ألف ليلة و ليلة محمود رمضان - صاحب (الرسالة) وألف ليلة وليلة..

لقد حاولت كثيراً أن أبتعد بحرفي عن الرد على ماجاء في رؤية الأستاذ (خاشع حقي) المعنونة (ألف ليلة وليلة خرافة أم حقيقية) المطروحة على صفحات العدد (406) من (المجلة العربية)، والذي يرد فيها على طرح المجلة حول كتيب مترجمو ألف ليلة وليلة (لخورخي لويس بورخيس) وما طرحه من رؤية منغلقة وخصوصاً كلماته الموجعة التي يذكر فبها: «يطيب للناس حديث (ألف ليلة وليلة) وقراءتها ولاسيما العشاق منهم، لأنهم يرون فيها لذة في نفوسهم وشهواتهم، كما يسمعون أجمل الغرائب والأخبار المتنوعة والمصادفات والاتفاقات المدهشة وما فيه من السفاهة والفساد، وفي هذا من الخطورة على الأجيال ما فيه، وعلى نفوس الشباب والفتيات من بائعي الهوى وبائعاته».


ويذكر أن هذا سبب استهواء الكتاب واقتنائه وتمضية الليالي في قراءته.

شيء موجع حقاً أن تكون هذه رؤيته المهترئة، التي تنحصر في المتعة الحسية.

كان لابد من الوقوف لطرح هذه القضية من جديد، رغم إنها قتلت بحثاً ودراسة، وعانت (ألف ليلة وليلة) الكثير من الهراء القشري، وفي كل مرة تخرج ناصعة كبياض الحليب، واقفة صلبة في مواجهة تلك الأفكار المنغلقة، العقيمة.

نحن هنا لا نؤصّل لألف ليلة، ففيها اختلاف كثير لايهمنا هنا، وإن كان البعض يؤكد عروبتها، كما حاول أنطون صالحاني (1847 – 1941م) أحد الآباء اليسوعيين، والذي يستشهد بمحتوى الليالي الذي يعظم دين الإسلام، كما إن الحكايات نفسها تدور في دمشق وبغداد ومصر.

والذي يميل إلى إنها من أصل فارسي، لأن شهريار وشهرزاد أسماء فارسية، وأن مصدرها هزار إنسنة، وقال آخرون ربما تكون هندية.

وقيل الكثير في ذلك، وأكد البعض إنها خليط من كل هذا، وهي حكايات شفهية، مجهولة المصدر، تدوالها العامة ودونت بطرق مختلفة فالنسخة البغدادية تختلف عن النسخة المصرية، وهكذا. ونتوقف في هذه الإطلالة عند محاضرتين لصاحب مجلة (الرسالة) أحمد حسن الزيات، تطرقتا لألف ليلة وليلة، ولندرة هاتين المحاضرتين اللتين نشرتهما جريدة (أخبار الأدب) في العدد (883) تاريخ 20/6/2010، يؤكد الأستاذ أحمد حسن الزيات في محاضرته الأولى المعنونة (ألف ليلة وليلة تاريخ حياتها): «إن (ألف ليلة وليلة) كتاب شعبي تمثلت فيه طوائف الشعب وطبقاته، وتراءت من خلاله ميوله ونزعاته، وتكلمت فيه أساليبه ولهجاته، فهو كالشعب وكل شيء للشعب، قد لقي من جفوة الخاصة وترفع العلية أذى طويلاً، أغفله الأدب فلم يتحدث عنه، واحتقره الأدباء ولم يبحثوا فيه».

ويذكر.. ولكن بعد أن تغيرت النظرة في العصر الحديث بعد تغلب الديمقراطية وسيادة الشعوب، واستتبع ذلك عناية أصحاب المذهب الإبداعي (الرومانتكيين) في الغرب بحياة السوقة والدهماء عنايتهم بعناية الملوك، وبدؤوا ينقبون عن (فلكور الشعوب) تنبهنا إلى قيمة تراثنا الشعبي، ووجد كتاب ألف ليلة عناية خاصة فنقل منذ أوائل القرن الثامن عشر إلى كل لغة، وحل الموقع الأول من كل أدب، وظفر بإعجاب النوابغ من كل أمة، حتى قال (فولتير) إنه لم يزاول فن القصص إلا بعد أن قرأ ألف ليلة وليلة أربع عشرة مرة، وتمنى القصصي الفرنسي (استدال) أن يمحو الله من ذاكرته (ألف ليلة وليلة) حتى يعيد قراءته فيستعيد لذته.

بعد كل هذه الحفاوة التي استقبل بها الغرب الليالي، سواء عن ترجمته أو تقديم قصصه في السينما والمسرح، بدأت مطابعنا تهتم به، وتلتفت إليه. يقول الأستاذ الزيات: «ولكنهم –أي العرب– لم يدرسوه دراسة علمية تكشف عن لبابه، وتستقطر النطف العذاب من عبابه».

وفي محاضرته التي تتحدث عن أصل الكتاب وطبقاته أشار إلى طريقة الكتاب وأسلوبه، وفلسفته ومراميه، ومخطوطاته ومطبوعاته وترجماته، وذكر في طيات المحاضرة: «أن من يطلب من ألف ليلة فلسفة خاصة وفكرة عامة ووجهة مشتركة كان كمن يطلب من كافة الناس عقيدة واحدة وطبيعة ثابتة وأغراضاً متفقة، فهو كما قلنا من قبل كتاب يصور الحياة الدنيا كما هي لا كما ينبغي أن تكون، فإذا رأينا مذاهبه تتناقض ومراميه تتعارض وآرءه تختلف فذلك لأن المجتمع الذي يصوره كذلك».

ويضع الزيات يده على نقطة مهمة يروج لها الفكر المنغلق دائماً وهي كما يقول: «ولم يكن الكتاب نتاج قريحة معلومة ولا نتيجة خطة مرسومة لتلمس جوانبه الدوافع والنوازع والغاية، إن هو إلا صدى يتردد خافتاً لعقائد الشرق القديم وعقلياته وعاداته، ففي الفلسفة تراه يتأثر بالإلاطونية الحديثة والأخلاق الإسلامية فيدعو إلى القناعة واليسير والعزوف عن الدنيا والاعتدال في اللذة والمبالغة في الحذر والتفويض المطلق للقدر، فروحه من هذه الجهة تتنافر مع صوره البراقة ووسائله الطماحة وحوادثه المغامرة، ثم نراه في أقاصيص أخرى ولا سيما الحديثة يزين الأنانية، ويرتضي القسوة، ويتشوف إلى المكاسب الدنيئة، ويشره إلى اللذة الخسيسة ولايكاد يعتقد بالعواطف الكريمة.. وقد يعبر عن المتاع الحسي واللهو الجموح بما لا يتمثل في الذهن إلا على سبيل الخيال».

إن ما طرحه الأستاذ أحمد حسن الزيات في هاتين المحاضرتين، اللتين ألقاهما في سوريا عام 1933م، لجدير بالدراسة والتوقف عند هذا الطرح الذي يقرأ هذا الكتاب قراءة واعية مستنيرة والذي سيظل رغم كل ما يجده من حصار بين الحين والآخر سامقاً في التراث العربي بصفة خاصة، والتراث الإنساني بصفة عامة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى