أمل الكردفاني - الدستور أم الأمن القومي؟

✍ كان علي أن أدلي برأيي في موقع أمريكي حول مشكلة واجهت الكثير من الحاصلين على درجة الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهي مشكلة جعلت من حصول هؤلاء على الدرجة العلمية نقمة على مستقبلهم العلمي بل ودمرت كل أحلامهم في التطور الأكاديمي رغم أنهم يصنفون كعباقرة.
تتمثل المشكلة في أن أبحاث الدكتوراه التي قام بها هؤلاء خطيرة جدا بحيث أن الحكومة الأمريكية تمنع نشرها وتمنع منح هؤلاء شهادات الدكتوراه رغم مناقشتها وإجازتها لأن هذه الرسائل تمس الأمن القومي الأمريكي في العمق. وبالتالي يعاني الحاصل على الدكتوراه من عدة مشاكل أهمها أنه لا يستطيع الترقي في عمله لأنه لا يستطيع إبراز شهادة الدكتوراه ولا حتى تقديم نسخة من الرسالة. هذا إذا كان يعمل بالفعل أما إن لم يكن يعمل فلن يستفيد من حصوله على الدكتوراه في إيجاد عمل ، وفي أحيان كثيرة يمنع هؤلاء من السفر إلا عبر إجراءات دقيقة ورقابة وتحقيق للتأكد من عدم وجود أي إمكانية لنقل رسائلهم إلى دول أخرى.
لقد كونت مجموعة من هؤلاء قروبا للبحث عن مدى دستورية قرارات الحكومة الأمريكية التي تنتهك العديد من حقوقهم المحمية بالدستور الأمريكي كالحق في العمل والسفر والحصول على الترقية ...الخ.
في الواقع امتنعت عن إبداء رأيي حول هذه المشكلة لأن المسألة هنا فوق القانون بل فوق أعلى نص قانوني في الدولة وهو الدستور.
فالدستور لا ينشأ إلا في ظل وجود دولة ؛ فالدستور لا ينشيء الدولة وإنما الدولة لابد أن تكون موجودة مسبقا ثم تعمل على تنظيم مؤسساتها وعلاقاتها عبر إستنان الدستور.
يمثل الأمن القومي مصطلحا فضفاضا جدا ، لكن في كل الأحوال فهو يرتبط (بوجود وعدم وجود) الدولة ذاتها وليس فقط بمصالحها الجوهرية. ووجود الدولة أهم من الدستور ؛ فقد تكون هناك دولة بلا دستور ولكن لا يمكن أن يكون هناك دستور بلا دولة.
ولكن..ماهو ضابط الأمن القومي؟
في الواقع تبدو مشكلة وضع حدود للمصطلحات معقدة جدا ، فالمصطلحات لا توضع بشكل قطعي وحازم عندما تتعلق على وجه الخصوص بنظرية (الملاءمة). وتمتلك أي حكومة سلطة تقديرية واسعة بحيث لا يجوز أن تخضع لرقابة القضاء- وهذه الملاءمة هي نفسها التي أفرزت مشاكل أخرى كالجدل المزمن حول (أعمال السيادة) ، وهي أعمال يمكن للحكومة (باعتبارها سلطة حكم وليس فقط سلطة إدارة) أن تقوم بها دون أن تخضع لرقابة القضاء العادي أو الدستوري. وهناك جدل مطول في الفقه الفرنسي والأمريكي حول هذه المسألة لا سبيل إلى مناقشته هنا.
لذلك فمصطلح الأمن القومي مصطلح لا يضبطه إلا شكل نظام الحكم (عسكري ، ديموقراطي ، ملكي ..ألخ).
وفي ظل سيولة هذا المصطلح يتعرض الكثير من المواطنين للقمع واغتصاب حقوقهم ، مع ذلك فلم يعقد حتى الآن منبر قانوني ليناقش الحدود الضابطة لهذا المصطلح باعتباره متعارضا مع التوجه الدستوري العالمي نحو عدم تحصين أي عمل من أعمال الدولة (مادي أو قانوني) من الطعن فيه أمام القضاء.
وربما يكون ذلك القصور لأن النقاش الفقهي نفسه الذي سيحتدم حول هذا المصطلح سيعبر عن تناقضات أصحاب كل رأي مع باقي الآراء باعتبارهم يتناقشون حول مسألة تتعلق بالملاءمة وليس بالضبط القانوني الجريدي.
قد ينتهك مصطلح الأمن القومي أول وثاني خصائص القاعدة القانونية وهما العمومية والتجريد ، وقد ينتهك أهم عناصر الالتزام القانوني بشكل عام وهو عنصر المسؤولية أي أن يمتلك كل فرد حق التتبع والمنع القانوني (كما هو الحال في حق التملك) ، ومع ذلك يظل الأمن القومي مسألة شائكة ومعقدة جدا ، لذلك فأولئك الدكاترة (مع وقف التنفيذ) لا سبيل أمامهم سوى القيام بعمل أبحاث أخرى جديدة ، ومن ناحية سيكولوجية ، فإن من يتعرض لما تعرضوا له سيقوم بعمل بحث شديد التفاهة كنوع من الانتقام السلبي.
والله المعين...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى