ألف ليلة و ليلة محمد محمود فايد - (ألف ليلة وليلة) في الدراما العالمية والعربية..

انتبهت المحطات التليفزيونية الأمريكية والهندية واليابانية وغيرها، إلى إمكانية صناعة مسلسلات طويلة شائقة عن حكايات (ألف ليلة وليلة) كانت معظمها عن (الرحلات السبع للسندباد البحري ومغامراته)، لعل من أشهرها المسلسل الذي أنتجته محطتا ABC الأمريكية وBBC البريطانية في تسعينيات ق 20م، والمسلسل الهندي الذي حمل اسم (ألف ليلة وليلة) باللغة العربية، واستمر عرضه خمس سنوات من العام 2000 إلى 2005م وتضمن 143 حلقة! وفي معظم الدول الأجنبية والعربية ظهرت العديد من الأعمال الدرامية الألف ليلية التي استلهمت مثلاً، شخصية (السندباد البحري) في بعض مسلسلات الرسوم المتحركة، كالمسلسل الياباني الذي أخرجه فوميو كوروكاوا، وتكون من 52 حلقة، عرض لأول مرة في (نيبون أنيميشن)، وتدور قصته حول (سندباد) الفتى البغدادي ابن أحد التجار المشهورين، الذي يتسلل إلى الحفل المقام بقصر الوالي ليرى مع صديقه سقاء المياه الفقير حسن (يفترض الشاطر حسن)، العروض السحرية والبهلوانية المبهرة التي يؤديها عدة عارضين جاؤوا من جميع أنحاء العالم، فيقرر أن يرتحل حول العالم لتعميق رؤيته وخبراته مع عمه الرحالة الذي أحضر له طائراً يتكلم، اسمه (ياسمينة) تشارك (سندباد) البطولة.


الدراما الخليجية

كان الاستلهام التليفزيوني لحكايات الليالي قد بدأ منذ العام 1969م، بانطلاق حلقات الدراما التعليمية الطويلة للطفل (افتح يا سمسم) في الولايات المتحدة الأمريكية، بنجاحها المذهل اقتبست منه بعض النسخ، منها النسخة العربية التي عرض الجزء الأول منها عام 79 في الكويت، تبعه الثاني عام 82، فالثالث عام 89، لكنه توقف في أغسطس 92، بعد بث 44 حلقة، تذكر الناقدة/ كوليت بهنا، شخصية (نعمان) التي أحبها الأطفال كثيراً وتعلقوا بها، فطرحت بالأسواق كدمية، سرعان ما حققت أرباحاً، وكان من الممكن لهذه التجربة التليفزيونية الناجحة أن تستمر، بل وأن تكون أنموذجاً للجدوى الاقتصادية، لمنتج عربي إبداعي، لكنها لم تستمر أو تستثمر! من ناحية أخرى يرى بندر عبد الحميد أنه منذ العام 2010م قامت الإعلامية الإماراتية نورة الكعبي، برئاسة إحدى المؤسسات التنفيذية، فوفرت 54 فرقة عمل، أنجزت كل المراحل العملية التحضيرية لإعادة إنتاج مسلسل (افتح يا سمسم)، كمشروع ثقافي حيوي في أبوظبي. عام 2014 م قدم تليفزيون الكويت الكثير من الأعمال الدرامية للطفل، ومنها مسلسل (علاء الدين). عام 2015م أنتج مسلسل (علي بابا)، تأليف نادر خليفة، إخراج حسين الصالح، بطولة إبراهيم الحربي، جاسم النبهان، محمد السريع، إيمان العبيدي، موسيقى وألحان مرزوق المرزوق، أشعار المقدمة كتبها فايق عبد الجليل، أداء جماعي لفرقة التليفزيون. في سلطنة عمان اشتهر التليفزيون بإنتاج دراما التراث الثقافي عامة، والتراث البحري خاصة منذ العام 1974م، ومنها مسلسل (رحلة السندباد) الذي أعده فريق من كبار المخرجين العالميين.



الدراما السورية

عام 2011م أنتج التليفزيون السوري مسلسل (دليلة والزيبق) المستوحى من ملاعيب الشطار والعيارين بقصة (الشاطر علي الزيبق مع زينب النصابة) في (حكاية أحمد الدنف وحسن شومان مع دليلة المحتالة)، كأضخم إنتاج لذلك العام، حيث بنيت له خصيصاً مدينة إنتاجية، نقلت المشاهد إلى أجواء بغدادية وقاهرية بعوالمها السحرية، كما استقدم لها العديد من مصممي الديكورات والأزياء والماكياج العالميين. استلهمت الدراما بدائع الحيل العقلية لدليلة والزيبق والتي قامت بشكل رئيس على النصب وإتقان فنون التنكر والملاعيب، إضافة لأجواء المعارك الضخمة، ورؤية الإنسان إلى العدالة، التي تمثلت في الخط الفاصل بين الحقد والطمع، ورمزت دليلة بأحقادها للمرأة المتمردة التي لا تنظر إلى العدالة، أما علي الزيبق فمثّل حالة من الشرف والثأر والعشق، ووازنت الدراما بين العدل والطموح. كتب الدراما السيناريست/ هوزان عكو، وأخرجها سمير حسين، وجسدها سامر المصري (الزيبق) وكاريس بشار (دليلة).



الدراما المغربية والأمازيغية

عام 2014م قدمت فضائية مغربية سلسلة من حكايات (ألف ليلة وليلة) مزجت بين القصص والخيال، وتمحورت حول الشخصيتين الرئيسيتين شهرزاد وشهريار، والتزمت بالنصوص الأصلية، كمحاولة لتوظيفها في قالب درامي مشحون بالصراع. جسّد أدوار البطولة النجوم يونس البواب وأيوب اليوسفي وجاد شقيف وفاطمة الزهراء الجوهري وعبدالله بن سعيد وأمينة العلام. لكن تسليط السيناريست الضوء على التراث المغربي، أدى إلى خلل رؤيته البصرية والفنية لحكايات (ألف ليلة وليلة)، رغم جودة توظيف المخرج للتقنيات الحديثة، التي حاول من خلالها إعادة السحر البصرى والخيالي لعالم الحكايات، فقدما بالأحرى قصة اكتنزت بمفردات الثقافة الشعبية المغربية، إضافة إلى استخدام مساحات ممتدة من الصحراء حيث الأسوار والخيام والواحات والمناظر الطبيعية والديكورات المستوحاة من التراث المغربي، ما أدى بمبدعي العمل إلى التأكيد على البعد الحرفي، وربما الدعائي لفنون المعمار المغربي، وابتعدوا بالدراما عن فضاءات قصور الليالي، وما دار داخلها وخارجها من حكايات وقصص متوالدة. عكست الدراما أيضاً، العادات والتقاليد والمعتقدات والمعارف الشعبية المغربية، وليست الخاصة بمجتمعات وأبطال (ألف ليلة وليلة)، وكان للقفطان المغربي دور رئيس، بأقمشته وتصميماته وتطريزاته وألوانه وزخارفه التي توحي بثقافة مرتديه، ناهيك عن الإكسسوارات والمجوهرات والأقراط البربرية والتيجان التي أضافت معاني جمالية عريقة، نقلت المشاهد إلى أجواء ساحرة وخيالية، استمدت جمالها الفني من المأثور الثقافي المغربي، ورغم أنها دراما استدعت الكثير من الموروثات العربية المغربية، والتقنيات الفنية المتطورة، إلا أنها لم تجسد فنيات حكايات (ألف ليلة وليلة) بكل الأفكار التي أكد عليها مبدع الليالي عبر نصوصه الغرائبية، رغم محاولة مبدعي المسلسل محاكاتها بكل تحدياتها وتقنياتها إلا أنهم لم يتمكنوا من استلهامها الجيد، بقدر ما وفقوا في توظيف التقنيات الحديثة، والقدرات الفنية للممثلين، خصوصاً في مشاهد القتال والاستعراضات والشلالات، والتحكم في حركة الصورة بالتصوير ثلاثي الأبعاد، ابتكاراً لخدع بصرية حاكت شخصيات وأحداث خيالية. من ناحية أخرى يحظى الإنتاج الأمازيغي بالمغرب بالمتابعة والاهتمام، ورغم حداثة عهده مقارنة بالدراما ككل، يحظى بتقنيات تصوير عالية، على غرار المسلسلات التركية والمكسيكية، واستغلال المناظر الطبيعية الجميلة لمدينة أغادير الشاطئية. ومن مسلسلات الأطفال استلهم المسلسل الكوميدي خماسي الحلقات (بوتفوناست والأربعون لصاً)، (حكاية علي بابا والأربعين حرامي)، وهو من إخراج الأمازيغي الشهير العربي التيت، بطولة محمد أبو عمران ومحمد أشرطور، وفاطمة تابوكوت، ويحكي عن عصابة تتسلل للقرى بهدف السرقة، فيتصدى لها بوتفوناست (علي بابا).

الدراما المصرية

لما كان الفن الإذاعي يعتمد على حاسة السمع، متفرداً بين الفنون بالآنية، اعتمدت الإذاعة المصرية في بداياتها، على إعداد التمثيليات المستلهمة من التراث، لتوافر عنصر الراوي الذي يحكي للمستمعين الملاحم والحكايات والسير الشعبية، فأخرج محمد محمود شعبان عام 1955م أول مسلسلات (ألف ليلة وليلة)، إعداد طاهر أبو فاشا، ليبلغ قمة الإبداعات التي عبرت عن الأجواء الزمانية والعوالم المكانية، الخارقة والخيالية والغرائبية بالاعتماد على المؤثرات الصوتية، وموسيقى (شهرزاد) لكورساكوف، وتناغمت أغنية التتر بألحانها وكلماتها مع أصوات المجموعة، تناغماً هارمونياً رفيعاً، كما تميزت في الخلفية موسيقى الكمان المنفرد، برقتها ورمزيتها لشهرزاد، مع بداية كل حلقة. وأبدع المخرج في توظيف قدرات زوزو نبيل (شهرزاد)، وعبد الرحيم الزرقاني (شهريار) وغيرهما، ملتزماً بنصوص الحكايات الأصلية خلال ستين حلقة. أما باقي الثمانمئة حلقة التي قدمت في 26 تمثيلية، فقد استلهم فيها أبو فاشا حكايات وحواديت أخرى من وحي الخيال الشعبي وحكي الجدات. ليضرب ثنائي الإبداع (أبوفاشا - شعبان) المثل في الاستلهام الدرامي الشائق والثري لحكايات (ألف ليلة وليلة) بالاستفادة من القدرات الإبداعية، وأفكار وقيم وتطورات العصر وإسقاطها على الدراما. وعلى مدار أكثر من ثلاثين عاماً مضت، جسدت حكايات (ألف ليلة وليلة) تليفزيونياً، بأساليب عديدة، بدأت لأول مرة في سبعينات ق 20 بمسلسل (حكاية دليلة والزيبق)، فحقق نجاحاً جماهيرياً باهراً. عام 1981م قدم مسلسل لنجلاء فتحي وحسين فهمي التزم بأحداث الحكايات وطبيعة عصرها قدر المستطاع، ورغم تمكن أحمد بهجت كاتب العمل، ويحيى العلمي مخرجه، إلا أنهما لم يوفقا في استلهام النصوص الأصلية، في رؤية أبو فاشا الذي أوضح أن شخصيات الأساطير وملوك الجن –فنياً- لا تتحدث بشكل روتيني كأن يقول الجن، مثلاً: (هات لي كوب ماء)، فالأفضل أن يتميز الحوار بالسجع ليعطي الشخصية روحاً مختلفة، وبعداً فنياً عميقاً يهب الشخصية مذاقها الخاص، كأن يقول: (دموعك يا إنسي أثرت في نفسي). في الثمانينات أنتج التليفزيون المصري مسلسل (علي الزيبق) بطولة فاروق الفيشاوي. بالإضافة لحلقات رسوم متحركة للأطفال عن سندباد وعلاء الدين وعلي بابا. في السنوات التالية قدمت نسخ جديدة من مسلسلات (ألف ليلة وليلة)، فلم يوفق معظم مبدعيها في الكثير من التحديات الفنية والإبداعية، رغم محاولاتهم تقديم حكايات (ألف ليلة وليلة) بشكل جديد وأبطال مختلفين، آملين النجاح، لكن أحداثها لم تجتذب الجماهير إلا قليلاً، ولعل أبرزها وأشهرها في تاريخ الدراما المصرية، مسلسل نجلاء فتحي وحسين فهمي، وفوازير (الليالي الألف) لشريهان، ورغم الإعداد الدرامي لألف ليلة في أكثر من أربعين تمثيلية، والاستعانة بأداء كبار النجوم، إلا أنها لم تنجح، اللهم إلا مسلسلات (عروس البحور) لشريهان ومحمود الجندي وعمر الحريري عام 85، ثم (مشكاح وريما) إنتاج 87 لشريهان وزوزو نبيل وجمال إسماعيل، والأخير رويت أحداثه بأسلوب درامي شيق وأداء حركي رفيع، وتوظيف للرسوم المتحركة خلال مقدمات حكايات شهرزاد، واستعارة صوت زوزو نبيل بالحلقات الإذاعية الأولى، وتوظيفه الجيد. عام 90 أنتج مسلسل كتبه أحمد بهجت وأخرجه عبد العزيز السكري، أشعار محمد بهجت، ألحان حلمي بكر، غناء وتمثيل إيمان الطوخي (شهرزاد) التي تروي فيه لشهريار/ يوسف شعبان، عدة حكايات ممتعة، منها (حكاية الصياد والجني المارد)– (الأربع سمكات)– (ست الحسن والشاطر حسن)– (الملك يونان والحكيم رويان)– (السبع بنات)– (القضاء والقدر)– (بنت السلطان)– (الأمير المسحور). عامي 93 و1994م استلهم الكاتب يسري الجندي (ألف ليلة وليلة) على غرار مشروعه لتوظيف التراث الشعبي، طارحاً قضية الشكل ومفردات الخطاب الفني المستلهم من مفردات التراث وعبقه وزخمه الروحي، بجانب ما يطرح من قضايا، مجتهداً في تقديم دراما تستلهم التراث برؤى معاصرة في عدة أعمال، منها مسلسلان لألف ليلة، اختار البدء في أولهما بالحكاية الإطارية (شهرزاد وشهريار)، مؤكداً على علاقة الرجل بالمرأة في امتدادها وتسلطها الذكوري الأحادي الرؤية، حيث تقتحم شهرزاد عقلية شهريار الجائرة، لتزيل استبداده. اختار الجندي حكايتي (علاء الدين أبي الشامات)، و(معروف الإسكافي). كما تصرف واستعار ووظف بعض الحكايات الأخرى، لتوفير إضافة مهمة تقدمها شهرزاد خلال معركتها لإعادة صياغة عقل شهريار. بعده كتب دراما (علي بابا) ليحيى الفخراني، إخراج جمال عبد الحميد، موسيقى وألحان عمار الشريعي، أشعار سيد حجاب، غناء حسن فؤاد. عام 96 قدم اتحاد الإذاعة والتليفزيون مسلسل الأطفال (السندباد البحري). عام 2001م قامت نيللي ببطولة فوازير (ألف ليلة وليلة)، شاركها البطولة الفنان محمود قابيل، كتب حلقاتها الشاعر عبد السلام أمين، لحنها عمار الشريعي، وأخرجها عمرو عابدين. كما قدم فاروق الفيشاوي ونيرمين الفقي مسلسل لألف ليلة لم يكن جيداً، رؤية وإخراج عادل مكين، سيناريو وأشعار وحوار مصطفى حافظ، كلمات المقدمة رضا أمين، ألحان ياسر عبد الرحمن، غناء هبة أمين، استعراضات حسن عفيفي، أداء صوتي إيناس جوهر.

هل أصبحنا فقراء درامياً؟

رغم أن هناك العديد من أعمال الدراما التليفزيونية التي حاولت أن تستلهم حكايات (ألف ليلة وليلة) بسياقاتها الدرامية الخيالية الفانتازية، وإنتاجها في مسلسلات ضخمة مادياً، لم يوازها بالفعل ثراء درامي يستحق، ورغم أن هناك مسلسلات أجنبية مبهرة تقنياً وفنياً، كان لإطارها الدرامي مرجعية فكرية عميقة استمدها مبدعوها من حكايات الليالي، فاستحقت عن جدارة واستحقاق، التكلفتين المادية والبشرية الضخمتين في سبيل إخراج عمل درامي ناضج وجيد، إلا أن معظم الأعمال الدرامية العربية التي استلهمت (ألف ليلة وليلة) انحصرت في مجرد الترفيه السطحي، ولم تمس فكر المشاهد أو وجدانه أو سيكولوجيته، ولم تتأمل وتحلل وتربط بين موضوعاتها وبين العديد من الإشكاليات والقضايا العربية المعاصرة التي كان من الممكن توظيفها درامياً، خصوصاً أن حكايات (ألف ليلة وليلة) تضم العشرات من المشتركات القديمة - المعاصرة، كما تضم الكثير من العبر والمثل والقيم والتيمات الفلسفية والفكرية والنفسية، التي تمنح الخيال قوته وتأثيره الوجداني العميق، بل ومن الممكن أن ينقل المبدعين، العديد منها إلى دراماتهم، إذا وجدت من يستخلصها ويبرزها، ناهيك عن الحكاية الإطارية والمحتوي الفانتازي المبهر للحكايات. وفي المسلسل المصري (ألف ليلة وليلة) لعام 2015م، كان المفترض والمأمول، أن يعتمد ذلك الأسلوب الإنتاجي، وأن لا يقتصر على التقنية التكنولوجية والخدع البصرية فحسب، بل وإمكانيات وقدرات الممثلين أيضاً، وكان لا بد أن يتوافر قبل كل هذا، نص درامي مكتوب بحرفية عالية، لذا لم ينجح، وانقسم المسلسل إلى ثلاث حكايات، الأولى جسّدها شريف منير ونيكول سابا (شهريار وشهرزاد)، ودارت حول مشكلات الحكم والطمع فيه وأرجعت عقدة خيانة الزوجة الأولى لوالد شهريار وليس لشهريار. الثانية جسّدها أمير كرارة وعائشة بن علي، ودارت حول البحار نجم الدين، الذي يسعى وراء الكنز، ويتعرض لبعض مؤامرات رفاقه، بجانب مغامراته خلال محاولات اكتشافه الكنز. أما الثالثة فجسدها آسر ياسين ونسرين طافش، عن ساحر، تحبه أختان توأم. المسلسل تأليف محمد ناير، إخراج رؤوف عبد العزيز. ويرى الناقد رامي عبد الرازق أن بالعمل مشكلتين أساسيتين، الأولى عدم وجود مضمون فكري أو فلسفي أو نفسي يؤكد عليه، الثانية عدم احتوائه أي إسقاطات سياسية أو اجتماعية، فجاء سطحياً مفتقداً المضمون الدرامي القيم، رغم انقسامه بين زمنين مختلفين، الأول: زمن شهريار الذي تحكي له شهرزاد حكاية نجم الدين وقمر الزمان، الثاني: زمن حكاية نجم الدين الأسطورية أو الخيالية نفسها. الزمن الأول ميلودرامي نمطي، على مستوى علاقة شهريار بشهرزاد، صحيح أن الكاتب زاد على علاقتهما، فكرة أن شهرزاد تريد التخلص من شهريار -ثأراً لأمها- لكن يظل الإطار العام لزمن شهريار وحاشيته والمشاكل التي يواجهونها، مشكلات نمطية مكررة، وامتلأ بالمغامرات بغض النظر عن المعاني والدلالات العميقة، إضافة لعدم تقديم رؤية تناسب الحكاية الإطارية، وعوالم فانتازيا ألف ليلة، ولم تتضمن صراعاتها أبعاداً درامية عميقة. إضافة إلى الاقتباسات الكثيرة الفجة من أفلام أجنبية لا تنتمي إلى عوالم الليالي، وتراثها الخيالي والفكري، بدلاً من الاستقراء العميق لحكايات (ألف ليلة وليلة)، فبدا السياق الدرامي غريباً عن ثقافتنا. وكان من اليسير أن يكتشف المشاهد تلك الاستعارات، وأن توظيف فكرة مثل، سيد الخواتم في عنصر خاتم حجر الغرام الذي ارتداه الملك طاهروز القبيح ويحبه حباً جنونياً (مذكراً إيانا بشخصية غولوم في ثلاثية مملكة الخواتم) والذي يجعل الجميع يرون الملك في صورة جميلة، كذلك نلمح تأثيراً لفيلم (مملكة الخواتم) في عناصر: الأرض السوداء التي تذكرنا بمملكة موردور أرض الملك الشرير سارون بالبرج العظيم الذي ينتصب عالياً فيه، أما تأثير فيلم (قراصنة الكاريبي) فحدّث ولا حرج، مثل توظيفه أفكار: ضوء القمر الذي يكشف الخريطة التي على جسد الفتاة قمر الزمان كما كان يكشف القراصنة الموتى في الفيلم، أما نجم الدين بطل القصة فقرصان بحري كالكابتن جاك سبارو، خلال سعيه إلى كنز عظيم تماماً، كالقرصان الأيقوني، وفي سبيل هذا الكنز يسير على خلفية خريطة يجمعها من أماكن عدة، منها جزر متحركة، أهلها من آكلي لحوم البشر، تماماً مثلما جاء في أحد أجزاء الفيلم الأمريكي الشهير، إضافة لاقتباسات عديدة من أفلام مثل (ماتريكس) عندما يقوم الجن (شاركان) بإغلاق فم الملك طاهروز، كي لا يتكلم، مثلما فعل العميل سميث مع نيو، في الجزء الأول من سلسلة المصفوفة الشهيرة، ولا يتسع بنا المجال لذكر كل الاقتباسات والتحويرات، مما فرّغ الدراما من مضامينها الفكرية والوجدانية العميقة، إضافة لقيامها على مفردات لا تمت بصلة إلى الاستلهام الإبداعي لحكايات ألف ليلة. الأمر الذي نتساءل معه عن جدوى إنتاج ضخكم مادياً، لا يوازيه قدرات فنية وفكرية وإبداعية رفيعة، تحلل وتناقش إشكاليات معاصرة عديدة تتناص مع حكايات (ألف ليلة وليلة)، يمكن أن يعاد قراءتها واستلهامها وتقديمها، بشكل يجتذب العقل قبل العين، لكن يبدو أننا أصبحنا فقراء في الاستقراء الإبداعي لأهم وأشهر حكاياتنا العربية (ألف ليلة وليلة)، رغم جهود كبيرة لفريق العمل، لكنها لم تكن في مكانها السليم من خريطة الاستلهام الدرامي. إن إعادة إنتاج مسلسلات (ألف ليلة وليلة) بشكل مختلف، لم تفد المشاهد، ورغم توظيف التقنية التكنولوجية، لم يستطع مبدع الدراما استخلاص أو تقديم ما تحتويه الحكايات الأصلية من قصص وأفكار كثيرة، يمكن أن تستغل بنجاح في عمل كبير، بدلاً من الاقتباس من موضوعات ومفردات الثقافات والآداب الشعبية الأجنبية.

أنموذج الدراما العالمية

سنتعجب طويلاً إذا عرفنا أن الأكاديميات الفنية، والمعاهد السينمائية والتليفزيونية العالمية تعتبر نصوص (ألف ليلة وليلة) أنموذجاً معيارياً رفيع المستوى، تتميز قيمه الفنية والبنائية والجمالية، ويفضل أن ترتقي إليه نصوص الدراما المرئية، بل ويتمنى كل الكتاب الغربيين الارتقاء بدراماتهم إليه، والتي لن يكون من السهل الارتقاء إلى مستويات الغرائبية والتشويق ومتابعة الشخصيات والأحداث والأمكنة، لأن نصوص ألف ليلة حالات عبقرية في تاريخ الكتابة الفانتازية الدرامية، لذا كانت ولا تزال من سنوات وإلى الآن قيد الدراسة والتدريس، وهي تحتاج بالفعل إلى بحث أكاديمي خاص لكيفية تشكيل منهج للكتابة التليفزيونية منها، كما تحتاج لعمل تليفزيوني يليق بثرائها وقوتها. ورغم أن الغرب حاول وضع معالجات لحكايات ألف ليلة من الناحية الفكرية والجمالية في خطابه السمعي البصري، ورغم علاج مقومات الموضوعات التي تناولتها الشخصيات بأدوارها وأبعادها الفكرية والاجتماعية والأخلاقية، بالقدر الذي تقتضيه آليات المعالجة بالكشف عن نوع القص ونظامه البنائي وأشكال تناوله والدوافع التي قادت إلى حدود التشابه والاختلاف، إلا أن كل المعالجات الغربية لدراما الليالي جاءت عبر العين الغربية لتلائم ثقافة وسيكولوجية الإنسان الغربي وليس العربي، وهذه هي المشكلة التي أوضحها المخرج العراقي المبدع صالح الصحن في دراسته المهمة (ألف ليلة وليلة في السينما والتليفزيون عند الغرب)، خلال بحثه الكيفيات الدرامية العربية التي ينبغي أن تكون في وضع وتطبيق المعالجات الجمالية والفكرية المناسبة لخطاب الدراما العربية، والتي تحلل وتستلهم نصوص حكايات (ألف ليلة وليلة) من منظور فني سليم، وبرؤى إبداعية عربية، تستقرئ جيداً نصوص الحكايات الأصلية، على ضوء ما خرجت به نتائج عصر من دراسات وبحوث التنظير الأكاديمي يبلغ أكثر من 75 عاماً منذ أول دراسة أكاديمية للدكتورة سهير القلماوي عام 1941م.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى