مزمل الباقر - التطرف الديني .. ( النسخة السودانية ) "4-4"

مشافهة على خلفية الفيلم المسيء:

تورد صحيفة السوداني بعددها الصادر يوم الاثنين 3 ديسمبر 2012م عن مواجهة شفهية جاءت كرد فعل على اقدام نيقولا باسيلي بانتاج فيلم رديء الصنع يسئ للإسلام ولرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فمن ضمن ردود الافعال في العالم الإسلامي ومن بينها كان رد فعل عدد كبير من السودانيين الذين اعتدوا على سفارتي ألمانيا وأميركا. وعلى خلفية ردود الأفعال تلك ( أعلن التيار السلفي الجهادي عن ميلاده وطرح برنامجه مؤكداً على أنهم يهدفون لإقامة دولة إسلامية في السودان ليست ذات طابع ديمقراطي أو ديكتاتوري، ولفت إلى أن هذه الدولة الإسلامية المرجوة لن تنبني على المواطنة وإنما على العقيدة الإسلامية، ونوهوا في تسجيل فيديو شهير بث على موقع ( اليوتيوب) إلى أنهم سيقومون بهدم الكنائس والقباب، ولفتوا إلى أنهم يهدفون إلى طرد الكفار من الأمريكان والألمان والبريطانيين، أما فيما يتعلق بالكفار السودانيين فيتوجب عليهم دفع الجزية – على حد تعبيرهم – ، وفيما يتعلق بالنصارى فلهم خيار من ثلاثة الإسلام، الجزية بموجب الشروط العمرية حيث لن يرفع كتاب ولا صليب وسيحلق لهم ليميزوا عن المسلمين – لم يذكر الشرط الثالث- القتال ). ( السوادني/المصدر).

رجال حول الرسول .. ( الاسم سالم):

انتقل اسم رجال حول الرسول بقدرة قادر من عنوان لكتاب شهير للاستاذ خالد محمد خالد ليصبح عنوان لجماعة تكفيرية نجحت الاجهزة الشرطية بحمد الله في إلقاء القبض عليها داخل المحمية الطبيعية ( حظيرة الدندر) – ومقالي هذا في طور المسودة – ولنقرأ الخبر كما ورد في صحيفة السوداني بعددها الصادر يوم الاثنين 3 ديسمبر 2012م. ( ألقت السلطات بولاية سنار القبض على (25) شخصاً من جماعة تكفيرية متشددة في معسكر تدريب بحظيرة الدندر. وقال والي سنار: أحمد عباس لقناة الشروق مساء أمس إن الشرطة هاجمت الجمعة معسكراً لمجموعة تكفيرية متشددة داخل حظيرة الدندر وكانت الحصيلة مقتل اثنين من المجموعة وجرح أربعة أفراد من الشرطة وتم اعتقال كل أفراد المجموعة بمن فيهم زعيم المجموعة وهو حاصل على الدكتوراة في الكيمياء وهم الآن قيد التحقيق. وأضاف أن المجموعة التكفيرية أقامت معسكراً داخل الحظيرة في منطقة أحراش وبعيدة وغير مأهولة بالسكان وفي شهر أكتوبر الماضي هاجمت معسكر قلقو لشرطة الحياة البرية واستولوا على أسلحة ومعدات عسكرية وبعد هذا الهجوم تابعتهم السلطات الأمنية وعرفت مقر معسكرهم وعددهم إلى أن هاجمتهم) (الصحيفة/ المصدر).

هنالك ثلاثة حقائق جديرة بالذكر أن معظم معتقلي الخلية تتراواح اعمارهم ما بين (19 – 25 ) عاماً من طلاب الجامعات وبعضهم نجح في الهرب إلى ولاية القضارف المتاخمة لولاية سنار ولاحقتهم سيارات الشرطة وحتى لحظة كتابة هذه المقال لم يتم القبض عليهم وهذه هي الحقيقة الثانية. أما الحقيقة الثالثة والتي تعتبر أكثر أهمية أن جماعة ( رجال حول الرسول) تشكل تطوراً تكنولوجيا للجماعات التكفيرية فبينما قامت جماعة محمد عبد الكريم في احداث كمبو (10) بالتلويح بالأسلحة البيضاء استعانت جماعة رجال حول الرسول بتكنولجيا بلاد الشرك والكفر حيث ذكرت مصادر مطلعة لصحيفة الصحافة بعدد الأحد 2 ديسمبر 2012م ( أن الجماعة الجهادية قوامها (60) فرداً مدججين بالسلاح وأجهزة اتصال حديثة)

يلقي مقال (رجال حول الرسول .. قصة جماعة تكفيرية في حظيرة الدندر) مزيداً من الضوء على هذه الجماعة ( وتشير بعض المصادر إلى أن اعضاء المجموعة من طلاب الجامعات السودانية والمهندسين والأطباء وأن معظمهم ينتمون لولايتي نهر النيل والخرطوم، وتضيف ذات المصادر – فضلت حجب اسمها – إلى أن العديد من هؤلاء ينتدرجون تحت توصيف المتطرفين الإسلاميين وإن بعضهم نجح في الإفلات من الرقابة لمنطقة مجهولة اتضح لاحقاً انها المنطقة محل المعسكر التدريبي ونسبة لحداثة المجموعة ( رجال حول الرسول ) لم تكن المعلومات حولها متوفرة بقدر كبير خاصة وأن أغلب التحركات كانت تتم عبر الانترنت وأجهزة الاتصال الحديثة)(جريدة السوداني/ مصدر سابق).

بمثابة خاتمة:

وبعد فإن ما حدث ويحدث في السودان منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى هذا الشهر، شيء مستحدث على إنسان المجتمع السوداني. ولو رأى جدي ( ود العاقب ) – ذلك الرجل العابد – في رؤية منامية أنه سيأتي زمان على السودان يقوم به نفر من الملتحين الموتورين، برج تسامح المجتمع السوداني كما ترج زجاجة الدواء قبل استعمالها. لضحك حتى بان بياض اضراسه وظن ان الرؤيا اضغاث أحلام. ولكن للأسف نحن نعيش في كابوس مزعج نحتاج لمن يوقظنا منه على وجه السرعة.

بنظرة سريعة أو لمحة إن شئت نجد أن الواقع مأساوي ويسود اللون الأسود الداكن ولا بصيص ضوء يرى في آخر هذا النفق المسود. فالقاتل والمقتول مسلم – بإستثناء السفير الأميركي – والضحايا في معظهم شباب وهنالك اطفال وبالمثل القتلة من شريحة الشباب الذين يناط به رفع انسان هذا البلد الذي سمته بريطانيا ابان استعمارها برجل افريقيا المريض. وللأسف لا زال المرض يسكن جسده وكأنه مرض نادر لا شفاء يرجى منه.

الملاحظة الثانية تطور اساليب هذه الجماعات على مستوى الأداة أو الآلية من اسلحة بيضاء إلى بنادق كلاشنكوفية سريعة الطلقات ومتفجرات ومن حيث التواصل فيما بينهم فبديلاً عن الاجتماعات السرية المغلقة استحدثت جماعة - كجماعة رجال حول الرسول - الاتصالات الحديثة ولم تتحرج في الاستعانة بتكنولجيا الكفار لتهزم كفارهم المحليين فاستجلبوا الانترنت لتعزيز تواصلهم. وتطورا كذلك استراتيجياً فالهدف ليس منطقة مكشوفة كقرية (كمبو10) ليعلنوها منطقة إسلامية نبذت الجاهلية فقد اجتمعوا هذه المرة بالمحمية الطبيعية التي اصبحت تراثاً عالمياً وفقاً لليونسكو وهي محمية الدندر ذات الأحراش والتي تمتد بمساحات شاسعة بين ولايتي سنار والقضارف وهو النهج الذي انتهجته جماعة رجال حول الرسول مما ساعد على فرار بعض افرادها من سنار للدخول في محلية الحواته بولاية القضارف.

قرابة العقدين من الزمان وهذا البلد ينزف جراء افكار متطرفة وسيظل يعاني من هذا التطرف الديني لاعوام لاحقة في وجود بيئة ملائمة لنموء فطريات التطرف من جديد ومثلما ان ابواغ الفطريات سريعة التكاثر، تتكاثر هذه الافكار لتفرخ مزيداً من المتطرفين فالسودان منذ تسعينيات القرن الماضي يحتضن المتطرفين دينيا والمتزمتين فكرياً ويفتح لهم أبواب مساجده ليعتلوا المنابر ويبثوا السم في الدسم، متحدثين في جموع المصلين في خطبهم عن السيرة النبوية والسيرة العمرية بل أن حزب كحزب التحرير يدعو لإقامة دولة الخلافة لا يجد مسجل التنظيمات والاحزاب السياسية السودانية حرجاً من تسجيله طالما استوفى الشروط الإجرائية من حيث البرنامج والعضوية.

ولعل نشوء جيلين جديدين ولد وعاش في عهد النظام الحالي هو جيل فارغ الذهن تماماً لم ينشأ كما نشأ غيره من الاجيال السابقة على القراءة والاطلاع والاستماع للإذاعات الخارجية فقد توقفت مجلة الصبيان المخصصة للأطفال التي صدر عددها الأول في خمسينيات القرن الماضي وعزف اصحاب المكتبات عن استجلاب اعداد مجلات سمير وميكي وماجد بصورة منتظمة واستبدلوا بضاعة ببضاعة فأفرغت المكتبة من الكتب والجرائد وتحورت لكشك لبيع العصائر والمأكولات الجاهزة. وانتشرت ثقافة مقاهي الانترنت ومحلات ألعاب البلي استيشن والتي تزامت مع قدوم اول شركة للاتصالات المتنقلة في العام 1997م وفي تطور طبيعي اصبح استخدام الموبايل لا يتقصر على ارسال المكالمات والرسائل في ظل هواتف ذكية حفلت بالتطبيقات المذهلة وبالانترنت السريع والألعاب المشوقة.

هذا التغير المعرفي والثقافي سهل على هذه الجماعات اجتذاب هذه الأجيال لصفوفها لاعبين على أوتار العواطف الدينية وبحلم جميل بتحويل المجتمع لمجتمع يتلزم بتعاليم الدين الاسلامي. وما أن ينجحوا في استقطابهم لهؤلاء الايفاع حتى يبرز الخطاب المتطرف من تكفير لمجتمع جاهلي وإقامة مجتمع الخلافة الاسلامية ويختلف اسلوب الخطاب من خطاب حواري لخطاب دموي يستلهم أساليب فتكه مما بقى في الذاكرة الجمعية لهذه الجماعات المتطرفة من افلام هوليودية شاهدوها في شبابهم الأول تتبارى في ابراز اساليب فتاكة للتعذيب والقتل.

جدير بالذكر انني قمت باستبعاد حادثين: اغتيال الفنان خوجلي عثمان بدار اتحاد المهن الموسيقية في ديسمبر 1994م وحادثة اختطاف الصحفي محمد طه محمد احمد من امام منزله واغتياله في ديسمبر 2006م. وسبب استبعادي لتينك الحادثتين اشتباهي في الدوافع السياسية في الاغتيال ولم يعلق الأمر بتكفير، فالذين يزعمون ان اغتيال محمد طه محمد احمد كان بسبب مقاله الذي نقل فيه ما كتبه شخص يدعي الدكتور المقريزي وأساءه فيه الأدب للرسول صلى الله عليه وسلم، هؤلاء نسوا أو تناسوا أن هنالك مقال آخر نشر بصحيفة الوفاق التي كان الراحل يرأس تحريرها والتي تعرضت بالإساءة الجارحة لبعض بنات وابناء دارفور.

أما ما يتعلق بشأن الفنان خوجلي عثمان والذين يعتقدون ان القاتل هو من جماعة تكفيرية تحرم الغناء، لم يسألوا انفسهم في براءة محضة: لماذا خوجلي بالذات؟. وتجيء الإجابة من أحاديث المدينة ان خوجلي استضيف في برنامج تلفزيوني قبل اغتياله بعام او أكثر، واكتشف جمهور المشاهدين إجادته لفن التقليد ويقال انه في ذلك البرنامج قد قام بتقليد الدكتور حسن الترابي مما جعل الفنان خوجلي عثمان يدفع الثمن غالياً.

انيخ قلمي هنا وهاجس الرجال الذين فروا من حول الجماعة وتوجهوا شرقاً ليدخلوا مضارب ولاية (القضارف) ويمشون مطمئنين بمدينة (الحواته) ربما انتظمت صفوفهم من جديد وأعدوا العدة والعتاد وجلبوا الرجال والكمبيوترات واجهزة الثريا وتواصلوا من جديد ليقتلوا ويسفكوا الدماء من جديد بإسم الله تاره وباسم الخلافة الاسلامية تاره أخرى.



مزمل الباقر
الخرطوم بحري في 19 ديسمبر 2012م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى