حسام المقدم - فاطمة.. قصة قصيرة

تحكي "فاطمة" لزميلاتها أنها تحلم، وفي الحلم تكون خارجة من بيتهم؛ فتحاذيها دجاجات، وتدخل بين قدميها وتخرج أرانب وقطط ناعمة.
"فاطمة" رائدة فصل (6/2) الذي أدخله يوميا. معها طباشير الفصل ودفتر الغياب. خطها جميل وتكتب عناوين الدروس كأنها ترسم. من تلقاء نفسها، بادرت بكتابة قائمة جديدة بأسماء الفصل، بدلا من الأخرى القبيحة الملطوعة على الحائط، كما قامت بتسطير جدول جديد للحصص بأقلامها الملونة، فضلا عن لوحة مزدانة بالرسوم لمجموعات النشاط الأربعة. علقت "فاطمة" كل ذلك في المستطيل الخشبي المعلق جنب السبورة، والمقسم إلى مربعات متماثلة، بعد أن زينته بورق الحائط الوردي، ليتميز فصلنا بعد ذلك بأن فيه "فاطمة"! نعم تلك الصغيرة المهندمة. وجهها قطعة نقود جديدة يحلو تأملها في باطن الكف. حين أدخل الفصل تبادر إلى إخراج الطباشير من كيسها الأزرق، وتستأذن في سحب الكرسي لتطلع فوقه ماسحة السبورة، أو مُعدلة التاريخ إذا كنا في أول حصة. تفعل "فاطمة" تلك الأشياء، وتصر عليها حتى في وجود منغصات كثيرة. ففي مرة خرج صوت منافسها الأقوى "عبدالحميد"، مناديا إياها أن تنتهي: "خلاص بقى انزلي يا ورك النملة!"..استدارت "فاطمة"، من فوق الكرسي، بيديها في وسطها، وعينيها المفتوحتين: "اسم الله عليك يا ورك الجمل!". بالفعل كان الولد "عبدالحميد" طويلا نحيلا. حُشت نفسي عن الضحك وأنهيت الاشتباك.
كنا في مارس حين جاء "عبدالحميد" مبتسما، وقال إنهم يريدون تغيير "فاطمة"، واختيار "محمد عبدالمنعم" رائدا للفصل. قلت إن الموضوع لا يستأهل، خصوصا أن امتحانات آخر العام بعد شهرين، وذكَّرْتهم بانتخابات أول السنة التي فازت فيها "فاطمة". في النهاية وعدتُهم بفرصة كبيرة في انتخابات العام القادم.
حصة وراء حصة، ويوم يسحب يوما. وبعد سبعة أيام من اعتقادي بانتهاء الموضوع؛ فاجأتني "ندا" صاحبة "فاطمة" بأن الصبيان عملوها: اختاروا "محمد عبدالمنعم" رائدا للفصل، و"عبدالحميد" هو الأمين المساعد. توقفتُ عن أي شيء، وكادت الطباشيرة أن تقع من يدي. بسرعة دارت عيناي في الجانبين المتحفزين، ورأيت النار نائمة. زعقتُ بكل ما فيّ: خلااااص!.. مضيتُ في حصتي، دون فتح الموضوع بكلمة واحدة.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى