توفيق الحكيم - الناسك وأبليس!..

أتخذ قوم شجرة، وصاروا يعبدوها .. فلم يكد يقترب منها أحد حتى ظهر له "أبليس" حائلا بينه وبين ألشجرة، وهو يصيح به:مكانك أيها ألرجل .. لماذا تريد قطعها؟
- لأنها تضل ألناس.
- وما شأنك بهم؟ دعهم في ضلالهم.
- كيف أدعهم .. ومن واجبي أن أهديهم؟!
- من واجبك أن تترك ألناس أحرارا، يفعلون ما يحبون.
- أنهم ليسوا سوى أحرارا .. أنهم يصغون ألى وسوسة ألشيطان.
- أوتربد أن يصغوا ألى صوتك أنت؟
-أريد أن يصغوا ألى صوت ألله.
- لن أدعك تقطع هذه ألشجرة.
- لا بد لي أن أقطعها.
- فأمسك أبليس بخناق ألناسك .. وقبض ألناسك على قرن ألشيطان .. وتصارعا طويلا .. الى أن أنجلت ألمعركة عن أنتصار ألناسك .. فقد طرح ألشيطان على ألأرض وجلس على صدره وقال له: هل رأيت قوتي؟ .. فقال أبليس ألمهزوم بصوت مخنوق: ما كنت أحسبك بهذه ألقوة .. دعني وأفعل ما شئت .. فأخلى ألناسك سبيل ألشيطان .. وكان ألجهد ألذي بذله في ألمعركة قد نال منه .. ورجع ألى صومعته وأستراح ليلته .. فلما كان أليوم ألتالي حمل فأسه، وذهب يريد قطع ألشجرة، وأذا ابليس يخرج له من خلفها صائحا: أعدت أليوم أيضا لقطعها؟
- قلت لك لا بد لي من أن أقطعها.
- أوتظن انك قادرا على أن تغلبني أليوم أيضا؟
- سأظل أقاتلك حتى أعلي كلمة ألحق.
فتصارعا مجددا وخسر أبليس مرة أخرى .. وأعتبر أبليس أن قوته لعظيمة.. ثم تفكر لحظة .. ورأى أن ألنزال وألقتال مع هذا ألرجل لن تتيح له ألنصر عليه، (فليس أقوى من رجل يقاتل من أجل فكرة أو عقيدة) .. فرأى أبليس ألنصر على هذا ألرجل فقط عن طريق "ألحيلة" .. فقال له بلهجة ألناصح ألمشفق: أتعرف لما أعارضك في قطع هذه ألشجرة ؟ .. أني ما أعارض ألا خشية عليك ورحمة بك .. فأنك بقطعها ستعرض نفسك لسخط ألناس .. ما لك وهذه ألمتاعب تجلبها على نفسك؟ .. أترك قطعها وأنا أجعل لك في كل يوم دينارين .. وتعيش في أمان وطمأنيتة.
- دينارين؟
- نعم .. في كل يوم تجدهما تحت وسادتك .. وافق ألناسك بعد أن قطع له أبليس وعدا بذلك .. وصار يمد يده تحت وسادته كل صباح لمدة شهر .. وفي ذات صباح مد ألناسك يده تحت ألوسادة فخرجت فارغة .. لقد قطع أبليس عنه الدنانير فغضب ألناسك، وذهب لقطع ألشجرة .. فأعترضه أبليس في ألطريق، وصاح فيه: مكانك .. ألى أين؟
- ألى ألشجرة أقطعها.
فقهقه ألشيطان ساخرا: بل لأزيل ألضلال وأضيىء مشعل ألهداية.
- أنت؟
- أتهزأ بي أيها أللعين؟
- لا تآخذني .منظرك يثير ألضحك.
- أنت ألذي بقول هذا، أيها ألكاذب ألمحتال؟.
وأنقض ألناسك على أبليس متصارعين وأذا ألمعركة تنجلي عن سقوط ألناسك تحت حافر أبليس .. فقد أنتصر وجلس على صدر ألناسك مزهوا متكبرا يقول له: أين قوتك ألآن أيها ألرجل؟ .. فخرج من صدر ألناسك ألمقهور صوت كالحشرجة يقول: أخبرني كيف تغلبت أيها ألشيطان؟.
فقال له أبليس: لما غضبت لله غلبتني، ولما غضبت لنفسك غلبتك .. لما قاتلت لعقيدتك صرعتني .. ولما قاتلت لمنفعتك صرعتك.
أعلى