شمعون بلاص - أنا اليهودي العربي الأول.. ترجمة: نائل الطوخي

حتى وهو يقترب من سن الثمانين، لم يبد الأديب شمعون بلاص أي علامة على المهادنة. يواصل وصف نفسه بأنه يهودي – عربي، وهو المفهوم الذي صكه هو، يكتب الروايات فقط بالعربية والدراسات فقط بالعربية ويبتعد – بقوة تقريبا – عن التيار المركزي الثقافي. ليس من عجب في أن الجيل الجديد من الكتاب الشرقيين في إسرائيل يراه نوعا من الأب الأول، ويمكن أن تندهشوا، فهو بالتحديد متفائل فيما يتعلق بمصير دولة إسرائيل.

ران ياجيل

ترجمة: نائل الطوخي



في واحدة من الفقرات الجميلة من "بالضمير الأول" يكتب:

"وذات ليلة، ، لدى عودتي متأخراً من المطبعة حملت في يدي قبل الصعود للنوم كتابا لطه حسين (كاتب وناقد مصري معروف، ر. يـ) لأجل فحص شيء ما لا أذكره. ولكن بعد أن أطفأت النور هاجمني مدٌ رهيب من الكلمات، والجمل وأبيات الشعر بالعربية، مثل سد انهدم فجأة، أطار النوم من عيني حتى الصباح. كان هذا هو انتقام العربية مني، كما تعودت على أن أقول لنفسي، العقاب المستحق لي على ما يبدو لأنني أدرت ظهري للغتي الأم المحبوبة والحميمية".

مثير للاهتمام أنه مع السنوات حدث انفصام بين اللغتين: العربية بالتحديد يستخدمها بلاص كلغة للبحث الأدبي. هو متخصص كبير في السرد العبري الحديث وبشكل خاص في السرد الفلسطيني، بل وأعد رسالة الدكتوراه عن فترات الصراع العربي الإسرائيلي في الأدب، بالسوربون، ودرس لسنوات في جامعة حيفا. يستخدم العبرية وهي لغته الثانية في الكتابة الإبداعية، أي الأدب الرفيع، القصص والروايات.

الفصل أمر محسوم تماما، طبيعي في الحقيقة، حتى أنه لا يستطيع كتابة سرد بدلا من كتابة دراسة ولا يستطيع كتابة دراسة بدلا من السرد. الدراسات يكتبها في غرفته، ولكن السرد يكتبه لسنوات في البلكونة، وبهذا هذا في كوخ مؤقت على السطح الذي تهدم في النهاية بأوامر بلدية تل أبيب، وفي النهاية فيما يشبه غرفة صغيرة مرتجلة ومغلقة لأجل التركيز.

الأدباء الشرقيون الشباب المهتمون بالمجتمع الذين يتحرك أغلبهم مسرعا نحو مركز الوسط الأدبي يعتبرون بلاص مايشبه أباً أولياً، شخصا فكر في أفكارهم قبل أن يولدوا هم أنفسهم ويوجدوا في العالم. بلاص كان من أوائل المثقفين الذين أصروا على تسمية "يهودي عربي"، بل ودخل في جدالات غير قليلة لهذا مع الوسط الأدبي، وأولهم كان البروفيسور جرشوم شاكيد رحمه الله.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شمعون بلاص (79 عاما) هو أديب أصيل، عميق، مولود في العراق ولن يبيع لك بأي شكل كيتش الشرق، وإنما الحياة نفسها. لا توجد في سرده ملامح نمطية رومانسية وإنما بشر. وبخلاف الأديبين المعروفين سامي ميخائيل وإيلي عامير، فشمعون بلاص وسرده، لم يتركزا أبدا باتجاه وعي المؤسسة الصهيونية. مثال جيد على هذا هو روايته "صولو" (سوفريات بوعاليم، 1998) والتي يغوص فيها داخل حياة مسارح القاهرة في نهاية القرن التاسع عشر. جذاب، مجرد وبعيد عن أي من الأحداث الجارية.

أبطال بلاص هم أشخاص أيديولوجيون، أخلاقيون للغاية، يختارون الحفاظ على الاستقلال البالغ داخل الإطار أو السياق الذي يعيشون فيه عن طريق اختيار الحياة في الهامش. على سبيل المثال بطل رواية "وهو آخر" (زمورا – بيتان، 1991) الموصوف على هيئة أحمد نسيم سوسة، اليهودي العراقي الذي أسلم في الثلاثينيات وأصبح إحدى الشخصيات المركزية في مؤسسات السلطة، أو هنري كورييل في رواية "شتاء أخير" (كيتير، 1984)، وهو قائد الحزب الشيوعي في مصر والذي تم حبسه وهاجر في النهاية إلى باريس. حاضر الرواية هو الشتاء الأخير في حياته، عندما قتل على مدخل بيته في 4 مايو 1978 على يد إرهابيين لم يتم الكشف عن هويتهم وهوية من أرسلوهم.

على امتداد سنوات طويلة كان بلاص شيوعياً نشطاً، وترك حزب ماكي في مرحلة متأخرة نسبياً بالستينيات. في الحزب تعرف أيضاً على زوجته جيلا، والتي كانت شيوعية منذ الرضاعة، وهي أستاذة للفن الحديث وتهوي جمعه. عمل كمراسل للشئون العربية في جريدة الحزب "كول هاعام"، وعامل طباعة.

بعد هذا تنقل بين جرائد أخرى وكتب أعمدة شخصية، وكان حريصا على الحرية التامة كي يستطيع الاستمرار في كتابة سرده. بعد 15 كتاب سردي (روايات وقصص قصيرة)، نشر الآن سيرة ذاتية قصيرة، "بالضمير الأول" (هاكيبوتس هامئوحاد، سيمان كريئاه) ركز فيها على سنوات تكونه كأديب ورجل أيديولوجي، بداية من كونه صبياً وشاباً في الحزب الشيوعي بالعراق ثم كإنسان ناضج هنا في إسرائيل.

ترد في "بالضمير الأول" ثلاث صور جذابة عن أشخاص مركزيين في الحزب الشيوعي الإسرائيلي. الزعيم الكاريزمي الذي انضم للحزب من خلال الحركة الصهيونية، موشيه سنيه، السكرتير العام، شموئيل ميكونيس، الذي وصفه سنيه بكلب حراسة الحزب، وبالطبع الشاعر – الثمل الخالد للحزب ألكسندر بن.

في بداية طريقه كأديب لم يكتب شمعون بلاص إلا بالعربية، لأنه كان مؤمنا أن الإنسان لا يمكنه كتابة أدب شخصي قريب لهذه الدرجة من لحمه ودمه إلا بلغته الأم. كتب روايته الأولى "المعبرة"، في البداية بالعربية وبعد هذا فقط أعاد كتابته بالعبرية وصدر عام 1964 عن دار نشر "عام عوفيد". وببطء بدأ في الانتقال لكتابة الأدب بالعبرية، أما العربية فلم تصبح ملزمة.



شمعون بلاص.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى