مزمل الباقر - ( يا هو دا السودان ) .. أو ... زرياب دهب مبدعاً

( كدي يا ميزو اسمع الغنية دي! )
ألقت صديقتي بتلك العبارة على مسامعي في صباح الأربعاء 9 مارس 2016 وناولتني سماعة هاتفها النقال وكنت حينها في مزاج متقلب تقلب مناخ الخرطوم في شهر أمشير. وهذا حديث آخر ( كما يقول بروفسير علي المك عادةً ).

مخاض الكتابة:

-( الغنية السرقتيها من قروبي بتاع ( الطعمية واتساب ) ووديتها قروب الواتساب بتاع الشغل. عندي فيها سؤال) بادرت صديقتي الفنانة بالحديث أعلاه.
-( ياتو غُنية؟! ) قالت لي الفنانة
-( الغنية يااااخ! .. الشلتيها العصر من قروبنا بتاع الواتساب ).
-( آاااه .. هههههههه .. انت ياداب شفتها ولا شنو؟! الغنية دي نزلت بدري مش الغنية بتاعت ( سميري ) دي؟!)
-( بالله هي قديمة .. طيب عندي سؤال؟ )
-( أسأل! )
-( الجيتار البعزف بيهو زرياب دا بقولو ليهو شنو: كلاسيك ولا هارموني ولا شنو؟)
-( دقيقة أرجع للفيديو كليب وأرد ليك ) ... وقد كان

وفور حصولي على المعلومة أنهيت المكالمة شاكراً وأنصرفت لمشاهدة الفيديوكليب ربما للمرة الثلاثين خلال هذا اليوم ولكن هذه المرة بغرض الاستمتاع بالعمل والكتابة عنه كذلك ودار بخلدي أن الفنانة كانت قد شاركتنا قبل فيديوكليب هذه الاغنية، كليباً آخر _ إن جاز لي التعبير - لعمل مشترك بين فرقة ( أصوات المدينة ) الغنائية وفرقة ( Brothers/كريزي) فإبتسمت وأحضرت أوراقي وقلمي وشرعت في تسهيل مخاض هذا المقال

الفيديو كليب:
- Acqustic guitar يملأ فضاء كاميرا الفيديو وتنساب ألحانه في سلالة وتطريب بأنامل شاب يرتدي T-shirt ويتناهى إلى أسماعنا صوت إيقاعات تصاحب العزف الجيتاري للفنان ( زرياب دهب ).
-نرد يلقى على ورقة لعبة ( ليدو ) والاصابع تحرك القطع المستديرة ذات الألوان الخضراء والحمراء والصفراء والزرقاء ( او كما نسميها الكلاب ) .
-عين الكاميرا ترقب شابة ( هالة دهب ) تلاعب طفلة دون الثانية من العمر ثم نراها في مشهد آخر تضحك مع الأخيرين وتتابع معهم بإهتمام مجريات ( الليدو )
-كاميرا من علٍ تحدث ( Zoom in ) للرهط المتحلقين حول لعبة الليدو
-شاب ( أحمد عبد الرحمن " أحمد اللورد " ) يرتدي عوينات وزي شبابي يلفت جاره في حلقة اللعب تلك ثم يشير للشابة ( هالة دهب ) بعد أن يصافحها قبل أن يرفع عقيرته بالغناء :

يا زهرة أحلامي
بنظر فيك كلامي
يا روحي وإلهامي
مع القمري البقوقي .... برسل ليك سلامي

-الكورال من حضور ( الليدو ) أو من يرقصون بالجوار يهتفون خلف ( أحمد اللورد )
وييييين سميري .. الفي ضميري .. وين وين سميري

- تجاوبه الشابة صادحة بالغناء:

نزلت مني دمعة
والأمة .. مجتمعة
واليوم دا .. كان جمعة
أعطف سيب صدودك
حبيبي روحي أبو لمعة

ثم يردد الكورال نفس النشيد : ويييين سميري .. الفي ضميري .. وين وين سميري

الموسيقار عثمان محي الدين ( عازف الكمان ) على متن السفينة الصغيرة يشرع في بث شجونه لآلته وكأني به يناديهم أن هلموا ...ويعزز من تلك المناداة، شاب ( أحمد بركات ) يرتدي T-shirt أصفر اللون بخطوط رفعية لألوان زرقاء وخضراء ويشرع في الغناء قبل أن فيأيه جميع من في ( الفيديو كليب ) ليكون على متن ( المحروسة للرحلات النيلية ) ويرقصون مع الكوبلية الثالث والأخير لأغنية ( سميري ) الذي صدح به الأخير:

أنظر شوف حلاتا
ظهرت بي غلاتا
نعسات كاحلات
أنا دستوري نازل .. في الخرطوم ثلاثة

-الكاميرا تأخذ صورة علوية للجميع وفي مقدمتهم الشابة ( هالة دهب ) فيبدو المشهد اشبه بصورة أخذت بعصاة سيلفي عظيمة أو لعلها الكاميرا عملت على طائرة صغيرة

الفي ضميري وين وين سميري
الفي ضميري .. ويييين سميري

- يعود مشهد الشاب ( زرياب دهب ) وجيتاره وأنغامه قبل أن السفينة تبحر في والشمس تهم بالإبحار في الغروب والجميع يغني بالنشيد الذي تداوله الكوارل من خلف الكواليس .. ونلمح علم السودان يرفرف خفاقنا على متن تلك السفينة.. ثم إن الكاميرا نشرت لنا – نحن جمهور النظارة – اسماء كلم من ساهم في إنجاح هذا العمل .. قبل يختم الفيديوكليب معلناً أن مخرجه هو زرياب دهب الذي ارهق جيتاره بإبداعات أنامله.

بمثابة خاتمة:

وبعد ..

بتاريخ الثلاثاء الثامن من مارس للعام 2016 .. أثناء حصة اللغة الفرنسية وعلى هامش أغنية Mon Amie le Rose للمغنية الفرنسية الشهيرة Francoise Hardy والتي تتحدث عن جدلية الموت والحياة .. حدثتنا د. نعمات كرم الله استاذة اللغة الفرنسية بأن مسرحية ( نوم البنات ) للمخرج ( وليد الألفي ) التي قدمت في إطار إحتفال جامعة الأحفاد باليوم العالمي للمرأة على مسرحها الكائن بمقر الجامعة بحي العرضة الأمدرماني .. كان تحدثنا كيف أن المسرحية تحدثت عن الجانب الاجتماعي للمجتمع الأمدرماني بعد أن قضت الحرب التي دارت بجبال كرري على الرجال وقامت النساء بشغل الفراغ الاقتصادي وانخرطن في سوق امدرمان للعمل وذهبت د.نعمات كرم الله إلى أن التاريخ يوثق لأبطال الأحداث بينما الأدب ينصرف للحديث عن الجانب الاجتماعي لتلك الأحداث. تذكرت حديثها وأن اشاهد الفيديوكليب محور المقال في ذلك الصباح الذي تلى حصة اللغة الفرنسية وأعني به صباح الأربعاء 9 مارس 2016. وبشيء من المقارنة بتصرف أجد أن هنالك أدب هو الأدب الرسمي لحكومة الإنقاذ التي تعلن عن السودان كدولة أنموذج والشاهد في حديثي هذا قصيدة الكاتب الصحفي والشاعر الغنائي سعد الدين ابراهيم والتي عنونها ( ياهو دا السودان ) ولم يعلم أنها ستعنون معظم احتفالات الإنقاذ بعد أن لحنت لأغنية تشير إلى أن السودان هو ذلك الوطن الذي:

السودان ياهو دا السودان
عزة وانتاج
قدح الضيفان
صافي الوجدان
وأخو الأخوان
.***
أبو عقل كبير
في الطبع جسور
مع إنو حنون زي العصفور
بجناح خفاق اتمكن يطير
نحو الاشراق
من الأعماق
الضوء دفاق
على الأحداق ياهو دا السودان
وطن عملاق

لعل من نجاح هذه الفيديو أنها جاءت بما يشبه الخطاب الموازي، القصيدة ( سميري ) والتي صاغها الشاعر الغنائي: أحمد محمد الشيخ ( الجاغريو ) وتغنى به عميد الأغنية السودانية: الموسيقار أحمد المصطفى. بعد أن سئم ومل عدد لا يستهان به من الشعب السوداني من الخطاب الرسمي الذي يظهر السودان على غرار ( ياهو دا السودان )، غاضاً الطرف عن أن المجتمع السوداني منذ نشأته الأولى ويميل إلى الإيقاعات التي تصاحب الغناء أو المديح النبوي، فجاء الفيديو كليب في رأي المتواضع ليصور مشهد من مشاهد المجتمع السوداني الإحتفالية وكيف أن الحفل يسع الجميع من الجنسين قبل أن تجري المياه تحت الجسور فنصبح بين عشية وضحاها مجتمع يغلب عليه التزمت الديني وبيئة خصبة للتطرف الديني كنت قد أشرت لها مسبقاً في مقال ( التطرف الديني (النسخة السودانية) ). وهذا حديث آخر كما يقول استاذنا علي المك.

مزمل الباقر
أمدرمان في 9 مارس 2016م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى