إحسان عبدالقدوس - نصف الحقيقة.. قصة قصيرة

كان يعتَبر نفسه من أشدّ الأزواج ذكاء، وقد دلّه ذكاؤه على أن الكذب خطر، وأن الصدق مستحيل، لم يكن يكذب على زوجته، فقد كان يخشى أن تكتشف كذبه في يوم ما، وهي زوجة عنيدة عصبية لا تغفر ولا تصفح، ولم يكن يقول لها الصدق، مستحيل، إنه لا يستطيع أن يقول لها إنه زوج خائن، وأن له عشيقة، بل عشيقات، واكتشف أن طريق السلامة هو أن يصرّح دائما بنصف الحقيقة، فلا هو صادق ولا هو كاذب، وإنما هو دائما نصف صادق، ونصف كاذب!
كان عندما يلتقي بإحدى عشيقاته، يعود إلى زوجته ليقول لها إنه التقى بفلانة في الشارع، وحيّته وحمّلته سلامها إلى العائلة والأنجال، ثم يخفي الباقي، يخفي أنه صحبها إلى شقته الخاصة، وعاشا هناك ساعات بين أحضان الخطيئة.
وكان يضمن بذلك ألا تكتشف زوجته أمره، فلو صادف ولمحه أحد من أصدقاء العائلة مع عشيقته وأبلغ زوجته فسيبدو أمامها بريئا، ما دام قد سبق أن اعترف لها بأنه التقى بهذه المرأة.
وهكذا عاش، زوجا سعيدا، وعاشقا سعيدا، مُعتزّا دائما بذكائه!
إلى أن عادت زوجته يوما وقالت له ببساطة- نفس البساطة التي تعوّد أن يقول بها نصف الحقيقة- إنها قابلت فُلانا في محل "لاباس" وإنه يبلّغ سلامه، وجحظت عيناه كأن حجرا سد زوره، وقال:
- ماذا قال؟
ورفعت حاجبيها دهشة وقالت في فتور:
- يبلّغكَ سلامه!
وصاح في صوت أجَش:
- ثمّ ماذا؟ ماذا فعلتما؟ أين ذهبتما؟!
وأدارت له ظهرها وقالت بلا مبالاة:
- كان لقاء عابرا.
وسكت، وأخذ يتفرَّس في وجه زوجته بعينيه الجاحظتين كأنه مجنون، كان يبحث في وجهها عن شيء، عن النصف الآخر للحقيقة، ولم يجده.
أعلى