهِ خَمْسَةَ مَشَاتِلَ زَيْتُونٍ سَلَّمَ وَاحِدَةً مِنْهَا إِلَى وَلَدِهِ أَحْمَدَ وَ وَزَّعَ مَا تَبَقَّـــى مِنْهَـــــا عَلَى بَنَاتِــــهِ الْأَرْبَعَةِ.​
تَسَلَّمَتْنِي زَهْرَةُ فِي انْشِرَاحٍ وَ ضَمَّتْنِي إِلَى حِضْنِهَا الدَّافِئِ وَ غَمَرَتْنِي بِسَيْلٍ مِنَ الْقُبُلِ ثُمَّ غَرَسَتْنِي بِيَدَيْهَا الْبَضَّتَيْنِ النَّاعِمَتَيْنِ ٍ فِي مَكَانِ آَمِنٍ قُبَالَةَ شُبَّاكِ غُرْفَتِهَا. هَيَّأَتْ لِي بِوَاسِطَةِ الْمُشْطِ حَوْضًا مُسْتَدِيرًا يَتَّسِعُ لِحَوَالَيْ خِمْسِينَ لِتْرٍ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ شَدَّتْنِي بِعِنَايَةٍ إِلَى قَضِيبٍ حَدِيدِيٍّ لِأَحْتَمِيَ بِهِ مِنْ عَصْفِ الرِّيَاحِ وَ غَزَارَة الْأَمْطَار وَ أَنْمُوَ مُسْتَقِيمَةً، مُثَقَّفَةً كَالرُّمْحِ.​
وَ إِثْرَ عَمَلِيَّةِ السَّقْيِ، مَسَّحَتْ زَهْرَةُ عَلَى غَرْسَتِهَا الْجَدِيدَةِ فِي وَدَاعَةٍ مُنْعَدِمَةِ النَّظِيرِ وَ طَفِقَتْ تَتَأَمَّلُهَا فِي إِعْجَابٍ وَعَلَى شَفَتَيْهَا الْوَرْدِيَّتَيْنِ كَلاَمُ مَعْسُولٌ : « كَمْ أَنَا فَخُورَة بِكِ أَيَّتُهَا الزَّيْتُونَةُ الْفَتِيَّةُ ! مَا أَجْمَلَكِ وَ مَا أَعْطَرَكِ ! أَنَا بَيْضاءُ الْبَشَرَةِ ، فَارِعَةُ الْجِسم أَمَّا أَنْتِ فِي غِلْظِ سَبَّابَتِي لاَ تَرْتَفِعُ قَامَتُكِ فَوْقَ الْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ مِتْرٍ أَمَّا عَدَدُ أَوْرَاقِكِ السُّنْدُسِيَّةِ الْبَهِيَّةِ لاَ يَتَجَاوَزُ الْمِائَةَ . »​
وَ مَا إِنْ أَتَمَّ سَالِمٌ وَ زَوْجَتُهُ وَ أَبْنَاؤُهُ تَشْجِيرَ الْحَدِيقَةِ الصَّغِيرَةِ حَتًّى أَمْعَنُوا النَّظَرَ فِيهَا وَ أَعْيُنُهُمْ مُتْرَعَةٌ بِالْإِعْجَابِ وَ قُلُوبُهُمْ طَافِحَةٌ بِالْغِبْطَة. كَانَتْ قَهْقَهَاتُهُمْ الْعَفْوِيَّةُ وَ نَوادِرُهُمْ الطَّرِيفَةُ تُضْفِي عَلَى الْمَكَانِ رَوْنَقًا وَ أُنْسًا وَ عِطْرًا .​
بَقِيَتْ زَهْرَةُ تَحْرُسُنِي طَوَالَ النَّهَارِ فَهْيَ ظَلَّتْ تَرْمُقُنِي بِعَيْنَيْهَا النَّجْلاَوَيْنِ فِي صَمْتٍ مُطْبَقٍ غَيْرَ عَابِئَةٍ بِدُمْيَتِهَا الْجَمِيلَةِ الَّتِي تَعَفَّرَ شَعْرُهَا الْفَاحِمُ وَ النَّاعِمُ بِالتُّرَابِ. وَ لَوْلاَ خَوْفُ زَهْرَةَ مِنْ وَالِدِهَا سَالِمٍ لَبَاتَتْ بِجِوَارِي قَرِيرَةَ الْعَيْنِ فِرَاشُهَا أَدِيمُ الْأَرْضِ وَ لِحَافُهَا السَمَاءُ الْمُطَرَّزَةُ بِنُجُومٍ بَرَّاقَةٍ كَأَنَّهَا الدَّنَانِيرُ. وَ مَا إِنْ نْبَلَجَ الصُّبْحُ حَتَّى هَرَعَتْ زَهْرَةُ إِلَيَّ تَتَفَقَّدُنِي . تَحَسَّسَتْ أَوْرَاقِي الطَّرِيَّةً بِأَنَامِلِهَا الرَّقِيقَةِ فِي شَوْقٍ وَجَادَتْ عَلَيَّ بِمَا فَاحَ مِنَ الٌقُبُلاَتِ ثُمَّ حَبَتْنِي بِتَحِيَّةٍ أَنِيقَةٍ عَطِرَةٍ : « صَبَاحَ النُّورِ وَ الْحُبُورِ وَ الْوَرْدِ الْمَنْثُورِ . مَا شَاءَ اللهِ عَلَيْكِ وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ » .​
سَمَّدَتْ زَهْرَةُ تُرْبَتِي بِالسّماَدِ الْعُضْوِيِّ لِإِخْصَابِهَا وَ مَلَأَتْ قُلَّتَيْ مَاءٍ مِنَ الْمَاجِلِ ثُمَّ سَقَتْنِي وَ هْيَ تُعَلِّلُ نَفْسَهَا بِآَمَالٍ عَرِيضَةٍ تَخُصُّنِي :« لَيْتَكِ تَنْمِينَ بِسُرْعَةٍ مُذْهِلَةٍ فَتَصِيرِينَ فِي ظَرْفِ ثَلاَثَةِ شُهُورٍ شَجَرَةً عِمْلاَقَةً ظِلاَلُهَا مُمْتَـــــدَّةٌ وَ أَفْنَانُهَا مُحَمَّلَةٌ زَيْتُونًا أَسْوَدَ ،لاَمِعًا كَالْعَنَاقِيدٍ».​
وَ مَضَتْ زَهْرَةُ تَرْعَانِي رِعَايَةً لاَ مَثِيلَ لَهَا بِيَدِهَا وَ مُقْلَتِهَا وَ قَلْبِهَا فَهْيَ كَانَتْ فِي عِدَّةِ فَتَرَاتٍ مِنَ النَّهَارِ تُطِلُّ عَلَيَّ مِنْ نَافِذَتِهَا لِلْاِطَمِئْنَانِ عَلَى حَالِي: هَلْ أَنَا فِي عَافِيَةٍ و أَمَانٍ ؟ هَلْ أَنَا فِي حَاجَةٍ إِلَى الْمَاءِ وَ الْهَواءِ وَ السَّمَادِ وَ الْمِقْرَضِ لِتَشْذِيبِ أَغْصَانِي الْآبِدَةَ ؟​
وَ كَمْ اِسْتَبْشَرَتْ زَهْرَةُ حِينَمَا رَدَدْتُ عَلَيْهَا السَّلاَمَ ذَاتَ ضُحًى مِنْ رَبِيعِي الثَّالِثِ بِحَفْنَاتٍ مِنَ أَزْهَارِي الْبَيْضَاءِ ! وَ مَا إِنْ حَلَّ شَهْرُ سِبْتَمْبَرَ مِنَ السَّنَةِ ذَاتِهَا حَتَّى تَضَاعَفَتْ بَهْجَةُ زَهْرَةَ لِأَنّ أَزْهَارِي الْبَيْضَاءَ أَصْبَحَتْ زَيْتُونًا أَخْضَرَ يُنْبِئُ بِخَيْرٍ وَفِيرٍ .​
وَ عِنْدَ بُلُوغِي عَشْرَ سَنَوَاتٍ تَزَوَّجَتْ زَهْرَةُ فَأَجْهَشْتُ بِالْبُكَاءِ أَسَفَا عَلَى فِرَاقِهَا وَ لَكِنْ مِنْ أَلْطَافِ اللَّهِ أَنَّ شَقِيقَهَا أَحْمَدَ أَخْمَدَ نِيرَانَ الْحُزْنِ الَّتِي تَضْطَرِمُ فِي دَاخِلِي بِابْتِسَامَتِهِ الْعَذْبَةِ وَ عَطْفِهِ الْمُتَدَفِّقِ عَلَيَّ وَ عِنَايَتِهِ المُتَواصِلَةِ بِي .​
لَمْ تَنْقَطِعْ زَهْرَةُ عَنْ زِيَارَتِي بَعْدَ زَوَاجِهَا وَ قَدْ اِتَّسَمَتْ كُلُّ لِقَاءَاتِنَا بِالْمَــــــوَدَّةِ وَ الْأُنْسِ وَ الْأُلْفَةِ . إِنَّهَا لاَ يَهْدَاُ بَالٌ إِلاَّ إِذَا بَاسَتْ جِذْعِي المُسْتَقِيمَ فِي حُنُوٍّ وَ قَبَعَتْ فِي ظِلِّي الْوَارِفِ لِتَسْتَعِيدَ شَرِيطَ طُفُولَتِهَا الْمَعْسُولَةِ دُونَ أَنْ تَغْفَلَ عَنْ أَهَمِّ صُوَرِهِ فَذَاكِرَتُهَا صَقِيلَةٌ كَالْمِرْآةِ لَمْ تَشْهَدْ لاَ خَمْشًا وَ لاَ خَدْشًا.​
وَ فِي آخِرِ زِيَارَةِ أَدَّتْهَا إِلَيَّ زَهْرَةُ كَانَ عُمُرِي سَبْعِينَ رَبِيعَا أَمَّا هِي فَقَدْ شَارَفَتْ الثَّمَانِينَ . قَبَعَتْ الْمِسْكِينَةُ ْقُبَالَتِي تَتَفَرَّسُ مَلاَمِحِي مَنْهُوكَةً، لاَهِثَةً، مُسْنِدَةً ظَهْرَهَا الْمُقَوَّسَ إِلَى جِدَارٍ قَدِيمٍ، مُكَلَّسٍ بِالْجِيرِ.​
وَ بَعْدَ هُنَيْهَةِ تَأَمُّلٍ لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا وَفَدَ فِيهَا مِنْ ذِكْرَيَاتٍ عَلَى مُخَيِّلَتِهَا تَنَاوَلَتْ عُكَّازَهَا فِي تَثَاقُلٍ وَ انْبَرَتْ تَرْسُمُنِي عَلَى الرَّمْلِ بِأَنَامِلِهَا الْمُرْتَعِشَةِ فِي تَفَنُّنٍ وَ ذَوْقٍ فَرِيدٍ. وَ مَا إِنْ اِنْتَهَتْ مِنَ الرَّسْمِ حَتَّى هَمَسَتْ إِلَيَّ بِكَلاَمٍ تَبْرِيهِ الْعِلَّةُ وَ تَبَحُّهُ الْحَسْرَةُ وَ يُمَزِّقُهُ الْأَلَمُ : « يَا قُرَّةَ عَيْنِي أَنَا وَ أَنْتِ نَسِيرُ فِي اتِّجَاهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ : أَنَا أَمْشِي إِلَى الذُّبُولِ وَ الْوَهَــــنِ وَالْعَجْـــــزِ وَ الْفَنَـاءِ وَ أَنْتِ تَمْشِينَ إِلَى الْعَظَمَــــــةِ وَ التَّمَدُّدِ وَ الْاِزْدٍيَادِ حَتَّى اِسْتَحَالَ عَلَى أَخِي أَحْمَدَ فِي مَوْسِمِ جَنْيِ الزَّيْتُونِ أَنْ يُدْرِكَ أَغْصَانَكِ الْمُتَطَرِّفَةَ مِنْ أَعْلَى صَرَّافَتِهِ الْعَالِيَـــــةِ . وَ بِالرَّغْمِ مِنَ سَيْرِنَا فِي اتِّجَاهَيْنِ مُتَعَاكِسَيْنِ فَنَحْنُ مُتَحَابَّانِ حُبًّا وَطِيدًا لَنْ يَقْطَعَ حَبْلَهُ الْمَتِينَ إِلاَّ الْمَوتُ .​
كَمَا لاَ يَخْفَى عَنْكِ أَنَّنِي تَجَشَّمْتُ عَنَاءَ الْمَشَيِ إِلَيْكِ بِخَطْوٍ وَئِيدٍ وَ أَنَا أَشْعُرُ بِفَرْحَةٍ غَامِرَةٍ تَهُزُّنِي هَزَّا عَنِيفَا فَمَا أَسْعَدَنِي هَذَا الْيَوْمَ وَ أَنَا أُصَافِحُ رَفِيقَةً وَدُودَةً هِيَ عَرُوسُ هَذِهِ الْحَدِيقَةِ السَّاحِرَةِ الْغَنَّاءِ » .​
وَ شَاءَتِ الْأَقْدَارُ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَنْ تَنْتَقِلَ زَهْرَةُ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ فَنَزَلَ عَلَيَّ هَذَا الخَبَرُ الْأَلِيمُ نُزُولَ الصَّاعِقَةِ وَ اغْرَوْرَقَتْ أَوْرَاقِي بِالدُّمُوعِ حُزْنًا عَلَيْهَــا وَ أَسَفًا عَلَى رَحِيلِهَا . تَجَمَّلْتُ بِالصَّبْرِ وَ لِسَانُ حَالِي يُرَدِّدُ فِي اضْطِرَابٍ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.​
يَا سَادَتِي الْأَفَاضِلُ ، أَطْلِقُوا عَلَيَّ اسْمَ زُهْرَةَ وَفَاءً لِمَنْ غَرَسَتْنِــــــــــي وَ احْتَضَنَتْنِي فِي حُبٍّ وَ اطْمِئْنَانٍ دُونَ أَيِّ إِهْمَالٍ وَ تَقْصِيرٍ . عَلَيْكُمْ أَنْ تَقْتَدُوا بِهَـــــــا وَ تَتَّخِذُوهَا نِبْرَاسًا لَكُمْ تَسْتَنِيرُونَ بِهِ وَ تَسِيرُونَ عَلَى هَدْيِهِ فَلَنْ أَسْمَحَ لَكُمْ بَعْدَ الْيَوْمِ بِأَنْ تَتْرُكُونِي عَطْشَى أَوْ لُقْمَةً سَائِغَةً لِمِعْزَاةٍ بَلْهَـــــاءَ تَجْهَــــلُ عَراقَتِي وَ أُصُولِي الْفِينِيقِيَّةَ الضَّارِبَةَ فِي الْقِدَمِ .​
أُكْمِلُ حَكَايتِي بِهَذَا الْاِقْتِرَاحِ فَإِنْ كَانَ وَجِيهًا فَاحْرِسُوا عَلَى تَطْبِيقِهِ وَ كُلّكُمْ أَمَلٌ أَنْ تَزْدَادَ هَذِهِ الْحَدِيقَةُ جَمَالاً وَ إِثْمَارًا وَ إِنْ كَانَ وَضِيعًا تَخَلَّوْا عَنْهُ فِي الْحِينِ فَالرَّأْيُ رَأْيُكُــــــمْ وَ الْقَرَارُ قَرَارُكُمْ.​
قَالَتْ مَرْيَمُ بِصَوْتٍ هَادِئِ النَّبَرَاتِ يَفِيضُ بِشْرًا وَ حُبُورًا :​
- « يَا زَهْرَةُ هَاتِي اقْتِرَاحَكِ فَكُلُّنَا آذَانٌ صَاغِيَةٌ إِلَيْكِ »​
- « خِلاَلَ هَذَا الصَّيْفِ لاَ تُلْقُوا بُذُورَ الْغِلاَلِ كَالْعَادَةِ فِي سَلَّةِ الْمُهْمَلاَتِ بَــلْ اغْسِلُوهَا جَيِّـــــدًا وَ جَفِّفُوهَا تَحْتَ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ ثُمَّ اخْزِنُوهَا فِي كِيسٍ مِنَ الْوَرَقِ حَتَّى لاَ تَتَعَفَّـــــنَ . وَ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ عَجِّلُوا بِطَمْرِهَا بَيْنَ أَتْلاَمِ سِكَّةِ الْمِحْرَاثِ فِي الْحَدِيقَــةِ وَ إِذَا كَانَ حُلْمُكُمْ كَبِيرًا وَ أَشْمَلَ أَلْقُوهَا دُونَ تَهَاوُنٍ فِي الْبَرِّيَةِ حَتَّى يَتَضاعَفَ عَدَدُ الأَشْجَارِ المُثْمِرَةِ فَنُحُقِّقَ الْأَمْنَ الْغِذَائِيَّ وَ يَعُمَّ الْاِخْضِرَارُ وَ الرَّخَاءُ وَطَنِنَا الْعَزِيزَ» .​
قَالَتْ عَائِشَةُ فِي احْتِشامٍ وَ هْيَ تَقْفِلُ بِأَنَامِلِهَا الْبَضَّةِ النَّاعِمَةِ أَزْرَارَ سُتْرَتَهَا الْمُقَعَّرَةِ:​
- « نِعْمَ الْاِقْتِرَاحُ دَعُونَا نُحَقِّقُ حُلْمَ زَهْرَةَ فَأَنَا أَظُنُّ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ عَلَى عِلْمٍ أَنَّ التَّايْلَنْدِيِّينَ وَ الْمَالِيزِيِّينَ قَامُوا بِثَوْرَةٍ زِرَاعِيَّة جَبَّارَةٍ فَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الذِّكْرِ لاَ الْحَصْرِ هَبُّوا فُرَادَى وَ جَمَاعَاتٍ لِإِلْقَاءِ بُذُور الْغِلاَلِ وَ البُقُولِيَاتِ فِي الْأَرَاضِي الْقَاحِلَةِ أَمَلاً فِي إِحْيَائِهَا فَأَمْسَتْ خَضْرَاءَ، مِعْطَاءَ، وَافِرَةَ الْإِنْتَاجِ تُبَشِّرُ بِنُمُوٍّ اقْتِصَادِيٍّ مُضْطَــــــــرِدٍ . وَ فِي ذَلِكَ مُقَاوَمَةٌ لِلتَّصَحُّرِ وَ تَأْمِينٌ لِلْغِذَاءِ وَ اطْمِئْنَانٌ عَلَى الْأَجْيَالِ الْقَادِمَـةِ »​
وَ حِينَمَا حَظِيَ هَذَا المَشْرُوعُ الْمُقْتَرَحُ بِالْقُبُولِ أَطْرَبَتِ الطُّيُورُ الْحَاضِرِينَ مِنْ أَعَالِي الْأَشْجَارِ بِشَدْوِهَا الرَّخِيمِ وَ رَقَصَتْ زَهْرَةُ رَقْصًا جَمِيلاً فَرَحًا وَ انْتِشَــــاءً. وَ فِي غِمَارِ هَذَا الْجَوِّ الْمُرِيحِ الْمُتَّسِمِ بِالْمَرَحِ وَ الْانْبِسَاطِ حَدَجَ يُوسُفُ أُخْتَهُ عَائِشةَ بِنَظْرَةِ ارْتِيَابٍ بَعِيدَةِ الْغَوْرِ فَرَفَعَتْ رَأَسَهَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي ازْدِرَاءٍ وَ شَفَتَاهَا الْقُرْمُزِيَّتَانِ تُصَوِّرَانِ ابْتِسَامَةً مَغْصُوبَةً ، مُتَكَلِّفَةً ثُمَّ قَالَتْ فِي صَفَاقَةٍ :​
- « هَلْ أَنَا عَارِيَةٌ أَمَامَكَ حَتَى تُعَذِّبَنِي بِهَذِهِ النَّظَرَاتِ الْمَحْمُومَةِ ، الْمَسْمُومَةِ »​
وَ هَمَّ يُوسُفُ بِصَفْعِهَا وَ هْوَ فِي أَوْجِ غَضَبِهِ ثُمَّ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ مُتَوَخِّيًا الْإِقْنَاعَ مَنْهَجًا وَ سَبِيلاً. فِي الْحَالِ أَجَابَهَا يُوسُفُ بِصَوْتٍ مُتَشَنِّجٍ وَ هْوَ يَكَادُ يَنْشَقُّ مِنَ الْغَيْظِ :​
- « أَنْتِ شِبْهُ عَارِيَةٍ فَمِنَ خِلاَلِ قَمِيصٍ مُقَعَّرٍ لاَحَ صَدْرُكِ وَ مِنْ أَسْفَلِ تُبَّانٍ قَصِيرٍ بَانَ فَخِذَاكِ الْأَمْلَدَانِ »​
- « هَذِهِ نَمَاذِجُ جَدِيدَةٌ مِنَ اللِّبَاسِ لِصَيْفِ 2019 الْمَعْرُوفِ بِحَرِّهِ الشَّدِيدِ»​
- « دَعِينَا مِنَ الْمُوضَةِ وَ مُغْرَيَاتِهَا وَ ارْتَدِي لِبَاسًا مُحْتَرَمًا يَسْتُرُ جَسَدَكِ »​
- « لَنْ أَخْلَعَ هَذِهِ الثِّيَابَ الْجَدِيدَةَ الَّتِي شَرَتْهَا لِي أُمِّي مَرْيَمُ مِنْ سُوقِ لِيبيَا عَنْ طِيبِ خَاطِرٍ »​
- « التُّبَّانُ لِلذَّكَرِ وَ الْقَمِيصُ الشَّفَافُ وَ الْمُقَعَّرُ لِلْمَرْأَةِ الْفَاجِرَةِ ، الْفَاسِقَةِ »​
- « مَنْ أَنْتَ حَتَّى تَحْرِمَنِي مِنْ نَعِيمِ الْحَيَاةِ ؟ اِبْتَعِدْ مِنْ طَرِيقِي وَ اتْرُكْنِي أَتَصَرَّفُ كَمَا يَحْلُو لِي عَلَى شَرْطٍ أَنْ لاَ أُدَنِّسَ شَرَفَ الْعَائِلَةِ »​
- « اُغْرُبِي عَنْ وَجْهِي فَأَنَا لاَ أَتَحَمَّلُ رُؤْيَتَكِ بِهَذَا اللِّبَاسِ الْحَقِيرِ »​
وَ عِنْدَ احْتِدَامِ النِّقَاشِ بَيْنَ يُوسُفَ وَ عَائِشَةَ تَدَخَّلَ أَبُوهُمَا اَحْمَدُ بَعْدَ صَمْتٍ طَوِيلٍ لِإِطْفَاءِ فَتِيلِ الْخِلاَفِ الْقَائِمِ بَيْنَهُمَا فَنَصَحَ ابْنَتَهُ وَ هْوَ مُطْرَقُ الرَّأْسِ مَكْمُودٌ ، مَكْدُودٌ لاَ يَقْوَى عَلَى الْكَلاَمِ :​
- « اِنْصَاعِي لِأَوَامِرِ أَخِيكِ فَهْوَ عَلى حَقٍّ وَ أَنْتِ عَلَى بَاطِلٍ . لاَ تَتَّبِعِي أَهْوَاءَكِ أَيَّتُهَا الْبَهِيَّةُ النَّقِيَّةُ فَهْيَ لَنْ تَقُودَكِ إِلاَّ إِلَى الْمَذَلَّةِ وَ الْخُسْرَانِ. »​
- « أَغْلَبُ صَدِيقَاتِي يَتَّبِعْنَ الْمُوضَةَ فِي أُورُوبَا فَتَارَةً تَكُونُ مَلاَبِسُهُنَّ طَوِيَلــــــةً وَ طَوْرًا تَكُونُ قَصِيرَةً »​
- « إِنَّكُنَّ لًمْ تَأْخُذْنَ مِنَ الْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّة إِلاَّ الْقُشُورَ فَأَمْسَى انْحِلاَلُكُنّ الْأَخْلاَقِيُّ سَافِرًا وَ بَاتَ حٍيَادُكُنَّ عَنِ الْمَبَادِئِ الْعَرَبِيَّةِ الْإِسْلاَمِيَّةِ السَمْحَةِ جَلِيًّا لاَ غُبَارَ عَلَيْهِ » .​
- « نَحْنُ مُسْلِمَاتٌ مُتَحَضِّرَاتٌ نُؤْمِنُ بِالشَّعْرِ المُكْشُوفِ وَ نَحْرِسُ أَنْ نَكُونَ أَنِيقَاتِ الْمَظْهَرِ فَقِصَرُ الْمَلاَبِسِ أَوْ طُولُهَا لاَ يَعْنِينَا لاَ يُفْسِدُ فِي الْوِدِّ قَضِيَّةً »​
- « اِسْتَحِي يَا ابْنَتِي وَ اسْتُرِي جَسَدَكِ رَبِّي يَسْتُرُكِ فَوْقَ الْأَرْضِ وَ تَحْتَ الْأَرْضِ وَ يَوْمَ الْعَرْضِ »​
- «جَازَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَأنَا قَدْ اقْتَنَعْتُ بِنَصِيحَتِكَ الثَّمِينَةِ وَ اسْتَنَرْتُ بِدُعَائِكَ الْجَمِيلِ »​
وَ فِي لَمْحِ الْبَصَرِ، هَمَسَتِ مَرْيَمُ فِي أُذُنِ ابْنَتِهَا عَائِشَةَ وَ قَلْبُهَا يَكَادُ يَقْفِزُ مِنْ بَيْنِ أَضْلَعِهَا فَرَحًا وَ حُبُورًا :​
- « اِخْتَارِي مِنْ بَيْنِ فَسَاتِينِكِ الْمُنَضَّدَةِ فِي الصِّوَانِ فُسْتَانًا طَوِيلاً ثُمَّ الْبِسِيهِ فِي فَخْرٍ وَ اعْتِزَازٍ فَوْقَ هَذِهِ الْمَلاَبِسِ الْوَضِيعَةِ »​
- « بِكُلِّ سُرُورِ وَ دُونَ أَيِّ تَأْخِيرٍ أَيُّهَا الْأُمُّ الرَّؤُومُ »​
وَ مَا هِيَ دَقَائِقُ مَعْدُودَةٌ حَتَّى عَادَتْ عَائِشَةُ مُتَبَخْتِرَةً فِي مِشْيَتِهَا ، مُتَبَاهِيَةً بِفُسْتَانِهَا قَدْ اِفْتَرَّ ثَغْرُهَا عَنْ ابْتِسَامَةٍ عَرِيضَةٍ مُتَلَأْلِئَةٍ تَلَأْلُؤَ النُّجُومِ فِي لَيْلَةٍ دَاجِنَةٍ.​
اِرْتَسَمَتْ سِيمَاءُ الْاِرْتِيَاحِ وَ أَمَارَاتُ الْاِنْشِرَاحِ عَلَى وَجْهِ يُوسُفَ لَكِنْ سُرْعَانَ مَا اغْبَرَّ مُحَيَّاهُ وَ لاَحَتْ عَلَيْهِ غَيْمَةٌ سَوْدَاءُ تُنْذِرُ بِزَوَابعَ وَ رُعُودٍ وَشِيكَةٍ.​
فَاتَحَ يُوسُفُ أُخْتَهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ خَالٍ مِنَ التَّوَتُّرِ وَ الْحِسَابَاتِ الضَّيِّقَةِ:​
- « يَا عَائِشَةُ هُنَاك مَسْأَلَتَانِ تَنْتَظِرَانِ الْحَسْمَ إِنْ صَدَقَتْ نَوَايَانَا »​
- « مَتَى صِرْتَ قَاضِيًا فَأَنَا لَسْتُ عَلَى دِرَايَةٍ بِذَلِك ؟»​
- « مُنْذُ أَنْ تَرَكْتِ بَابَ الزَّرِيبَةِ مَفْتُوحًا فَعَاثَتِ مَسْعُودَةُ فِي الزَّيْتُونَةِ زَهْرَةَ فَسَادًا : هَتَكَتْ الأَوْرَاقَ وَ الْبَرَاعِمَ وَ أَتَتْ عَلَى الْأَخْضَرِ وَ اليَابِسِ شَأْنُهَا شَأْنُ الْجَرَادِ »​
- « يَا لَهَا مِنْ مِعْزَاةٍ وَقِحَةٍ! »​
- « دَعْكِ مِنَ الْكَلاَمِ السَّخِيفِ فَأَنْتِ قَدْ ارْتَكَبْتِ خَطَأيْنِ جَسِيمَيْنِ بِسَبَبِ طَيْشِكِ »​
- « نَبِّهْنِي إِلَيْهِمَا مِنْ فَضِلِكَ فَأنَا أَجْهَلُهُمَا يَا سِيَادَةَ الْقَاضِي »​
- الْهَفْوَةُ الْأُولَى تَتَمَثَّلُ فِي حِرْمَانِ مَسْعُودَةَ مِنَ الْغِذَاءِ وَ الْهَفْوَةُ الثَّانِيَةُ تَتَلَخَّصُ فِي عَدَمِ إِقْفَالِ بَابِ الزَّرِيبَةِ قَبْلَ ذَهَابِكِ إِلَى الشّاطِئِ »​
- « اِعْذِرْنِي عَنْ هَذَيْنِ الْخَطَأَيْنِ فَهُمَا نَاجِمَانِ عَنِ النِّسْيَانِ وَ كَيْفَ لاَ أَنْسَى وَ الْأَعْمَالُ الْمَنْزِلِيَّةُ كَثِيرَةٌ وَ مُضْنِيَةٌ »​
- « لاَ تُحَاوِلِي تَضْلِيلِي فَأَنْتِ لاَ تُسَاعِدِينَ أُمِّي مَرْيَمَ إِلاَّ فِي بَعْضِ الْأَشْغَالِ الطَّفِيفَةِ »​
- « أَنَا أَمْقُتُ شُؤُونَ الْمَنْزِلِ وَ لَكِنْ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى وَالِدَتِي أُمَارِسُ الْبَعْــضَ مِنْهـَا »​
- « أَنْتِ فَتَاةٌ هَوْجَاءُ ، مُتَنَطِّعَةٌ لاَ تَصْلُحِينَ لِأَيِّ شَيْءٍ . لَقَدْ شَمَمْتِ صُنَانَكِ أَيَّتُهَا الْمَغْرُورَةُ ههههههه »​
- « لاَ أَسْمَحُ إِلَيكَ بِالسُّخْرِيَةِ مِنِّي وَ اتِّهَامِي بِالطَّيْشِ »​
- « اُتْرُكِي فَمِي سَاكِتًا وَ إِلاَّ سَأفْضَحُكِ يَا بَبَلْهَاءُ »​
- « أَنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّكَ تُحِبُّنِي وَ عَلَى يَقِينٍ أَيْضًا مِنْ أَنَّكَ أَمِينٌ عَلَى أَسْرَارِي »​
- « إِنَّمَا يُعْرَفُ الْإِخْوَانُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ »​
- « مَا الْعَمَلُ لِإِصْلاَحِ شَأْنِي قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ »​
- « اِبْحَثِي عَنْ رِفْقَةٍ صَالِحَةٍ تُعِينُ عَلَى الْخَيْرِ فَمَنْ خَالَطَ الْعَطَّارَ نَالَ مِنْ طِيبِــــهِ وَ مَنْ خَالطَ الْحَدَّادَ نَالَ السَّوَائِدَا»​
- « هَلْ مِنْ نَصِيحَةٍ ثَانِيَةٍ تُعَزِّزُ اسْتِقَامَتِي ؟ »​
- « أَطِيعِي أُمَّكِ فَالْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْأُمَّهَاتِ »​
- « كَيْفَ سَأُطِيعُهَا ؟ »​
- « طُرُقُ الطَّاعَةِ عَدِيدَةٌ أَهُمُّهَا التَّخْفِيفُ مِنْ أَتْعَابِهَا »​
- « لِنَكُنْ عَمَلِيِّينَ دَعْنَا مِنَ التَّنْظِيرِ»​
- « أَنْتِ تَتَكَفَّلِينَ بِكَنْسِ الْغُرَفِ وَ تَرْتِيبِ أَثَاثِهَا وَ غَسْلِ الْأَوَانِي الْقَذِرَةِ بَعْدَ الْأَكْلِ وَ أَنَا مُقِرٌّ الْعَزْمَ أَنْ اهْتَمَّ بِالحَدِيقَةِ وَ أَنْ أَعْتَنِيَ بِعُنَيْزَتِي مَسْعُودَةَ وَ الدَّوَاجِنِ »​
- « نِعْمَ الرَّأْيُ »​
لَقَدْ كَانَ لِهَذَا الْحِوَارِ الشَّيِّقِ بَيْنَ يُوسُفَ وَ عَائِشَةً بَالِغُ الْأَثَرِ عَلَى وَالِدَيْهِمَا فَهَا هِي مَرْيَمُ تَكُفُّ عَنْ تَحْرِيكِ حَبَّاتِ سُبْحَتِهَا لِتُمْطِرَهُمَا بِسَيْلٍ مِنَ الدَّعَواتِ الصَّالِحَــــةِ وَ قَدْ طَفَرَتْ مِنْ عَيْنَيْهَا دُمُوعُ الْفَرَحِ وَ غَمَرَهَا فَيْضٌ مِنَ الاِطْمِئْنَانِ يَعْجِزُ الْقَلَمُ عَنِ الْبَوْحِ بِه. أَمَّا أَحْمَدُ فَمَا إنْ رَنَا إِلَى زَهْرَةَ رَمْزِ النَّمَـــاءِ وَ إِلَى الشَّمْسِ الْمَائِلَةِ إِلَى الْغُرُوبِ فِي تَرَنُّحٍ حَتَّى قَالَ قَوْلاً كَرِيمًا وَ هْوَ يَفْتِلُ شَارِبَيْهِ الْمُتَمَرِّدَيْنِ فِي طَرَبٍ وَ سُرُورٍ: الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي جَمَّعَ شَمْلَنَا وَ وَحَّدَ صُفُوفَنَا عَلَى قَوْلِ الْحَقّ وَ نَحْنُ مُؤْمِنُونَ أَنَّ الْاخْتِلاَفَ رَحْمَةٌ .تَصَرِّفِي كَمَا يَرُوقُ لَكِ يَا عَائِشَةُ فَالمُهِمُّ بِالنِّسْبَةِ لِي أَنْ تَكُونِي مُهَذَّبَةً ، أَصِيلَةً ، نَاصِعَةَ الْفِكْرِ تُحَارِبِينَ فِي جُــــرْأَةٍ وَ دُونَ هَوَادَةٍ الْأَخْلاَقَ السَقِيمَةَ وَ الْعَادَاتِ الْقَبِيحَةَ وَ الْمُعْتَقَدَاتِ الْحَقِيرَةِ . لاَ تَجْنَحِي إِلَى الْكَسَلِ وَ التَّهَاوُنِ وَ انْهَلِي مِنْ مَعِينِ الْعُلُومِ و الْمَعَارِفِ فَهْيَ السَّبِيلُ الْوَحِيدُ لِلرُّقِيِّ وَ الْاِزْدِهَارِ . أَمَّا أَنْتَ يَا يُوسُفُ عَجِّلْ بِرَيِّ زَهْرَةَ وَ إِطْعَامِ الدَّواجِــــــــــنِ وَ الْمِعْزَاةِ فَصَلاَةُ الْمَغْرِبِ عَلى الأبوابِ».[QOTE][/QUOTE]​
U

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى