محمد أديب السلاوي - عندما تنعدم الثقة...

كشفت تركيبة النسخة الثانية من حكومة السيد العثماني، أنها بعيدة كل البعد عن التعليمات التي جاء بها خطاب العرش الأخير،والتي طالبت رئيس الحكومة بقوة ووضوح ضخ دماء جديدة في شرايين الحكومة، وإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، والاستعانة بالخبرات الشبابية، وإدخال جيل جديد من المسؤولين القادرين على مواجهة أوضاع البلاد.

وكشفت هذه التركيبة أيضا، أن أحزاب الائتلاف الحكومي، لم تستطع الوفاء لهذه التعليمات،بسبب إفراغها من هذا الصنف من الكفاءات،وهو ما دفع السيد العثماني مرغما الالتجاء إلى شخصيات تقنوقراطية بديلة من خارج أحزاب الائتلاف، لترقيع النسخة الثانية من حكومته ،وهو ما يعطي الدليل القاطع ،أن أحزاب الائتلاف أصبحت فارغة،لا تملك لا كفاءات ولا خبرات ولا جيل جديد يعول عليه من القادرين على مواجهة أوضاع البلاد والعباد، وأنها تعاني بصمت من أزمة ثقة بينها وبين الشباب الواعي، المتعلم، المثقف، المكون، القادر على العمل والنضال

وأزمة الثقة تعد احد المفاهيم الأساسية في ظل ما يشهده المغرب الراهن من أزمات وانتكاسات، ومن اتساع دوائر انعدام الثقة بين أحزاب الحكومة والشباب، وبين هذه الفئة الواسعة والحكومة الراهنة.

إن الثقة السياسية هي العنصر الحاسم في العملية الديمقراطية التي تعتمد على مواقف المواطنين تجاه الأحزاب، وتجاه نخبة النظام السياسي.

وتجب الإشارة هنا إلى أن إشكالية الثقة بين الأحزاب والشباب ليست عامة بالمغرب الراهن، أن العديد من أحزاب اليسار وأحزاب اليمين وأحزاب الإسلام السياسي(العدل والإحسان) لا تعاني من هذه الإشكالية، لأن الثقة للعديد منها هي صفتها، هي قدراتها وتقييمها لنفسها وللمحيطين بها. وهي الميثاق المشترك بينها ويبن مناضليها، وهو ما يجعلها رغم ما تعانيه من إشكاليات مع السلطة، واثقة من نفسها، ومن قدراتها التي تجعلها تقيم علاقات ايجابية من أجل تطوير ذاتها، ومن أجل إشعاع خطابها السياسي

قبل أن تتحول أحزاب الائتلاف الحكومي الراهن إلى دكاكين انتخابية، وتضع نفسها في خدمة السلطة المخزنية على حساب المبادئ والقيم الديمقراطية.لم تنتبه إلى أهمية العلاقة بينها وبين الشباب، والى أهمية الثقة التي تعتبر تربية للنفس على عدم الشك بنوايا وأخلاق القادة والبرامج والتطلعات والأهداف المستقبلية.

إن الثقة قبل هذه المرحلة كانت بالنسبة للأحزاب السياسية، هي العنصر الحاسم في العملية الديمقراطية، عليها تعتمد مواقف المناضلين تجاه النخب القائدة والعاملة في الميدان، ولكن عندما لمست الجماهير منطق المحسوبية والزبونية داخل العديد من هذه الأحزاب فقدت بها الثقة، وأدركت أن برامجها وخطابها السياسي،هو مجرد حبر على ورق، لا يغني ولا يسمن من جوع

هكذا أصبح انعدام ثقة الشباب في هذه الأحزاب ظاهرة ملفتة للنظر، وهو ما حط من قيمتها، ونزع عنها المصداقية في أعين كل المواطنين، الشيء الذي أذى/يؤذي إلى فراغ في التمثيلية السياسية، والى انعدام الثقة في كل العملية السياسية التي تقودها هذه الأحزاب.

ليس الشباب المغربي وحده الذي فقد الثقة في الأحزاب التي تقود عمليات التنمية والإصلاح والعدالة الاجتماعية ،بل أن جلالة الملك نفسه انتقد بشدة الطبقة السياسية، حيت قال في إحدى خطبه(30 يوليو2017) أنه غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين.

نعم. إن الثقة هي أمر أساسي وضروري في الحياة السياسية، خاصة في الأحزاب والنقابات ومؤسسات الدولة، حيت لا يمكن إقامة علاقة بينها وبين المواطنين خارج قيمها وشروطها الموضوعية. لذاك نقول للحكومة المعدلة خارج شروط التعديل، كيف ستبني الثقة بينك وبين المواطنين الذين أصبحوا يدركون قيم الديمقراطية وشروطها ؟ هل بصباغة الحقائق، أم بتلفيقها.

في الحالتين تنعدم الثقة، وتلك هي الإشكالية العظمى التي ستواجهها في كل تحركاتها عاجلا أو أجلا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى