بسمة الشوالي - لحظة انطفأ المصباح.. قصة قصيرة

اِستقلّتْ مقعدا وسطا في الصفّ الثاني من سيّارة الأجرة. الوجه المنعكس على المرآة الخارجيّة صفحة مجعّدة لامرأة شاحبة رشَم عليها الزّمن كلّ تواريخه القٌلّب. قدّرت أنّها في مثل عمرها أو أزيد بشقاء غير قليل، ومثلها ربّما، محمّلة بكيس كبير من عبوات الأدوية وفواتير مكلفة. لحافها صوفيّ كالذي تلتفع به، وأزرق بورود بنيّة كبيرة مسدل على الكتفين المنهكين. وجه الغريبة لا ينفكّ يفتكّ ذهنها من شروده، ويثبّت بصرها عليه مثرثرا بمتاعبها الشّخصيّة التي تتقن كبتها إلاّ عن أنّات الهزيع القاسي من آلام المفاصل. لا تدري لمَ تشغل بالها بغريبة تشاركها السّفرة عرضا، وتشبهها في تفاصيل كثيرة. كأنّما عرفتها قبلا. أين؟ متى؟ لا تذكر. مدينة الذّاكرة ابيضّت جدرانها وبدأت تفقد انتظامها الطّبيعي، والشّارع الذي تسكنه وجوه معارفها غالبا ما ينطفئ مصباحه، ثمّ هي لم تر سيّدة غيرها تركب سيّارة الأجرة ! لم تنتبه حتما. أشياء كثيرة غدت تجتازها ولا تفطن. اِلتفتت إلى ركّاب المقاعد الخلفيّة. عاد المصباح ينير المنطقة المظلمة. ضحكت. رمقها الجميع شزرا. اِنفجرت بكاء. ”أنتِ بخير سيّدتي؟”. حرّكت رأسها نفيا للحقيقة التي رأت، ذلك الوجه لها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى