عبد الحليم مهـودر - ثنائية الوهم

مهودر.jpg

وهــــم / حقيقة
الهمُّ وِزرٌ هَدَّ كياني ، حمل ثقيل ، راحلاً كنت مع الراحلين ،حامل
الأختام صار صامتاً ، أمل واهن ، واصد الباب حاسر ، خائن ، حاسد . أوراقي هموم سطّرتهُا رسائل للمسافرين ، رؤى وضعتها حالماً قربي ، ما إن مال صاحبي محمود الوزان ، ساهراً أفقت لم أجد محموداً و اختفت الرسائل .
بإسهاب ممل ، أضعتها مع عشرات الوعود المنكسرة و الأمل الراكض حول مختلف المواد ، إعلان دائر في المساء و إعلان صائر عبر المدى للقابعين كـل يوم و كل ليلة مع شاشات صورها ألوان و كلام ، حقيبة حمراء فيها رسائل . وثائق لا تهمُّ سوى الواهمين . أدعوكم لمساعدتي على استعادتها .
محمود غاوٍ همّاً و أنا ساهم . ركبنا معاً سيارة مالكها رجل أصلع ، تجاوزنا السكك . أعطاني ما يشبه الدعاء ، لغزاً حلُّه يحتاج إلى صبر .كلام تحته كلام . لغة لا أعرفها ، دوال تكبر و دوال تصغر سهواً .سألته الحل : أجل ، علم يصغر و أعلام تكبر . المسائل كلمات ، إهملْ الصغيرة و مدّ الكبيرة إلى آخر العمر الزاحف ، سوّد أوراقك السمر .
حسبت أول التطبيق سهلاً ! اجتزنا صدر بوابة واسعاً ، بناء محكم مزخرف صلد فإذا سور آخر أعلى من الأول . باب أمل مفتوح دار باتجاه مطعم المنهوشين ، إمسك طريقاً واحداً ، إحفظ السر ، كن دوماً صامتاً .
هو وأنا على طريق العهد ، سلكنا الأطول قرب أحد الأنفاق ، المسوّر باللون المعصوم . فقدتُ حامل أوراقي . كلكم يعرفُهُ لصاً انه محمود الناسي . طال عليّ الأمد ، عطش حد الجفاف ، لا ملجأ إلا من أوسع الأبواب .حمى الشرود و روح التحدّي المطاط ، حاولتُ المرور منها إلى الأضواء . سائراً إليه محصوراً تجاوزني إلى الحقيقة . طلع عليّ الأصلع غاضباً ، راعداً متجاوزاً الملأ ، نهشني حد العظم ، أراد وخز طائر الحقيقة .
أسماء النخيل ، كسر جناحَي الوهم و علامة الدلائل المجنحة ، ورد في سلاسل حقب أكل عليها الدهر و شرب ، مواسم النهش العادل اضمحلت ، حلم يزدرد حلماً ، قوانين عصر النهش لا تسمح له بالنهش طوعاً .
تراجعت لم أستطع الرد بأسلوب وَلـّى ، يبتلعك كأسُ صديق ، سلاسل ، خيبات ، أرحام عجاف ، رسائل تذوب مع صديق العمر .
دار دورةً ، ما أن امسك بنواصي الأحلام اعتذر و لمـلم بقايا أطماره ، وأراني ، أحد المنهوشين صار نهشلاً . أعلم انه حامل قراطيس الكلام المأثور ، صِلٌّ لسعتُهُ سـموم فتعـلم الصـوم في مدارس متقلبة الأهواء ممسوخةُ الحدود و الأجسام . صعلوك مَنْ سَطَّرَ أوراقه كلها لاهثة . على دكة مرمر في وسط رصيف الأحلام ، استرح لعل الفكر الهائم يسترد الإلهام فتذكرت الدهر و أوراقي السمر ، برغم الوعود ذابت سُدى ، صاح بي الأصلع الموصوف .
هو نفسه محمود التعبان أو السكران هامد الأنفاس ، كل يومٍ أراه أسفل السلالم ، وَحل يسفّ وحلاً .
اختصار دوائر البحث ، الأسوار ، المقهى ، السكك ، الفندق ، المطعم ، الأنفاق ، الملهى ، السيارة ، رُسل عصيّة الوصول و لعنة السرد اللامرئي كلها أثر ذو مصراع عنيف واحد تدور لعلك تسترد الوهم في سواحل الأساطير ، أودّ انتزاع روح الأماكن ، كل الأماكن إلا مكان الأسرار المفتوحة ..
أهو حقيقة أم خيال ؟
حقيقة / وهم
الزمن سائر عند ساهر في سلم الوقت مُدلهم ضاع أو جاء ، أما العيون رحى تطوف ، ما إن مدّ وارف الحلم ظلّه الأسود .
أتانا محمود في طمره القذر ، أسى نازل ، صاعد يزحف سرّاً ، لعنة المحروم خاسر الأهل ، تشاجرت مع صديق العمر الـذي أورد أوراقي مورد بقايا الرماد ، عندما سال مني الدم صحوتُ على خيول صمّاء ترحل وراء الأفق إلى الحقيقة . أحدهم سكب الماء فوق رأس متعب طواه المشيب كالرصاص في صدور النخيل الصامد . زحفتُ على أربع كالدموع في رمال العيون أردد ذكرى الوعد لابساً رداءً موشّى ، عهد قطعناه سراً لقصره . الأسماء المنقوشة على زجاج الصوامع ، نازف الدم بلا أسمال في درك الطين ، رماد آسن مسلول يفرُّ إلى الوشاة ، معاول ينثرون الوحل في كل مجلس ٍ ودار . و صاحبي الأصلع فوق الأسوار مبتسماً صاح بنا هلمّـا .
لُطّخَتْ الرسوم والكتابات . هما حديثا العهد في السهر أيها الحارس اتركهما إلى حين ، هو وأنا لم نعد للسور و اتجهنا إلى شوارع الدمار المنسية على ضوء رسمها حجراً على حجر ، ودوائر تحيطها دوائر موشومة على الحيطان و السكك ، آيات ، رسوم ، زخارف ، لؤلؤ ، طيور ، ملاك يطير إلى عنان السماء و آخر واسع الجناحين ، أسود تنهش أسوداً حيَّرتنا الصروح ، عند ملهى العاطفة ، محمود توقف و أمسك الأوراق كلها و قذفها إلى السحاب و لم يبرح الملهى .
هنا محط ركابي و مورد حياتي ، الملهى مستقر حلمها الأخير ولحدٌ لجسمي ، أعلمُ انك حامل وزري محمود تركني حائـراً و اتجـه إلى نفس الدوال الصغيرة و طوى تمرّد الأمس القريب و ساح في حوار ساخن مع المصلين الأصحّاء .
أنت حمار تترك السلال مكشوفة ، سهل قذف الكلام ، حديث مدّ حديثاً لعل التسكع حل سريع واه ، حان حل الأقنعة ، كم هي حدود التقصير ، أودّ إماطة عدم اليقين السائد ، خبر حار هزّ الأوساط في كل مساكن الأوهام ، مات محمود صاحب الأمس وماتت معه الألقاب ، هو البطران و هو السكران و هو النعسان و هو الحلمان و هو الوزان و أهم الألقاب لعله الناسي .
أمرك سيدي ، الأول مات ، لص كلمات ، عطاؤه نشاز ، أما الثاني كما ترى حرّ الإتجاه . أدعوكم للبحث طوعاً عن الرسائل التي طواها زمن الحصار .
ما تأمر ؟
لا أيها الحارس الوفي صاح به الأصلع ، خذوه إلى سيد الحكام ،عصَّبوني و أصدر أغرب حكم :
عليك رسم حيوان على نمط أحد حيوانات الأسوار المخطوطة أو إعادة حطام مدينة الأسرار المفتوحة . أكوام مبعثرة ، أعداد و حروف .
وضعت الدوال المعجمة إلى أسفل السور وفي الأعلى الصحيحة . الأصلع يبعثر ما أنجزته مع طلب ملحّ بإعادة أسس البناء . كل تعب الأعمال تنصب حول عشق أوحد و جَنَتهُ الوعود مسلوبة الألواح في صراع الذات مع التاريخ الموهوم عِبْرَ أحد الرواة الماص من دم عبارات السرد .
هذا هو قدري المسلَّط ، قلم هرم من صلصال ، نزعت إلى الصمت أودّ استرداد الرسائل .
أهذا وهم لا يمت للوهم بصلة أو لحقيقة الأسرار ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى