محمد عمار شعابنية - سأنسى.. فهل سأكون؟.. شعر

(1)
لقد جنّت الريحُ
يا أرضُ كوني
احتواءً لذاكَ الغبارْ
وهَدْءًا لنقع يُثارْ
وكوني كما أنت لا حربَ تطغى عليكْ
ولا سِلمَ يهرب مكتئبًا من يديْكْ
إذا اسوَدّ وجْه الزمانْ
و أقعى على خِصيَتيْه المكانْ
وفرّخ في البَرّ عُقْمُ
وأزبدَ في البحر عُقمُ
ومَصّ الهواءَ الدّخانْ
وما عاد في مَوقد الشمس جمْرٌ
ولم يكتملْ فوق خـَدّ الوسادة حُلْمُ.

(2)
هيَ الريح هاجتْ
و ماجتْ
ومدّت أصابعَها في تُخوم القرى والمدائنْ
لتشهد عمّا جرى
وعمّا يكابده الوقت في واقع أو مجازِ
ويؤسفني أنني
هنا مُذ تدرّجتُ في مسْلك العُمْر أحيا
مدينا ودائنْ
ولكنني لم أذقْ من حليبٍ
تقاطرَ من ضَرْع أمْن موازي
لأني وفِيّ لذاتي
وما يعتريني
من الشكّ في يقظتي وسباتي
ولي شُعْلة العقل
فلْيـسْلَم العقلُ إذ يتوَزّعُ
بالعدل بين الورى
وتغرق في المتوسّط كلُّ المياه التي
لا تغذي عروق الثرى.

(3)
سأنسى ...فهل سأكون
جديرا بما هو لي في غدي
من المُحْدَثات المفيده
و ما يترصد ني من شجونْ ؟
وأعلم أنّ الذي سوف يأتي
إذا حرّك الخَوْفُ مجراهُ
يُلغي وعودَهْ
كما أنني
أفكّر في أنْ أكونْ
حرِيًّا بما لا يعكّر صفوي
وما لا يكدّر فكري وصحو ي
لأغسلَ وجْهَ الجنونْ
بماء عَطِرْ
وإنْ شحّ رعدٌ وراوغ برْقُ
سأبقى على قلَقٍ أنتظرْ
وأنسى..
كما تتناسى البحارْ
بأعماقها ما تراكم من طحلبِ أو حَجرْ
ولي مارِجٌ من عذاب القصيدْ
وللشعب ما لا يريدْ.

(4)
أرى ما يرى الناسُ
أوْ عندما لا يروْنْ
أحاول أن لا أسعّر خدّي لهمْ
وأن لا أخونْْ
وأعرف أن الشياطين تسلك دربي
وتتلو على خطواتي
من السحْْر ما يتوعدني بالجنونْ
ولكنني لا أجُنّ
وأبقى كما طائر حين يهجر أرضا شتاءً
إليها إذا حان صيفٌ يحِنّ
وقد سطـّر العُمْر في جبهتي
تجاعيدَ مليون عامْ
لأطلقَ دقّاتِ قلبي حمامْ
وأثنيَ صبحا وليلا
على من يحبوّن مثلي بلادي
وما في بلادي
ومن ضربوا خيْمة للحنينْ
وزادوا غرامًا
وذابوا هُياما...
وأعلنُ عن رغبة راودتني
بأنْ أجعَل التّاءَ...
والواوَ...
والسّينَ...
والنـّونَ... قِبْلة َ أرواحهمْ
وفي كلّ ركعة وجْدٍ
أنصّبُ عِشقي عليهم إماما.

(5)
أفتش في أفـُق الشّعر عن حِكمة من ذهبْ
وعن لحن أغنية مُشْرقٍ كالذكاءْ
فأقرأ ما شاع بين الخوارج في شعرهم من غضبْ
وما كان يذرفه الشيعيون الأوائل في نظمهم من بكاءْ
إذنْ.. كيف أحسم أمري
إذا لم أجـِدْ لي دمًا في الكلامْ
ولم يحتملْ ما يؤرّقني الآن فكري
فأُلزِم ذهني عناءً شديدْ
لأفعَل شيئا يسَُدّ الفراغِ
ولي وجَع في الدماغْ
كأنْ فيه أُكسيدَ صُلـْب الحديدْ
وحامضَ ماء الصّديدْ
ومائي أنا اليوم مالحْ
ولي شجر من سنين
فقير إلى هفهفاتِ الرياح اللواقحْ
ولكنني لن أصافحْ
يدًا لم تلامسْ أصابعُها
أناملَ تـُرْب وطينْ.

(6)
أُخاطبُ مَن ليس يشبهني:
ـ أنا في اختلاف معَكْ
فكُنْ جاهزا كي تناقشني في مسائلَ شتّى
فقد تتعالى لتـُقنعني
وقد أتواضع كي أًقنعَكْ
فإنْ ولْوَلت ذئبة بيننا
فلا أنت تسمعني
ولا أنا استمهل الوقت كي أسمعَكْ.

(7)
إلى أيّ شرق أسيرْ؟..
إلى أيّ غرْب أطيرْ؟..
وفي خاطري جَنّةٌ في الشمالْ
تنادي تعالْ
ولي في الجنوبْ
شعورٌ غريبْ
يحمّلني طُهْر هذي البلاد الفقيرهْ
وما في ملامحها من شُحوبٍ يرَوّعني
وبقايا جمالْ
وها أنني بين أضلعها الآن أحيا
وأسأل عمّا ستفعل بي في بقبّة عُمري
إذا رافق البُطْءُ سيري
ولكن بأيّة حال ؟

(8)
أعفـّر كفـّيًّ بالطّينِ
فلْيصبح الطّين خُبْزا
على شفتي ولساني
ويُصبح لي مَنْجَمٌ ونصيبْ
بحقل الأماني
وأرفع عيْنَيّ ظإذ يتجمّع فجرا
غمامٌ على سطح بيتي كثيفْ
يذكّرني بالخريفْ
وما سطّرته المحاريثُ في صفحات المزارعْ
فتنمو السنابلُ كي يأكل الجائعون الرغيفْ
وأسمع ليلا طشيشا طويلا
يحدّثني عن شتاءٍ مطير ولاذعْ
وأنشر شوقي وتوْقي
على غيمة في سمائي
تبشّرني بالربيع
وأرسل طَرْفي
إلى شاطئ عسجديّ
يهيئني للمصيف
ويمنحني حين أسهر في حضرة البحرِ
شايا ولوْزا.

(9)
وأبقى إذا أغلق الضوء عيْنيهِ
لا عن يمينٍ
ولا عن يسارٍ
ولا عن وسطْ
أثّثُ بالسّهد بيتي مساءً
وفي صمتها أنخرطْ
وأحرص فيها
على أن أفكّر في ما سأفعل في الغدِ...
والغدُ كالأمسِ في عُرس نوْم يغُطْ
ولن أفتحَ البابَ إلاّ صباحًا
فحَضْرُ التّجوّل يحتل كلّ الشوارعِ
مُنشرحا منبسطْ
وحضْر التّجوّل يُغري انتشارَ القططْ.

(10)
وهَبْ أنني لا أشارك في لُعبة الحظِّ
لكنني أتهيأ للامتحانْ
لأعرفَ نفسي وأمنحَها ما لها أو عليها
فإنْ أوقفتني
على سدّة الفوْز أو أجلستني...
لها التاجَ والصولجانْ
وإنْ راوغتني بصفر الهزيمةِ
فالظّرف صعب عجيبْ
يُصَعّدُ ظنّي الذي لا يخيبْ
وأخجل من أن تقولَ العيونُ التي في طريقي
لقد صار غِرًّا
وعمّا قريبْ
سيخرج من بُخْل هذا الزمان
بلا حمّصٍ أو زبيبْ
كأنْ لم يجرّبْ
حياة ً يحرّك دولابَها سارقٌ أوْ مُهرّبْ...
ويُطلق رجليْه فيها الغريبْ
فأختار مِن بين ناريْن نارا
فأنْ دفـّأتني
أقلْ يَتـُها النارُ كوني كما أنتِ
برْدا يطوّقني وسلاما
وأنْ أحرقتني
أقلْ لا مَلاما
إذا أنا لم أُحسِن الاختيارَ
وأحبسُ منكسرًا في لساني الكلامَ.
نهارًا...
نهاريْنِ...
شهْريْنِ...
عامًا...
وعامًا...
وعامًا ...
وعاما ...
وعاما ...

(11)
أجـِبْ يا غـُثاء البشَرْ !
هل الشمس أنثى
إذا كان قـُرْص القمَرْ
ذكـَرْ؟..
وقدْ عاث فيه اليَبابْ
وطارتْ إليه الكلابْ
ولا ماءَ...
لا نارَ...
لا هـَبّة من نسيمٍ تـُهفـْهف فيهْ
وماضيهِ تِيهْ...
وآتيـهِ تِيـهْ...
وبـرْدٌ بحضن الزمان السّفيهْ...
ومَنْ ذكـّروهْ
فقد غيّروا آية الضوْءِ أو حرّفوها
ولن تـُصبح الشمس أنثى القمرْ
لأخزِنَ أنوارَها في تجاويف قلبي
وأسقِيَ أزهارَها من طموحات شعبي.



المتلوي من 29 سبتمبر إلى 2 أكتوبر2019


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى