مصطفى الموسوي - زهايمر في مساء حزين

الكل أصبح خلفك..أصدقاء وجنود وكلاب سائبة تعتاش على أشلاء الشبيبة
الكل أنت تتقدمهم ..حروب وأحلام وسعادات صغيرة
الآن أنت تعتاش على الندم وبعض الذكريات السقيمة عن السياسة والأحزاب الفاشلة
ليس أمامك من مهرب نحو الأمام
في خريف العمر..الآن .. أنت ..تتذكر مافات
كركرات البراءة
واندهاشات الإكتشافات الأولى للأسرار
واعتقادك الطاغي بأنك مع الجموع تستطيع تغيير العالم الذي كان طوع أحلامك الوردية في يوم ما
اليوم تكتشف انك لم تستطع تغير حتى عاداتك السيئة الصغيرة، ساهماً ترمق بعين الحسرة حطام القارب الحزين لحياتك المبعثرة
حزينُ أنت ..تتذكر الأشلاء المتلاشية لجنود لم يبق من ملاحمهم سوى الدخان ، تتذكر علامات الدروب التي ساروا عليها لكن لاتتذكر ملامحهم
لاتتذكر الحب الذي يرتسم على وجوه المغادرين منهم بعد كل هذا البون الفاصل بين اللحظتين،
لكنك تتذكر الحب الذي افتقدوه والجفاف الذي شربوه
الآن تكز على اسنانك حين تغزوك قساوة تلك الساعات المترعة بالموت..وجودها الحاضر بين ثنايا الدم لم يفارقك أبداً
تحت طبقات متحجرة من الآلآم تنام الأحلام القديمة نومتها الأبدية
وفي محاولتك لتوثيق الغبار تتسائل مع نفسك ..عن مدى المشروعية في بعث رسالة الى الماضي..
هل من حقك أن تقلق الاسترخاء الذي يعيشه الاخرون ممن فارقتهم في عام 1984 ؟
وتعود الى وعيك لتكتشف بأن العودة الى الماضي ماهي الا محاولة لتوثيق الغبار …
غبار ودخان وأغاني تعبوية
تستذكر الآن نهاراً دافئاً غيمتهُ الحزن الذي تخثر في صدرك من ليلة البارحة في تلك الأيام
..بوق تقديم الموجود يدفعك لقطع الأنفاس…
آمر الوحدة في وضع الأستعداد ومقدم الوحدة يتقدم نحوه بخطى ثابتة
يقولون انه مثقف (أمر الوحدة هذا) ربما ألف كتاباً عن الطيور.
سرب الطيور الذي ينطلق من أقفاصه مع البوق الأول ينحدر نحوه بشكل مثلث رأس السهم في لحظة مراسم تسلمه الموجود من قبل مقدم الوحدة.
الموجود اليوم نقص مئة رقم.. لم يكونوا سوى ذكرى جنود رحلوا مع الهزيع الاخير من الليلة الفائتة دون أن تسنح لهم فرصة الوداع الأخيرة حيث كانوا منسحبين الى دواخلهم كالقنافذ.
بالأمس صوت البوق ..كان في غير الوقت المعتاد كان نذير شؤوم بالنسبة لك ولمن أرتشف الشاي وتسامر معك للمرة الأخيرة.. المهمات القذرة كانت تترك عادة لنواب الضباط لذلك استشعرت ومن معك الخطر حين شاهدتم رئيس عرفاء الوحدة وهو يحثكم على التجمع.
الآن وأنت ماتزال تسامر نفسك.. ومن معك ..لم يعد لهم وجود.
انتبهت الى نفسك بعد أن أرتفع صوت التلفاز بصورة مفاجأة، كان هناك ثمة محللان سياسيان يعصران عقليهما دون جدوى لتفسير سقوط الموصل، فيما كان الخبر اسفل الشاشة يشير الى أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب احتفل بعيد ميلاده التسعين بالسقوط الحر لمدة عشر ثوان بالمظلة، مصرحاً بأنه كان يوماً رائعاً وجيد بما يكفي للقفز بالمظلات.
انتابتك نوبة ضحك هستيرى من نفسك وأنت تصحو على حقيقة أنك تعيش في أرذل العمر مع أنك لم تتعدى الرابعة والخمسين.

حزيران 2014


منقول عن الناقد العراقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى