محمد جلال - شجيرات.. قصة قصيرة

ينفجر شارع المخاتير عند حافته الغربية على فضاء مقابل دارنا العتيقة، هناك تقف شجرتان من السلم، توصف بهن أمي دارها، لهن شوك أبيض ناصع، وزهر أصفر فاقع لونه يسر الناظرين.. زهر نسميه (البرم).
قاومت هذه الشجيرات المحل سنين عددا، وحين تجود السماء بعد قحط بشحيح من المطر يخضر عودها، هذه الشجيرات كانت موجودة أصلا قبل بناء الدار.
تزورها جمال الضحواب أحيانا عديدة وتترك علي الرمل اثارها من الطور، طور يمتعنا في كتاب (السيجة) المسطور على الرمل (نبنتها) هناك في ظل (الأرتيق ) الممتع ونصارع كلاب (السيجة ) .. ولا أدري كلما تذكرت تلك اللعبة الشعبية إسطحبت الذكرى (الكريمية) معها وأصناف التمر الاخري العديدة.
في سالف الايام التي نزرف عليها الدموع ..كنا نمتع النفس بمتابعة (الصرفة) التي تسكن فروع السلم ..دودة مزركشة بألوان وشعر ملون يميزها بتأنق وبهاء، كانت تظهر حين يهب الهواء الصلاح حاملا معه نسمات خريفية حينها ايضا يزور أفرع السلم (الدنان) بأنواعه لكن الفائز منا كان من يصطاد (دنان الريف) كان كبير الحجم نجعله على ساقية (البعر) ماكينة ذات أحصنة كثيرة أكبر من تلك التي يتمتع بها (دنان البلد).. وكانت ساقية (البعر) تلك اكثر متعة لنا من رسومات (ديزني) وأخواتها الماسخة التي تصرف صغارنا اليوم و لا تزرع فيهم قيمة.
سلماتنا جوار الدار العتيقة لا تمتعنا بظل وارف، ومن بعد صلاة العشاء تقف كأشباح ..لا أملك إلا أن (أعصر كراعي ) حين تقتضي الضرورة المرور بجوارها ليلا عائدا من مراسيل
او لهو يستمد متعته من ربابة رمالنا المقمرة.
وحين ينفذ (الكود.. والواقود) كانت امي تحتطب من سلماتها.. وحين تجود الدنيا علينا باللحم كنت استجلب شوكها الابيض لكبارنا ليمتعوا النفس بالتخلص من بقايا علقت بأسنانهم.
لم يعد شوك السلم يمثل ادواره الممتدة من الطعن في ارجلنا المتعبة ولذة إستخراج ما تبقى منه داخل جلدنا، وغاب معه (المنقاش).. ولم أعد أمتص رحيق البرم الجميل.
لكن الصورة التي نقشت نفسها على جدار الحنين ظلت تمتع النفس بألق وفرح... .

محمد جلال



أعلى