ياسر جمعة - رائحة أبي.. قصة قصيرة

كانت المنازل والأشجار، في الحلم، قصيرةٌ جدًا، وكنتُ أطلُّ عليها من علٍ وأنا أتجوَّلُ في طُرقاتها الضيِّقة، التي لم تكنْ تستوعب قدميَّ إلا بالكاد.

كنتُ ألعب سعيدًا، ولم يكن هناك هدفٌ غير ذلك.

ولكن، ما إن أخذتِ الأشياء من حولي تكبر، بينما أنا أتضاءل، خفتُ، ورحتُ أركض في الطرقات التي كانت تزداد اتساعًا كذلك.. كأنَّما كنتُ أبحث عن شيءٍ، أو عن أحدٍ، في هذا الظلام الصامت، دون أنْ يخطرَ لي، ولو للحظةٍ، أني سأخرج من هذا التيه.

كنتُ ضائعا إذًا، وكانت الوحشة في روحي تتعاظم، بينما أركض، ويتضاءل حجمي، أركض، أركض، حتى شممتُ رائحة أبي، توقَّفتُ ورحتُ أتلفَّتُ حولي كمن يستطيع أن يرى في هذا الظلام الحالك، ورغم شعور الأمان الذي بدأ يُهدِّئُ من روعي، إلا أني كنتُ غاضبًا، فأنا أعلم أنَّ أباي ميَّتٌ. لقد قتلته في حلمٍ سابقٍ، كنتُ فيه ابن السابعة، وأبقيتُ على جثّته ثلاثة أعوامٍ، أتحدَّثُ إليها بكلام روحي، وبكلامه هو كذلك، حتى شفَّ الصمتُ فيَّ، فدفنتُه في أبعد مكانٍ عن ذاتي، لذلك، ما إن انبعثتْ رائحتُه كثيفةٌ، وحيَّةٌ، لتبثَّ في روحي الأمان.. أحببتُ خوفي، وقرَّرتُ أنْ أمارسَ تيهي مبتسمًا.

ياسر جمعة



  • Like
التفاعلات: ليلى منير أورفه لي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى