الشرقي لبريز - توقيع شهادة وفاة!

يبدو ان الكل يغط في نوم عميق، في هذه الليلة الشتوية المطيرة، إلا أنا، أحس أن عجزا بغيضا سكنني في ليلة تشبه هذه الليلة، مند أن احتلت صورها الذاكرة، فصار كقنّاص محترف يصطاد الأحلام، أو وحش داري يبتلع أي ذكرى جميلة تشفع للحياة بعد رحيلها، اذ لم تعد الذاكرة تعج الا بذكريات الانكسار الى اقترنت بالوحدة، يا له من وحش جائع يفتك بأي برعم أمل يمكن أن يمنحني الحياة، كيف لي أن احي والإرادة شاخت وأصابها ضمور كلي.
لممت بعضا من قوي المنهارة على أعتاب الذكريات، ارتديت ملابسي، خرجتُ غير آبه بكثافة المطر المتساقط، أجوب أطراف المدينة علَّني انعم بالحياة هنيهة، فقد آن للطفل بداخلي، أن ينضج ويسير وحده، بالطرقات الخالية في الليالي الشتوية المطيرة، دون أن يثير ذلك مخاوفه.
كانت الطرقات خالية من المارة، المباني الشاهقة وواجهات المحالات التجارية تنتصب على الجانب، والبحر قابع في الجانب الآخر بهديره الذي لا ينقطع، انعكاسات الأضواء الملونة من السيارات القادمة على قطرات المطر التي تبلل الطريق تنطبع على صفحته، ترسم لوحة فنية خلابة، لكنها تضل ناقصة في غياب وجوهك، الذي كان يطل بين الفينة والأخرى من نافذة الذاكرة، مكملا الجزء الضائع من اللوحة....
بعد مدة من السير في تلك المدينة الشبه ميتة التي لا أدري هل ساعات او دقائق، دون مبالاة بما يجري حولي، كنت أأمل فقط لو تصير الطرقات أقل وحشة، بمعرفة الحقيقة والتخلص من سجن الذاكرة، مهما كان جميلا، ومهما هون الحاضر من آلام.
عدت إلى تلك الغرفة الشديدة الظلام، التي تتساقط فيها كل الأشياء الجميلة وتذوب كشمعة مُنطفئة، وانا أجتر خيبات وانكسارات، لا أدري أيهما مظلم الغرفة اما حياتي؟
عمر مثقل بذكريات تلك الليلة الشتوية، التي كنا فيها معا بتلك الشقة المطلة على البحر، حيث رقصنا ركضنا كطفلين...، حيث وجدت نفسي، لما ظهرتِ في دنياي فصرت قمر أهتدي به في الليالي حالكة السواد.
عدت كرأسٍ ثمل كلما استفاق من غيبوبة دخل في أخرى أطول، مازلت أعيش في تلك الليلة، وما هذه الأيام ليست إلّا امتدادا لها.
لاشيء اخطر من ان يستحوذ على المرء إحساس، ويبدأ ذلك الإحساس في التمدد حتى يحتوى الإنسان نفسه، ولا يترك ولو مساحة صغيرة لأي إحساس آخر مهما بلغت ضآلته, اذكر، عفوا بل صرت أعيش كل يوم وليلة، تلك الليلة التي آمنت بكِ فيها، أما أضواء الصباحيات او أشعة الشمس التي تخترق نوافذ الغرف، ليست الا امتدادا لتلك الليلة، إذ لولا ضوء الشمس لما ميزت أنه يوم أخر بطعم ذاك اليوم الذي عشناه معا.
فقدت كل شيء بفقداني إياكِ، تمنيت ألف مرة أن أكون قد توهمتك، لكن أنت لم تكُ أبدًا أنثى مثالية، بل كانت حقيقة أقرب منها إلى... كنتِ خيطًا واه نسجه قلبي البائيس في غفلة من عقلي وتعلق به، وازددت تعلقا بك بعد لقاءنا، لم أكن أتوقع حينها انك تفوقين الطين الذي خُلقت منه قسوةً.
إذ كلما اشتد بي الشوق والحين إليك، أصير أترنّح وكأنني بين ذراعيك، فأسند ظهري على جدران تلك الغرفة، فاستحضر تلك اللحظات حيث بكينا ضحكنا، والتي ضمّمتني فيها إليك بعنف، وكأنك تودين لو تكسرت أضلعنا حتى يسنح لقلبينا أن ينال موقعا أقرب لبعضهما او يتداخلا في بعضيهما، كنت حينها مستسلما لضمتك لم أحرك ساكنا، واكتفيت ببعض التربيت على كتفيك، صورة لم تفارق مخيلتي لحظة، لم يخطر على بالي حينها ونحن نمارس الحب في تلك الليلة انك تسلبيني الحياة، وأنني أوقع شهادة وفاتي....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى