أمل الكردفاني - أشخاص مضجرون جدا.. قصة قصيرة

بوبوكو: إنكم تلعبون الورق منذ اربع ساعات.. هذا غير منطقي...
( يصمت ويحدجهم بنظرة ساخطة)
بوبوكو: إن أفريقيا قارة الكسالى... قارة مرعبة... تغوص في الزمن... مثل أدغالها التي لم تعاني كأدغال القارات الأخرى من التجريف من أجل الصناعة والزراعة... إنها قارة اللصوص الضاحكين..
(الأربعة الأخرون يستمرون في لعب الورق بتركيز شديد)
بوبوكو: لو كنتم علمتموني لعب الورق لما شعرت بكل هذا الضجر...
(يجر كرسيه ويجلس قبالة النافذة)
بوبوكو: لا شيء.. اللعنة.. حتى الفتيات صرن نحيلات ومع ذلك نادرا ما يبتسمن عندما يغازلهن شاب...
( يلقي إليهم نظرة جانبية ساخطة)..
بوبوكو: أووووه..
( عاد لينظر عبر النافذة)
بوبوكو: سأغادر داكار.....
(يلتفت نحوهم)
بوبوكو: ما معنى ذلك... شعب واحد.. هدف واحد. ايمان واحد.... أي شعب واحد هذا؟.. وأي هدف واحد... ها أنتم حثالة من الفولان والحراطين والسيرير .. تبا... عطالة وآباؤكم كانوا أكثر عطالة منكم... يمكنكم الإستمرار في لعب الورق وأنتم لا تعرفون حتى قراءة أرقامه اللاتينية...
(كان يحاول استفزازهم لكنه تبنى الأمر بشكل جدي)..
بوبوكو: لقد باع لنا الفرنسيون الوهم..جاءونا بسينغور الشاعر وسرقوا أموالنا... بديموقراطية لم تستطع إطعامنا.. ومنعوا حكوماتنا من دعم اقتصادنا رغم أن فرنسا نفسها تحمي اقتصادها... وما النتيجة... إنها خلفي الآن.. أربعة عاطلين يحلم كل واحد منهم بأن يضاجع فتيات سمراوات من عرب الشمال... لأنه لا يستطيع الكذب على فتيات داكار بأن يدعي قدرات سحرية زائفة...
( إتكأ على إفريز النافذة ونظر إلى السماء)
بوبوكو: ستون عاما ونحن لا نعرف كيف لا نكون عبيدا.... أنظروا... أنظروا..
(يشير للأسفل بأصبعه)
بوبوكو: آهااا... هاهي تركب دراجتها وتغادر لتشتري بعض البطاطا العسلية... كعادتها كل يوم... إنها تبيع جسدها في الواقع...
(يلتفت إليهم بغضب)
بوبوكو: من قال أنني أكذب؟.. هي من أخبرتني بذلك..لقد دارت على الأربعة عشر إقليما طوال سنتين من عمرها حتى تمكنت من شراء شقة في توبا ... قالت ذلك لي .. من داكار ولوغا مرورا بسيدهيو وكفري وماتام وغيرهم لتشتري شقة.... فماذا ستفعلون أنتم لتحصلوا على شيء أقل ضجرا من لعب الورق... تبيعوا مؤخراتكم.. إنها قبيحة ولا تساوي شيئا... حتى هي ليست جميلة لكنها في النهاية أنثى .. وهناك رجال لا يتخيلون إمساك أصبع أنثوي واحد في هذا البلد... إنها ستون عاما بلا فائدة... باع لنا الفرنسيون قشرة الحضارة .. واحتفظوا هم بروحها... تماثيل ودموقراطية ورابطات عنق وتمثال قبيح ولغة يجهلها ثمانون في المائة من الشعب المسحوق...
(ينظر إلى البعيد من خلال النافذة)
بوبوكو: من هنا حيث المحيط الأطلنطي عبروا بأجدادكم كعبيد.. وبعد الثورة الصناعية لم يعودوا بحاجة لهم... من جزيرة الرأس الأخضر نقلوا ومازالوا ينقلون دماء أرضكم...
(يرفع يديه ويصيح)
بوبوكو: يا أبناء السنغال العظماء.. يا أحفاد الامبراطوريات القديمة....
(أحد اللاعبين يرفع رأسه)
أحد اللاعبين: إنك مزعج..
اللا عب الثاني: لقد وترني هذا الأحمق...
اللاعب الثالث: لا تحاولا السرقة ..
اللاعب الرابع: إن لم تكف عن الإزعاج... سوف نلقي بك من النافذة...
(يشعر بوبوكو بالنصر)
بوبوكو: كم أنتم مثيرون للشفقة... أنتم مضجرون حقا... إنكم تستنزفون الزمن فيما لا فائدة منه... وهذا ما حدث لأجدادكم حينما لم يكونوا يعملون إلا والسياط تلتصق بظهورهم العارية... لم يمنحكم الفرنسيون عقلا بل أغرقوا عقولكم في البلادة ليسرقوا حتى ألسنتكم... إن الغراب أذكى منكم...
أحد اللاعبين: لقد طفح الكيل..
انقض عليه اللاعبون الأربعة ودون أن يتمكن من مقاومتهم وجد جسده يطيح من النافذة والجدران تتحرك نحو الأعلى بسرعة..
اللاعب الأول: مزاحه ثقيل وسمج...
اللاعب الثاني: كان ورقي ممتازا... أربع آسات وثلاثة بنات.. والباقي جيد...
اللاعب الثالث: لن ألعب بعد الآن إلا بالمال...
اللاعب الرابع: لكن ذلك قمار ..وهذا حرام...
اللاعب الثالث: فليكن.. لكنني انتصرت في ثلاثة عشر شوطا... إنني خاسر رغم ذلك حيث لعبت بلا مال...
اللاعب الأول: كيف سندفع إجار الشقة الآن؟
(ينظر الثلاثة إليه بصمت وقلق)
اللاعب الأول: كان هذا الأحمق غنيا... والده شريك الأوكرانيين في أسطول سفن الصيد...
اللاعب الثاني: لم أسمع صوت جثته وهي ترتطم بالأرض.. لعله لا زال حيا...
اللاعب الأول: هل أنت متأكد...؟
اللاعب الثالث: لكنه لم يسقط... لو سقط لسمعنا صوت جثته وهي ترتطم بالأرض...
اللاعب الرابع: نحن في الدور السابع.. لعله تشبث بشيء...
اللاعب الأول: اللعنة.. سنكون محظوظين لو لم يمت..
(قفز الأربعة ووقفوا ينظرون من النافذة نحو الأسفل)..
اللاعب الأول: لا توجد جثة...
اللاعب الثاني: ولكن كيف؟
اللاعب الثالث: إنه يستخدم السحر.. هذا أكيد.. أليس كذلك..
اللاعب الرابع: سأنزل واشتري اربع زجاجات جعة...
نزل اللاعب الرابع وبقى الثلاثة في الانتظار.... غير أنهم انتظروا طويلا جدا....
لقد اختفى الإثنان في ظروف غامضة...

(تمت)...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى